المهن الرمضانية الموسمية.. بصيص أمل الغزيين للهروب من البطالة
بات شهر رمضان بالنسبة إلى أبناء قطاع غزة متنفّساً لإحياء حركة البيع، متحايلين على الركود من خلال التسويق للمنتجات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وخفض الأسعار على حساب هامش الربح.
تراقب إسلام الخالدي بعناية عجينة القطايف التي وضعتها للتو على النار كي لا تحترق، استعداداً لتسليم عدة طلبيات قد تلقّتها للحلويات الأكثر شهرة خلال أيام شهر رمضان، لكن القصة لم تبدأ من هنا.
فمن صحافية إلى طاهية، تنقّلت الخالدي بين المهن حتى لا تواجه البطالة، وتقول في حديثها إلى الميادين نت "تخرّجْتُ من الجامعة منذ سنوات ولم أجد فرصة عمل أخرى، فقررت استغلال موهبتي بالطبخ وفتح مشروعاً للمأكولات بأنواعها كافة، لكن خلال شهر رمضان يقتصر العمل على أصناف محدّدة ينشط الطلب عليها كالحلوى والمقبلات التي تزيّن موائد الغزّيين، وتعتبر مصدر رزق للعديد من الشباب خاصة خريجي الجامعات".
يطلق على هذا النوع من المشاريع متناهية الصغر: المهن الموسمية الرمضانية، التي لجأ إليها العامة بعد ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة ووصولها إلى ما يقارب 50%.
تكتم الخالدي، وهي سيدة عشرينية تنهيدتها، التي كادت أن تقطع حديثها، قائلة: "الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً في المدينة المحاصرة، الأمر الذي يلقي بظلاله على تلك المهن الموسمية البسيطة، فلم تعد الزبائن تطلب كالمعتاد، في مقابل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، خاصة ملابس الأطفال، الأمر الذي يضع أرباب الأسر في مأزق حقيقي".
بات شهر رمضان بالنسبة إلى أبناء قطاع غزة متنفّساً لإحياء حركة البيع، متحايلين على الركود من خلال التسويق للمنتجات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وخفض الأسعار على حساب هامش الربح، كي لا تفسد البضاعة وتكون خسارتهم أكبر.
يقول سعيد السقا للميادين نت، إنه بالرغم من الركود الذي يشهده الموسم الحالي إلا أن الموائد الرمضانية في قطاع غزة تخلو من المخللات بأنواعها المختلفة، فتبقى حركة الإنتاج على استحياء ما بين العمل والتوقّف، مبيّناً أن الحل لتلك المشكلة يتمثّل في دعم المنتج الوطني وتشجيعه على الاستمرار طوال العام وليس في المواسم فقط.
يلتقط معتز عودة طرف الحديث من السقا، ليؤكد أن شهر رمضان هو فرصة جيدة للترويج للمشروبات الباردة كالخروب وعرق السوس وغيرها التي تجذب الصائمين في ساعات النهار المشمسة، منتظرين أذان المغرب كي يرووا عطشهم، مشيراً إلى أنه يعمل في تلك المهنة التي يزداد الإقبال عليها خلال شهر رمضان منذ 14 عاماً.
يلفت عودة إلى أنه يكون سعيداً عندما يجتمع الزبائن حوله لشراء أصناف متعددة من العصائر الطبيعية في الفترة الواقعة ما بين أذاني العصر والمغرب، معتبراً تلك الحالة هي أجمل طقوس شهر رمضان التي يتسابق الناس خلالها لقضاء حاجتهم على عجل قبل حلول موعد الإفطار.
وكذلك الحال مع حنان المدهون التي ترى في صنع زينة رمضان بهجة خاصة تضاف إلى البيوت، قائلة: "أعمل في تلك المهنة الموسمية منذ 7 سنوات، بدأت بالكرتون ومن ثم انتقلت إلى الخشب مسوّقة للمشغولات التي أصنعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأتلقّى في كل موسم عدداً من الطلبات لمجسّمات مختلفة، كالمسحراتي، بائع الكنافة، الفوانيس، هلال رمضان، وغيرها".
اصطدمت المدهون كغيرها بتراجع الأوضاع الاقتصادية وعزوف الناس عن الشراء، مما كبّدها خسائر نتيجة تحضيرها لعدد من المشغولات التي لم يتم بيعها، لافتة إلى أن الحصار الإسرائيلي المطبق منذ 17 عاماً، هو المشكلة الأساسية في ركود تلك المهن، فدوماً ما تتلقّى طلبات من خارج القطاع للشراء، لكنها لا تستطيع تصديرها ليبقى عملها محدوداً في مدينتها الصغيرة.
بدورها تجلس الثلاثينية زين هتهت على قارعة الطريق لتبيع بعض الخضروات التي يفضّل الصائمون وجودها على موائدهم، كالروكة والفجل والنعناع وغيرها، لافتة إلى أنها تلجأ إلى تلك المهنة لتوفّر قوت يوم أطفالها السبعة خلال شهر رمضان، عبر كسب عدة شواقل خلال اليوم بالكاد تكفيهم حتى اليوم التالي.
وهتهت هي واحدة من النساء التي ترأس أسرتها في قطاع غزة، حيث بلغت نسبتهن ما يقارب 11%، فمن بين 11 أسرة هناك أسرة واحدة ترأسها امرأة، حسبما أشارت نتائج مسح القوى العاملة التي أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
على الرغم من طول المدة والجهد الذي يبذله العاملون في المهن الموسمية الرمضانية، إلا أنها سرعان ما تختفي ويرجع أفرادها إلى فخ البطالة من جديد الذي يحكم خناقه لأيام طوال، وما يعززه هو تدني الأجور في قطاع غزة التي لا توائم الجهد المبذول طوال اليوم.
ووفق الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، فإن العامل يرى في تلك المهن كالمأكولات والمشروبات وبيع الخضروات، وصناعة الزينة الرمضانية وغيرها، بصيص أمل لجلب مبلغ بسيط من المال نظراً لإقبال الجمهور عليها، خاصة في أولى أيام الشهر وتحقيقها هامش ربح مناسب، يتمكّن عبره الغزّي من سداد ديونه وإيفاء ما عليه من التزامات مختلفة.
ويرى أبو قمر، أن الحل النهائي لتلك الأزمة هو العمل على خفض معدلات البطالة في قطاع غزة من خلال مشاريع تنموية في الأراضي الفلسطينية تساعد على رفع أجور العاملين وتنشيط تلك المهن الموسمية لإحراز هامش ربح أكبر وأعلى، كي تحقّق جدوى اقتصادية يمكن الحديث عنها خلال الأعوام المقبلة.