قلة الأماكن الترفيهية في الكويت.. جيل جديد يحاور "الآيباد"

تشكو عوائل كويتية كثيرة الشحّ القائم في الأماكن الترفيهية، وخصوصاً تلك التي لا تستطيع تعويض النقص عبر السفر إلى دول أخرى للسياحة.

  • قلة الأماكن الترفيهية في الكويت.. جيل جديد يحاور
    قلة الأماكن الترفيهية في الكويت.. جيل جديد يحاور "الآيباد"

عن ذكريات الزمن الجميل في الكويت، تتحدث حسابات إلكترونية في موقع تويتر. يومها، كانت أماكن الترفيه متاحة للجميع، لا نادرة كما هو واقع الحال اليوم. وسط تعويل على الحكومة الجديدة أن تضع هذا الأمر من ضمن أولوياتها، من أجل ضمان بناء مجتمع متوازن. 

ذاكرة كويتية تستحضر أماكن الترفيه قديماً

يستحضر حساب "ولد النوخذة" في موقع التواصل الاجتماعي ذكريات الترفيه العائلي قديماً، يوم كانت الكويت تُعَدّ الأولى في الشرق الأوسط في "سينما السيارات"، والتي كان المواطن يصطحب عائلته إليها؛ إلى داخل المكان المخصص لمتابعة الفيلم.

إضاءة هذا الحساب على "سينما السيارات" تعود بنا بالذاكرة إلى عام 1974، يوم دشنت الكويت السينما الأولى من نوعها عربياً في هذا الصدد في منطقة الأحمدي، وكان الفيلم الملوّن "أربعون قيراطاً" أول الأفلام التي عُرضت فيها، بينما كانت أسعار التذاكر للشخص الواحد لا تتجاوز ربع دينار، إلّا أن هذه السينما تم هدمها عام 2002. وكان لذلك وقع بالغ في نفوس الكويتيين، الذين اعتادوا أن يقصدوها طوال الأعوام التي مضت، ليتم إحياؤها فيما بعد في زمن جائحة كورونا.

حنين الذاكرة يستحضر أيضاً أيام "المدينة الترفيهية"، التي بُنيت عام 1984، واحتضنت زوّارها طوال أكثر من 3 عقود من الزمن، قبل أن يتم إغلاقها في حزيران/يونيو 2016، بذريعة إجراء صيانة شاملة، لتبقى مغلقة حتى يومنا هذا. أمّا إبصارها النور مجدداً، فيؤكد مصدر مطّلع للميادين نت أنه لم يعد بعيداً، متمنياً ألّا يطول أعواماً أخرى، وخصوصاً أن إعادة إحيائها مدرَجة في خانة المشاريع التنموية الكبرى ضمن رؤية الكويت 2035، مشيراً إلى أن ذلك يُعَدّ أولوية بسبب انعكاسها إيجاباً على حياة الكويتيين، وخصوصاً الأطفال، بالإضافة إلى مساهمتها في رفد اقتصاد الدولة. 

ندرة الأماكن الترفيهية مصدر قلق للعوائل

من جهتها، تشكو عوائل كويتية كثيرة الشحّ القائم في الأماكن الترفيهية، وخصوصاً تلك التي لا تستطيع تعويض النقص، عبر السفر إلى دول أخرى للسياحة، نتيجة الظروف والالتزامات المادية. وفي هذا الإطار، تستفيض سلمى الرشيدي في حديثها إلى الميادين نت، متحدثة عن شحّ واضح في توافر الأماكن المريحة للعائلة و"الملائمة لجيوبها"، متسائلة: "إلى أين نصطحب الأولاد؟ المدينة الترفيهية التي لطالما قصدناها صغاراً تم إغلاقها قبل 6 أعوام من دون توفير بدائل ملائمة، فمتى سيعاد افتتاحها؟".

أمّا عبد الرحمن بوشيبة، الأب لـ3 أولاد، فيقول إنه لطالما قصد المدينة الترفيهية، وكان سعر "التذكرة الشاملة" يبلغ 3 دنانير ونصف دينار، و"بهذا المبلغ كنّا نلعب طوال اليوم مختلف اللُّعَب الموجودة، وكنّا نتعرف إلى أصدقاء جدد، ونُمضي ساعات من دون أن نشعر بها. أمّا اليوم، فأبنائي لا يستطيعون تشكيل ذكرياتهم المشابهة، فأقصى ما أستطيع تقديمه إليهم هو التجوّل في المجمّعات التجارية، وارتياد قاعات السينما بعيداً عن وسائل الترفيه".

إلى ذلك، أظهرت دراسة صادرة عن "مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية"، التابع لجامعة الكويت، بناءً على عيّنة من المواطنين تم أخذ آرائهم بصورة عشوائية، أن 82.9% من المُستَطلَعة آراؤهم يشعرون بالإحباط نتيجة قلة الأماكن الترفيهية المدعومة حكومياً، مقارنةً بدول الخليج الأخرى، بينما عدّ 60.5% منهم أن ارتفاع أسعار الأماكن الترفيهية يؤدي إلى زيادة المشاكل الأُسريّة، بينما عزا 44.6% ازدياد السلوك العدواني بين أفراد أسرهم إلى شحّ هذه المرافق.

