الباب السرّي إلى "سيّدنا الحسين".. هكذا يقيم المصريّون عزاءهم بعاشوراء

داخل مقام الإمام الحسين يتراص عشرات الزائرين مسندين ظهورهم على حائط المقام يتلون آيات القرآن، ويتمتمون بالأدعية والحاجات، بينما يقف عشرات آخرين يتعلقون بالسور الخارجي المعدني المطلي بالفضة والذهب الخالص.

  • الباب السرّي إلى
    الباب السرّي إلى "سيّدنا الحسين".. هكذا يقيم المصريّون عزاءهم بعاشوراء

إجلال ومهابة ووقار، هكذا يصف الزوّار شعورهم في مقام "الحُسين" في القاهرة. يجيء المصريّون من مختلف المناطق للتبرّك والدعاء لدى حفيد رسول الله وابن الإمام علي بن أبي طالب. وخصوصاً في هذا الوقت من السنة، في ذكرى استشهاده مع أهل بيته في كربلاء عام 61 هجريّة، والمعروف بيوم عاشوراء. 

في المسجد الكائن بمنطقة "الحسين"، المسماة على اسمه في قلب القاهرة، تتكاثف مشاهد لآلاف الوافدين والزائرين من الأجانب والمصريين، إذ ترى أياد تتعلق بمقامه الشريف، وشفاه تتمتم الأدعية والذكر والقرآن، طمعاً ورجاءً في القبول والتقرب، بينما تذرف العيون دموعها خشوعاً، لـ"تفرغ في النهاية الأرواح والقلوب المثقلة بالتعب همومها، وتُغسل كورد الصباح حين يزوره الندى"، يقول الزائر الأربيعيني أحمد عادل.

"طمأنينة وسكينة تنساب في الجسد داخل المقام الشريف لسيدنا الحسين، سبط رسول الله، وريحانته من الدنيا"، وفق عادل، الأب لثلاثة أبناء، من محافظة المنوفية، والذي يحرص على زيارة مقامات وبيوت أولياء الله بشكل دائم. ويضيف للـميادين نت: "يوم عاشوراء ذكرى أليمة على نفوسنا، نحتفل ونصوم تقرباً لله وحباً في الحسين وآل البيت، ونصنع طبق عاشوراء، وهو خليط من القمح واللبن والسكر والزبيب وجوز الهند والمكسرات كعادة متوارثة".

ثلاثة أبواب لكل منها قصة مختلفة، هي أبواب مسجد الحسين التاريخي الذي بُني في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية، الموافق لسنة 1154 ميلادية، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع، إذ هي مبنية بالرخام الأبيض تطل على شارع خان الخليلي السياحي والتاريخي، فهناك "باب الفرج"، نسبة إلى أن من يأتي إلى الإمام الحسين وبه كرب أو حزن أو غم فالله سيفرّج عما ألمّ به، و"باب الست"، والذي تعود تسميته إلى السيدة زينب أخت الإمام الحسين، و"الباب الأخضر" نسبة إلى المئذنة الفاطمية التى تزدان باللون الأخضر، ويدخل منه الزائرين إلى المقام مباشرة.

الباب السري وقلوب عاشقة للحسين

  • ثلاثة أبواب لكل منها قصة مختلفة، هي أبواب مسجد الحسين التاريخي الذي بُني في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية
    ثلاثة أبواب لكل منها قصة مختلفة، هي أبواب مسجد الحسين التاريخي الذي بُني في عهد الفاطميين سنة 549 هجرية

داخل مقام الإمام الحسين يتراص عشرات الزائرين مسندين ظهورهم على حائط المقام يتلون آيات القرآن، ويتمتمون بالأدعية والحاجات، بينما يقف عشرات آخرين يتعلقون بالسور الخارجي المعدني المطلي بالفضة والذهب الخالص، فيما يحاول البعض الدخول إلى الباب الرابع والذي يسمى بـ"الباب السري"، الذي تفوح منه رائحة الطيب، وسُمّي بهذا الاسم لأنه وفقاً لمصادر تاريخية دخل منه رأس الحسين سراً إلى المسجد، بعدما نقل من الدرب الأحمر ، وسط القاهرة، من مسجد الصالح طلائع.

ممسكاً المصحف الشريف في يدٍ، والأخرى معلقة بالمقام ويتمتم بالأدعية وآيات قرآنية. هكذا بدا محمود الجلفي، من محافظة سوهاج، أقصى صعيد مصر، والذي جاء لزيارة "طبيب القلب"، وفق وصفه، في القاهرة.

