كسراً للحصار.. خرّيجو قطاع غزة يتجهون إلى العمل الحرّ عن بُعد

كاسرين للحصار وقيوده، الخريجون الغزيون يتجهون إلى العمل الحر عبر الإنترنت، في وقت قاربت نسبة البطالة 47%، فيما زادت على 68% بين الشباب، وهي أعلى نسبة عالمياً، فيما وصلت إلى 78% بين حمَلة الشهادات الجامعية.

  • كسراً للحصار.. الخريجون الغزيون يتجهون إلى العمل عن بُعد
    كسراً للحصار.. الخريجون الغزيون يتجهون إلى العمل عن بُعد

يقاتل الغزيون من أجل صنع حياة تليق بأحلامهم، فيتجه كثير من الخريجين في قطاع غزة إلى العمل الحرّ عن بعد عبر الإنترنت. مواقع عالمية عديدة أبرزها "فريلانس" و"إيلانس" و"أوديسك" باتت مقصداً لهم، يعرضون من خلالها خدماتهم ويقدمونها بمقابل مادي. 

وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، تعد مستويات البطالة في قطاع غزة من أعلى المستويات في العالم بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006، إذ وصل معدل العاطلين من العمل في الربع الأول من عام 2022 إلى 46.6% مقارنة بالمتوسط الذي كان 34.8% عام 2006، ووصل معدل البطالة بين الشباب (الفئة العمرية 15-29 عاماً) إلى 62.5% في الفترة نفسها.

من البحث عن عمل إلى صناعة الفرص 

وفي مواجهة تحديات الحصار على قطاع غزة، تقول أفنان الحايك (36 عاماً) للميادين نت: "بدأت العمل عبر الإنترنت عام 2013، كنت خريجة أبحث عن فرصة عمل، وطرحت إحدى المؤسسات برنامجاً إرشادياً للعمل عن بعد، تعرفت من خلاله إلى منصة كانت تعرف بـodesk، وحالياً تعرف بـupwork و بدأت برحله التقدم إلى الوظائف".

وتضيف أن التحديات بالنسبة إليها كانت حافزاً لا حاجزاً، فساعات وصل الكهرباء وصلت إلى أربع ساعات يومياً، وربما كانت أقل، وهو ما جعلها مضطرة إلى التنقل من مكان إلى آخر لإنجاز المشاريع وتسليمها في الوقت المحدد مع العملاء.

وفي عام 2015، أصبحت الحايك خبيراً بالعمل عن بعد وتعمل مدرباً لبناء القدرات فيه، حتى أطلقت برنامجها الخاص (حاضنة kicklance) عام 2020، الذي وفر فرصاً لما يزيد على 500 خريج، ولم تقتصر الاستفادة والتشغيل على فلسطين وحدها، إذ استفاد أكثر من 100 سوري من العمل في الحاضنة عام 2021، ووصلت أعمال حاضنتها إلى الأردن وإيطاليا وكامل فلسطين، فضلاً عن تشغيل 20 شخصاً من ذوي الإعاقة، حصل معظمهم على فرص عمل متنوعة بين المتقطعة والمستدامة.

ويقول الخريج براء وادي (27 عاماً)، من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، إن تجربته الشخصية في العمل كانت مميزة، إذ تخرج في الجامعة عام 2019، وانتظر على بند البطالة في مجال تخصصه الجامعي، ولكن ظروف البطالة قاتلة، ما دفعه إلى البحث عن حلول وكان العمل الحر عن بعد أهمها. 

بدأ وادي بتطوير مهارته في تصميم الغرافيك، وتلقّى تدريبات عدة في العمل عن بعد، للتعرّف إلى المنصات، وعمل حسابات عليها، وكتابة العروض للعملاء، وكيفية جذبهم، وعرض أعماله بصورة مميزة، وكيفية الحصول على العمل والاستفادة من المنصات، ويقول: "في البدء كنت أواجه صعوبات كبيرة بسبب الحصار من ناحية تقنية ومالية، وفي فهم العملاء من ناحية مهنية، "كل بداية صعبة"، ثم أخذت تقييمات عالية على المنصة وكسبت ثقة العملاء،لكن لا بد من مواجهة التحديات، إذ يمكن استغلالنا والاحتيال علينا أحياناً، بسبب الأزمة الحقيقية المتمثلة في تلقي الأموال، لا سيما أن قطاع غزة محظور عليه فتح حسابات (باي بال أو بيونير)، وأحياناً توقف الحسابات المفتوحة مسبقاً من أماكن خارج الوطن".