تأثير مباشر لأماكن الترفيه في بناء شخصيات الأطفال

شحّ الأماكن الترفيهية في الكويت يعزوها الخبير التربوي، مبارك الحربي، في تصريح للميادين نت، إلى عدة أسباب، من بينها "توقف عجلة التنمية في الدولة، والتخبط السياسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مروراً بجائحة كورونا، التي عصفت بكل دول العالم". ويرى أن لغيابها تأثيراً كبيراً، وخصوصاً أن "اللعب والترفيه يُعَدّان من أهم أسس التربية وعواملها، سواء ضمن الأسرة او المجتمع والمدرسة. كما أن لذلك دوراً كبيراً في تنشئة الأبناء، من حيث تفريغ الطاقات، أو المشاركة وخوض التجارب، وتحديداً في الألعاب التي تبدو غريبة وصعبة نوعاً ما، وتساعد على التحفيز على الجرأة والمغامرة وإثبات القدرات، ولاسيما بين الأقران".

ويرى الحربي أن ارتياد الأطفال أماكن الترفيه يؤثّر بصورة مباشرة في تكوين شخصياتهم، بسبب انخراطهم في "اللعب الجماعي والتعاون بعيداً عن المخاطر، باعتبار أن تلك المراكز عادة ما تكون خاضعة لشروط وقواعد عمل معينة، من حيث الأمان والأعمار المحددة للأطفال في كل لعبة، إلى جانب تأثيراتها النفسية والجسدية في الأطفال واليافعين، من حيث الأشكال والألوان، وحتى توزيعها المكاني داخل مراكز الترفيه".

ودعا الحربي، في هذا الإطار، الجهات المعنية إلى الاهتمام أكثر بالجانب الترفيهي، متمنياً أن تكون في الكويت مراكز ومدن ترفيهية في جميع المحافظات، وأن تكون الألعاب فيها مجانية أو بأسعار رمزية، لتتمكن كل العوائل من اصطحاب أبنائها والترفيه عنهم من دون أن يشكل ذلك عبئاً عليها، وأن تكون هناك ملاعب رياضية مصغرة وألعاب مائية وإلكترونية، وصالات سينما ومسارح ومكتبات عامة، علماً بأن هذه الاستراتيجية متَّبَعة في كثير من الدول المجاورة، والتي أصبحت متميزة ومتطورة في هذه المجالات، وتعتمد على مشاركة تربويين ومتخصصين بعلم النفس والاجتماع والأنشطة العقلية والبدنية".

جيل يتحاور مع "الآيباد"

من جهتها، تؤكد الأكاديمية في جامعة الكويت، نورة المليفي، في تصريح للميادين نت، أن الأماكن الترفيهية في الكويت كانت في السابق كثيرة وأكثر مرونة، مؤكدة أن الأطفال هم الشريحة الأكثر تضرراً من شحّ هذه الأماكن في الآونة الحالية،  فـ "الطفل، في مرحلتي التأسيس والنمو، يحتاج إلى ذكريات جميلة في طفولته، ويحملها لأبنائه وأحفاده. لذلك، من الضروري جداً أن يرتاد مراكز الترفيه باعتبارها تنمّي شخصيته وتجعل الأطفال أشخاصاً قياديين في المستقبل". ومن هنا، تحذّر من أنه، مع غياب هذا المرفق الأساسي، "يتوجه الطفل إلى الآيباد والتكنولوجيا لأنه لم يُجِدِ الركض أو اللعب الذي ينمّي عظامه، ويجعله عرضة لأمراض متعددة، بينها انحناء الظهر أو قصر النظر أو الانطواء".

وتشير المليفي إلى أن شحّ أماكن الترفيه يؤدي إلى قطع صلة الطفل بمن يتوازون معه عمرياً، وتقلّ فرصه في لقاء أصدقاء جدد. وبالتالي، "قد يحتاج مستقبلاً إلى دورات في فنّ التعامل مع الآخرين، باعتباره لم يمارس في صغره الحوارات واللقاءات سوى مع الأجهزة الإلكترونية والهاتف النقّال"، وفق تعبيرها.

من هنا، تؤكد أن العناية بالطفل لا تقتصر فقط على التعليم والصحة، بل إن الترفيه جانب مهم جداً فيها".

تضرّر اقتصادي مباشر

وكما التأثيرات الاجتماعية، فإن لغياب الأماكن الترفيهية في الكويت تأثيراً في اقتصاد الدولة، وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، للميادين نت، فهذا الموضوع يدفع المواطنين إلى السفر وإنفاق جزء كبير من دخلهم السنوي خارج البلاد، بدلاً من التفرّغ للسياحة الداخلية. ويشير إلى أن "القطاع الخاص لا ينظر إلى الأماكن الترفيهية والسياحية على أنها مشاريع مربحة، بسبب عدم جدية الحكومة في استقطاب السيّاح، على مدار السنة. كما أن الشركات الحكومية المعنية بالسياحة لا تؤدي عملها بصورة جيّدة، وكلّ ذلك ساهم في شحّ هذه المرافق". 

وإذ أكّد رمضان أن الحكومة غير ملزمة بتنفيذ المشاريع السياحية والترفيهية، دعاها إلى طرح أماكن لهذه المشاريع، عبر مزايدات، وفتح التأشيرات السياحية بصورة أكبر، بالإضافة إلى دعم هذه المشاريع ووضع السياحة ضمن أولويات برنامجها، على نحو يؤدي إلى زيادة عدد الأماكن الترفيهية والسياحية.