إغلاق محطات غسيل السيارات في تونس: وضعيّات اجتماعيّة هشّة تضاف إلى القائمة

وزارة الفلاحة في تونس تصدر بلاغاً لتوزيع المياه الصالحة للشرب، ويحجر استعمالها في الأغراض الفلاحية وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات بسبب أزمة الجفاف المحدق.

  • إغلاق محطات غسيل السيارات في تونس: وضعيّات اجتماعيّة هشّة تضاف للقائمة
    تعالت أصوات المزارعين وعمال محطات غسيل السيارات الذين يواجهون شبح البطالة لا محالة

عند الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية يبدو أن أوّل المتضرّرين يكونون من الفئة الأشد هشاشة، والحال كذلك مع موجة الجفاف والعطش التي تهدّد تونس وما انجرّ عنها من إجراءات للاقتصاد وترشيد استخدام الماء الصالح للشرب، ومنع أنشطة على غرار غسيل السيارات والزراعة. وتصل عقوبة المخالفين حد العقاب بالسَجن، عبء اجتماعي واقتصادي آخر في تونس؟

دخلت تونس حالة الطوارئ المائية إذ أصدرت وزارة الفلاحة بلاغاً لتوزيع المياه الصالحة للشرب، ويحجر استعمالها في الأغراض الفلاحية وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات بسبب أزمة الجفاف المحدق، بعد 4 سنوات عجاف قلّت خلالها التساقطات وشحت مياه السدود والمياه الجوفية على حد سواء.

وعلى أثر هذه القرارات، تعالت أصوات المزارعين وعمال محطات غسيل السيارات الذين يواجهون شبح البطالة لا محالة مستنكرة، خاصة وأن ترشيد استخدام الموارد المائية يمتد إلى حدود الـ 30 من شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

محطات غسيل السيارات لا تستهلك كميات مياه كبيرة

وأمام هذا الوضع المأزوم، أوضح نائب رئيس الغرفة الوطنية لمحطات بيع النفط والغسيل والتشحيم، علي بن يحيى، في تصريح للميادين نت أنّ نشاط محطات غسيل السيارات ينتعش في فصل الصيف دون غيره، وأنها لا تستهلك كثيراً من المياه مقارنة بقطاعات أخرى، فبحسب تقديره إن معدل استهلاك محطات غسيل السيارات لا يتجاوز 8 أمتار مكعبة من مياه الشرب يومياً أي بمعدل أقصى يقدّر بـ 200 متر في الشهر، وذلك نتيجة تجميع كتلة من الماء والهواء المضغوط عند غسل السيارات.

ويستشرف محدثنا مقبل الأيام في ظل هذا المنع فيقول إن قرار وزارة الفلاحة والموارد المائية القاضي بمنع استعمال مياه الشرب في غسيل السيارات سيؤدي إلى الغلق الكلّي والإفلاس أو إلى تسريح أعوانها ومنحهم عطلة مفتوحة المدى أو تسريحهم نهائياً، نتيجة تخوّف أرباب العمل من العقوبات والتبعات القانونية التي قد تطالهم في حال المخالفة.

ويفوق عدد العمال في محطات الغسيل بتونس الـ 10 آلاف وفق المصدر ذاته والذي يرى أنه كان أجدى بالسلطات المعنية الإعلام قبل شهر أو أكثر حتى يحاولوا إيجاد حلول للتكيّف مع الوضع. وعن مطالب العمال وأصحاب المحطات، دعا وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى مراجعة القرارات واستثناء محطات غسل السيارات من تحجير غسل السيارات، مؤكداً أنه تسود حالة من الغضب والحنق الشديدين أوساط العاملين بالقطاع خاصة أن الإجراءات تزامنت مع شهر رمضان وضغوطاته المادية.