كل قصص الخريجين تكاد تكون متشابهة في الألم والضياع، خصوصاً بعد التخرج، إذ يُفاجأ الخريج بواقع مر ينتظره كواحد من آلاف الذين تخرجوا في العام نفسه، وفي السنوات الفائتة، ينطلق ليبحث بين المؤسسات على أمل الحصول على وظيفة هرباً من وحش البطالة العملاق، ولكنها تنتهي من دون جدوى غالباً.

الوظائف قيد

تقول ريم عسقول (31 عاماً) من مدينة خان يونس: "تخرجت في الجامعة الإسلامية قسم الإعلام عام 2013، وعدت أدراجي إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى، وحصلت على تخصص باللغة العربية عام 2015 من أجل الحصول على فرصة في سوق العمل. كم هائل وكبير من الخيبة انتابني حين بت على بند البطالة، إلى أن تعرّفت إلى العمل الحر".

وتصف عسقول تجربتها فتقول إنها زارت مجتمع سكاي جيكس (GAZA Sky Geeks)، وهي منصة نشأت عام 2011 بدعم من غوغل والمنظمة الإنسانية العالمية، وهناك بدأت باكتساب المهارات التي جعلتها مؤهلة للعمل عن بعد، وفي سبعة أشهر حققت نجاحاً في كسب عملاء وخلق فرصة عمل لها وصفتها بالجيدة جداً. 

وتشير عسقول إلى أن الوظيفة بشكلها العادي في المجتمع الفلسطيني مفهومها يختلف عنه في باقي دول العالم، لأن الأوضاع الاقتصادية السيئة لا توفر كثيراً من الوظائف للخريجين، وإن توافرت فالعائد المادي لا يكفي الفرد، فضلاً عن أن الوظيفة العادية تستنزف الوقت والجهد على نحو يتحكم بالشخص ولا تتحكم به، فيما يوفر العمل الحر إمكانية التحكم بالوقت والعمل والدخل، وحتى انتقاء العملاء. 

الطريق الحر لبناء اقتصاد مقاوم

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عبد الله أبو الهنود للميادين نت: "قدرت دراسة أجرتها شركة Mastercard عام 2019 أن اقتصاد العمل الحر يولد 204 مليارات دولار من الحجم الإجمالي، ومن المرجح أن ينمو بنسبة 17% عام 2023. في المقابل أصبحت البطالة في قطاع غزة مرضاً مزمناً أصاب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل نتيجة الإجراءات الصهيونية التي تكبل الاقتصاد الفلسطيني". 

ويضيف أن نسبة البطالة قاربت 47%، فيما زادت على 68% بين الشباب، وهي أعلى نسبة عالمياً، فيما وصلت إلى 78% بين حمَلة الشهادات الجامعية، ما جعل التوجه إلى العمل الحر عبر الإنترنت ملحاً، وربما يكون أحد الخيارات التي تمثل صورة لصناعة أبجديات الاقتصاد المقاوم، لما يتيح من آفاق بين الأفراد، ويحررهم من قيود الحصار، ويمكنهم اقتصادياً من الصمود في وجه غطرسة الاحتلال. 

وقال وزير الاقتصاد الوطني خالد عسيلي في وقت سابق من الشهر الجاري، إن العمل جار لإنجاز قانون جديد يشجّع على الاستثمار وقانون للتجارة الإلكترونية، ووضع إستراتيجية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبرامج جديدة لإدماج رواد الأعمال المنزلية في الاقتصاد.

ويذكر أن نحو 31% من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة تواجه صعوبات في الوفاء باحتياجات التعليم الأساسية، كالرسوم المدرسية والكتب، بسبب شح الموارد المالية، كما يحتاج مليون و300 ألف من أصل مليوني فلسطيني تقريباً في غزة إلى مساعدات غذائية.