لقد ألمّت بالجلفي مشاكل صحية عدة، زار على إثرها عشرات الأطباء، "لكن اليوم جئت إلى هنا للتكلم مع سيد شباب أهل الجنة ومحبوب النبي، الذي له حب وتقدير خاص بقلوب المصريين، لعل وعسى أن يقبل الله دعوتي بالشفاء، نحن نحب الحسين وآل البيت، ونعتبر زيارة مقامه السامي، بمثابة زيارة الكعبة المشرفة باختلاف الشعائر"، هكذا وصف مشاعره الجياشة داخل المقام، محاولاً سرد مدى قوة ارتباط المصريين بالمسجد روحياً وتاريخياً.

ويضيف للـميادين نت: "نحتفل بيوم عاشوراء، ذكرى استشهاد الحسين، الأليمة على نفوسنا، نصوم ونصلي ونزور مقامه الشريف ونجلس إلى جواره محبة وتقرباً لعل وعسى أن يقبل الله دعوتنا، فالمسجد ليس مكاناً للعبادة والصلاة فقط، بل يذهب المصريون إليه للتكلم مع صاحبه والتبارك به، وإشباع روحهم بالإيمان ونور القلب".

"حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا.. حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ"، هكذا بدأ محمد مسعود، المهندس المدني في إحدى شركات المقاولات والبناء، حديثه للـميادين نت، مردداً هذا الحديث الشريف، والذي يدل على فضل الإمام الحسين، ومدى انتماء المصريين له روحياً واجتماعياً ودينياً.

مسعود، الذي يقطن في القاهرة، يقول إن مكانة اليوم العاشر من محرم كبيرة لدى المصريين، لأنه "اليوم الذي استشهد فيه الحسين، فنقيم الاحتفالات الخاصة في مسجده، إذ يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى المسجد الذي يكتظ بملايين الزائرين والمحبين من كل صوب وحدب، أجانب وعرب ومصريين".

أكبر المناسبات الدينية في مصر

  • تاريخ الجامع الحسيني يعود إلى فترة حكم الخليفة الفائز بنصر الله في سنة 549 هجرية
    تاريخ الجامع الحسيني يعود إلى فترة حكم الخليفة الفائز بنصر الله في سنة 549 هجرية

يحتفل المصريون 3 مرات على مدار العام بالإمام الحسين، فهناك "المولد الحسيني"، في 3 شعبان من كل عام، حيث يتجمع مئات الآلاف في ساحة مسجده ، وهو من أكبر المناسبات الدينية والشعبية في مصر، وفق الباحث في التاريخ الإسلامي محمود معوض.

كما يحتفلون في أواخر شهر ربيع الثاني من كل عام بذكرى استقرار رأس الإمام الحسين في مسجده الحالي، وهذا احتفال خاص بالمصريين بقدوم رأس ريحانة رسول الله، ليستقر في أرضهم، بينما يقومون احتفالات ثالثة بذكرى استشهاده، في يوم عاشوراء حيث استشهد الإمام الحسين ورجاله في موقعة كربلاء الشهيرة أمام جيش يزيد.

ويضيف معوض في حديثه للميادين نت أن تاريخ الجامع الحسيني يعود إلى فترة حكم الخليفة الفائز بنصر الله في سنة 549 هجرية الموافق 1154 م، وتوالت العصور حيث عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1761 م لتجدد هيئة الآثار المصرية المشهد الشريف، وتغير قبته وترمم الجامع الحسيني في الثمانينات، وأخيراً افتتحه الرئيس المصري، في آب/أغسطس 2022، في حلّته الجديدة، ليستعيد بريقه التاريخي.

ويشتمل المبنى على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية، ومحرابه بُني من قطع صغيرة من القيشاني الملون بدلاً من الرخام، وهو مصنوع عام 1303 هـ، وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة، وثالث يؤدى إلى حجرة المخلفات التي بنيت عام 1311 هـ.
 
 ومسجد "سيدنا الحسين" بُني بالحجر الأحمر على الطراز الغوطي، أما منارته التي تقع في الركن الغربي القبلي فقد بنيت على نمط المآذن العثمانية وهي اسطوانية الشكل، لها دورتان وتنتهى بمخروط، كما له ثلاثة أبواب، الأول في الجهة الغربية والثاني في الجهة القبلية وباب من الجهة البحرية، يؤدي إلى صحن فيه مكان للوضوء.