واقع مرير وأعباء، عبّر عنها أنيس (37 عاماً) وهو عامل في محطة لغسل سيارات بمنطقة لافيات في تونس العاصمة، حيث اعتبر أن عطلته الإجبارية تلوح في الأفق وأن عليه إيجاد بدائل رغم امتهانه لغسل السيارات منذ سنوات عديدة.

أما أجور عمال محطات غسيل السيارات فهي لا تغطي كل النفقات، علماً أنهم أيضاً يشتغلون في تعبئة الوقود وغيره من الأنشطة داخل محطات الوقود، خاصة في ظل فقدان المواد الأساسية وغلاء الأسعار بحسب رأيه.

ويضيف "تقع على عاتقنا العديد من الالتزامات، فأنا مثلاً أب لطفلين والمدراس تتطلّب مصاريف كثيرة إلى جانب إيجار المنزل والفواتير وكسوة العيد ومصاريف رمضان"، ويقول بحنق "تأتينا المصائب في تونس على حين غرة فلا يقع حتى إعلامنا لنتدبّر الأمر".

"إن الحياة أصبحت مضنية للطبقة الفقيرة وكل الإجراءات والقوانين لا تراعي ظروفهم الاجتماعية ولا يفكّر أحد المسؤولين عند اتخاذ قرار في تقديم بدائل لنا أو توفير مورد رزق آخر"، بهذه العبارة بدأ محمد (50 عاماً) وهو عامل بمحطة غسيل سيارات الحديث.

أزمة مزدوجة بين الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ولا توجد حلول جذرية لها، وأضاف محمد ساخراً "في بلد يعاني الجفاف يعتقد المسؤولون أن إغلاق محطات غسيل السيارات لمدة ستة أشهر سيحلّ إشكال المياه من دون التفكير في الإشكالات الاجتماعية التي تخلقها مثل هذه القرارات الفجائية، بدل التفكير في حلول أشد نجاعة على المدى البعيد".

حلول ترقيعيّة تخلق مشاكل اجتماعية

ولا يبدو الوضع أفضل بالنسبة لأصحاب محطات الوقود وغسيل السيارات الذين يواجهون مشاكل مالية وعبّروا عن غضبهم إزاء ما يحصل.

فمن أمام محطته في منطقة العوينة، يقول نزار (55 عاماً) إن أحد أهم الأرباح التي تجنيها هذه المحطات تأتي من غسل السيارات، وذلك في ظلّ ضعف هامش الربح الذي يوفّره بيع المحروقات والذي لا تتجاوز نسبته 3 في المئة. متأسفاً تابع نزار إن كل محطة تشغّل من 3 إلى 5 عمال وإنه مضطر لتسريح عدد من العمال و"نحن على أبواب عيد الفطر حيث أصبحوا يمثّلون عبئاً على محطة الوقود".

وخلال جولة في منطقة أريانة، اعتبر محمد أمين صاحب محطة غسيل (39عاماً) أن هناك سوء إدارة في كل شيء وأولويات لاستعمال المياه، والدولة اختارت الفقراء لسحقهم، فهي لم تمنع الأنشطة السياحية ولا قنّنتها، فالنزُل تستهلك نسبة كبيرة من المياه في المسابح والجاكوزي والتنظيف وغيره، والتصنيع أيضاً ومراكز الاستشفاء وغيرها من الأنشطة، لكنّ المسؤولين وفي كل مرة يختارون الحلقة الأضعف. ثم يردف قائلاً: "لا أظن أنه بإمكاني المقاومة وسداد الديون والقروض إذا ما تواصل قرار التحجير خلال الصيف المقبل".

في المحصّلة، إنه رغم التخويف من الفقر المائي توجد حلول أخرى مثل تنقيح "مجلة المياه" أو اعتماد البصمة المائية من دون المساس بقوت الفقراء. فمثل أنيس ومحمد كثر مهدّدون بالطرد أو تمّ فعلاً تسريحهم، فيما قد يضطر أرباب الأعمال لإغلاق موارد رزقهم إذا ما تجاوزت الأعباء والمصاريف الأرباح المتأتية من هذا النشاط.