رمضان سوريا.. موائد الرحمن والسكبة لا تحرم الناس من الفرح رغم الغلاء

تختصر معظم الأسر السورية الكثير من حاجاتها في الشهر الفضيل بسبب الأزمة الاقتصادية، إلا أنها تحافظ على إحياء بعض الطقوس الرمضانية المحببة.

  • مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.. رمضان سوريا في الذاكرة الوردية
    مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.. رمضان سوريا في الذاكرة الوردية

اعتادت سوريا على استقبال شهر رمضان بطقوس إسلامية بهيّة، حيث يمارس سكانها عادات قديمة عريقة في الشهر الكريم، توارثوها عن أجدادهم، والتي تحكي روح الإيمان والأصالة والمحبة والتعايش فيما بينهم، وتبدأ من تزيين الأحياء والجوامع فرحاً بشهر الخير والرحمة.

فعند تجوالك في شوارع الشام القديمة وغيرها من شوارع دمشق، تسمع أصوات التكبيرات والابتهالات الدينية، مما يطرب قلبك قبل أذنك أينما حللت، وترى الناس يتزاحمون في الأسواق والمحلات لشراء حاجيات شهر الصيام. 

الطقوس الرمضانية، وإن ظهرت على غير عادتها، إلا أنها لا تخفي نفسها في الشوارع السورية، بدءاً من المشروبات الرمضانية كالعرق سوس والتمر الهندي، مروراً بخبز الصايم الذي يرافق كل سفرة صائم، ووصولاً إلى الزينة الرمضانية، وإن كانت خجولة وبأقل كلفة عن الأعوام السابقة.

الوضع المعيشي في شهر رمضان 

لا يزال السوريون يواجهون انعكاس تردي الواقع الاقتصادي في شهر رمضان ككل عام، فالواقع الذي يعيشه الشارع لم يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة سوى بمزيد من الغلاء الذي وصف بالفاحش، والذي انعكس بدوره على كل مفاصل الحياة، ولا سيما المواد الغذائية وبعض السلع التي لم تعد في متناول الجميع. 

تستاء شريحة واسعة من المجتمع السوري من تردي الواقع المعيشي في ظل عدم قدرتها على توفير أدنى متطلبات الحياة نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وتردي مستوى الأجور، وعدم تناسبها مع أسعار المنتجات في السوق. الميادين نت جالت في الشوارع السورية ورصدت كيفية مواجهة السوريين للواقع الاقتصادي في ظل نقص الكثير من الموارد. 

"الوضع الاقتصادي زاد على شهر رمضان حسرة أكثر وفيه وجع أكبر"، بهذه العبارة بدأت لينا الأحمد (43 عاماً) موظفة حكومية حديثها إلى الميادين نت وقالت: "الواقع واضح للجميع كيف يعجز المواطن عن تأمين أموره المعيشية، أنا موظفة في الوزارة وراتبي مثل باقي موظفي الدولة (110000 ما يقابل 15$)، ولا يكفينا الراتب أنا وزوجي سوى أسبوع، وبعدها نعجز عن تسيير حالنا. فقائمة الممنوعات طالت اللحوم والدجاج وحتى مأكولات رمضان التي نراها ونشم رائحتها ولكن لم نعد نستطيع شراءها كما كنا سابقاً". 

وأضافت: "أصبحت أعاني من مرض الأعصاب نتيجة التوتر ونقص فيتامينات حاد، فالدخل يكفي فقط لشراء القهوة وأوقية شاي والسكر"، وتتساءل: "هل الراتب هو لتشرب القهوة والمجيء إلى دوامك صاحٍ ولا داعي للأكل والشرب أو الكساء؟ لا يوجد طريقة أخرى لتحسين دخلنا، ولم أدخر شيئاً إلا وبعته، منذ عام بدأت ببيع أثاثي المنزلي بشكل تدريجي لأسدّ حاجياتنا أنا وزوجي، وآخر قطعة بعتها هي المروحة بقيمة 40 ألف ليرة سورية"، بحسب تعبيرها. 

رائد فضل الله (55 عاماً)، بائع من سوق الشاغور قال للميادين نت: "للأسف الإقبال على الشراء خفيف بسبب الغلاء، لا يوجد قوة شرائية في السوق، ويوماً بعد يوم تتناقص الكمية التي اعتاد الزبون على شرائها واختصارها لتتناسب مع إمكانيته وحرصه على إكرام أسرته في الشهر الفضيل، هناك ارتفاع في الأسعار فوق الحد الطبيعي، وكانت القفزة الأخيرة قبل استقبال شهر رمضان بأيام حيث رفعت بنسبة 15%". 

طقوس رمضانية سورية 

تختصر معظم الأسر السورية الكثير من حاجاتها في الشهر الفضيل، إلا أنها تحافظ على إحياء بعض الطقوس الرمضانية المحببة، ولو كانت على غير ما عرفوه، فيجد الناس من شهر رمضان فرصة ليزيد من أواصر المحبة والألفة مع بعضهم البعض. 

رهام عباس (47 عاماً) حدّثت الميادين نت قائلة: "الحديث عن شهر رمضان لا يكتمل إلا عند ذكر الأطباق المخصصة لهذا الشهر، فهناك طبخات مرتبطة برمضان عند السوريين كالشاكرية والشيش برك والفول والفتات بأنواعها، ويأتي بعد ذلك الطبق الرئيسي، ولا يمكن نسيان المشروبين الأساسين لهذا الشهر وهو التمر الهندي والعرق سوس". 

وأضافت: "اعتدنا أن نضع قوائم الأكلات التي سيتم تحضيرها على مدى أيام الشهر الفضيل، رغم أنه في كثير من الأحيان لا نلتزم بها بسبب عدم القدرة على شراء مكوناتها". 

تلبية العزومات بين العائلات السورية أصبحت أمراً صعباً، هكذا تصف سنا بندقجي (38 عاماً) الواقع الحالي في شهر رمضان لهذا العام، وتقول: "بالكاد نستطيع تدبير أمورنا، حيث أضاف غلاء أجور المواصلات عبئاً جديداً على فاتورة رمضان، التي جعلت كل أسرة من أقاربي تفضل تناول الإفطار في بيتها على غير عاداتنا حيث كنا نجتمع كلنا بالتناوب بين الحين والآخر". 

أكل الملوك يا معروك... أطيب من لحم الملوك يا معروك 

ينتشر خبزة الصايم أمام المحلات والأفران في كافة شوارع المدن السورية كطقس ينتظره معظم فئات المجتمع، ويتفنن صانعوها بالحشوات المميزة والنكهات المفيدة كالتمر والزبيب وجوز الهند وحديثاً الشوكولا واللوتس التي ترغب الصائم مع حلول موعد الإفطار لتناولها ساخنة طازجة. 

"أكل الملوك يا معروك... أطيب من لحم الملوك يا معروك"، بهذه العبارات ينادي محمود بيتماني (45 عاماً) بائع خبزة رمضان في حي الشاغور والناس تنتظر دورها لشراء التحلاية المحببة التي تظهر في رمضان، وتختفي مع انتهائه، ويقول للميادين نت: "خبزة الصايم أو المعروك هي من الحلوى التراثية التي يزيد عمرها عن المئة عام، وهي مرتبطة بعادات وطقوس رمضان وسميت بالمعروك لأنها تحتاج الكثير من الخلط والعجن حتى تتماسك مكوناتها وتتكون عجينتها من الطحين والسكر والخميرة، ويبدأ سعر القطعة من 7000 ليرة سورية ما يقارب 1$ حسب حجمها، والاضافات التي دخلت على هذه الحلوى المدللة عند الجميع". 

لم يتخلَ السوريون عن هذه الطقوس التي يعتبرونها جزءاً أساسياً من طقوس الشهر الكريم، بالرغم من ضعف الحال وتدني الدخل المادي، فالأطفال يتغلبون على قسوة الصيام فرحين بما ستحمله أكياس الآباء من مأكولات رمضان. 

أهل الخير أبوابها مفتوحة في رمضان 

في كل عام تنتشر موائد الرحمن في أحياء دمشق وخاصة القديمة منها، حيث تسعى الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية إلى فتح موائد الإفطار في مناطق محددة، حيث تفوح روائح الطعام الممتلئة في الأواني التي يصطحبها كل محتاج أو عابر سبيل، في ظاهرة تشي بامتثال الناس لصفات هذا الشهر وأهمها الكرم، ناهيك عن سكبة رمضان بين الجيران التي تسبق رفع أذان المغرب التي تزيد من غنى سفرة الإفطار، وكل ذلك حسب القدرة، "والجود من الموجود"، وفق التعبير الشعبي. 

يشار إلى أن فعاليات الجمعيات الخيرية في شهر رمضان لم تتوقف عبر الأعوام الصعبة في ظل سنوات الحرب، ولكن هذا العام حمل معه نكبة الزلزال الصعبة على الشعب السوري، فانتقلت بعض من تلك الجمعيات نحو الشمال المنكوب لتقوم بنشاطها الخيري هناك.