لأطفال الغد.. ما هي الوظائف الأعلى أجراً عام 2040؟

كل شيء يتغير بسرعة قياسية. ويبدو أن هذا التغيّر سيطال معظم الوظائف التي نعرفها حالياً، وستصل إلى نهايتها في غضون عقدين من الزمن، كيف يمكن أن نوجّه أطفالنا نحو مستقبلٍ مهني ناجح ومضمون إذاً؟

  • ما هي الوظائف الأعلى أجراً عام 2040؟
    ما هي الوظائف الأعلى أجراً عام 2040؟

نشرت صحيفة "تيلغراف" البريطانية تقريراً تحدّثت فيه عن مستقبل الوظائف التقليديةفي المستقبل مستعرضة قائمة من الوظائف المتوقع لها أن تكون الأهمّ والأعلى أجراً عام 2040.

يعتمد التقرير على تبؤات "نيكولاس بادمينتون" للوظائف المستقبلية الأعلى أجراً في غضون عقدين من الآن. وبادمينتون المختصّ بعلوم الكمبيوتر طوّر اهتماماً مكثفاً بمجال المستقبليّات، ولذلك يقضي ساعاتٍ يومية من القراءة عن التطورات التكنولوجية الجديدة في جميع القطاعات لمعرفة الأنماط المُمكنة من التنبؤ بما يخبّئه لنا المستقبل، وكلّ ما يخصّ أساس الحياة المعاصرة. بحسب الصحيفة، يتقاضى بادمينتون أجره المهني ليشارك رؤيته المستقبلية عن توجهات التطور التكنولوجي مع منظمات وشركات كبرى مثل "غوغل"، و"ميكروسوفت"، وناسا، والأمم المتحدة، كما سينُشر كتابه "مواجهة مستقبلنا" المعنيّ بالموضوع  هذا العام.

إذًاً ما الذي ينتظر الأطفال الذين يولدون اليوم؟ كيف سيبدو مكان العمل عندما يصلون لعمر الـ 18 في عام 2040؟ هل ستبقى الجامعات موجودة؟ هل ستقوم الروبوتات بعملنا؟

يقول بادمينتون إن السؤال ليس أيّ من الوظائف ستصبح آلية، بل متى ستصبح كذلك؟ مؤكداً أن كل جزءٍ من الاقتصاد سيتأثر وكذلك الوظائف، ويتوقع أن "تكون الآلات أفضل منّا في ترجمة اللغات بحلول عام 2024، كتابة المقالات المدرسيّة عام 2026، قيادة الشاحنة عام 2027، العمل في البيع بالتجزئة عام 2031، تأليف كتاب من الأكثر مبيعاً عام 2049، إجراء العمليات الجراحية عام 2053. في الواقع ستجري أتمتة جميع الوظائف البشرية في غضون الــ 120 عاماً القادمة".

وقد يهيمن الذكاء الاصطناعي على الكثير من المجالات قريباً، بما في ذلك القيادة، وتوصيل البضائع، والصرافة، والبيع بالتجزئة، والتسويق، وخدمات العملاء، وحتى الوظائف التي ستبقى موجودة، مثل الطب، والمحاماة، والبناء، والقانون، ستغدو مختلفة تماماً مع الانتقال للمكننة.

لكن مع اختفاء كل هذه الوظائف، فإن الأمر يُبشّر بالخير، يقول بادمينتون: "رغم التحول الذي سيدفع نحو  المكننة، أعتقد أنّا سنعيش في عالمٍ يعمل به الإنسان والآلة في وئام"، مشيراً إلى أن ذلك سيعني تحرّرنا من الأعمال الرتيبة لفعل أشياء ذات طبيعة إبداعية أقوى، ويطلق بادمينتون لقب "اقتصاد الحكمة" على الأمر.

كذلك يؤكّد بادمينتون أن القيادة ستبقى للبشر، لأن الذكاء الاصطناعي سيبقى لوقت طويل قاصراً عن إظهار فعالية جيدة في حلّ المشكلات الإبداعية، والتفكير التعاطفي، أو النقاش الفلسفي، وما يختص بديناميكات التعاون البشري. وبالتالي سيصبح التواصل البشري العميق، والتعاطف، والفضول – وما ماثل ذلك من أمور إنسانية جداً أمراً أساسياً وحيوياً للغاية.

يتوقّع نيكولاس بادمينتون الوظائف المتوقع لها أن تكون الأهمّ والأعلى أجراً عام 2040. وهي:

مجالات التصميم

الراتب: 100 ألف جنيه إسترليني  (أي حوالى 126 ألف دولار).

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: مصممو الأنظمة، مهندسو البرمجيات، أساتذة الأخلاقيات، علماء النفس، الفلاسفة.

التعليم المطلوب: أي شيء له علاقة بعلوم الكمبيوتر، والفلسفة، وعلم النفس، والتصميم، والأخلاقيات.

يلفت التقرير إلى الشروط والأحكام المتعلقة بالتقنيات الحديثة التي نستخدمها في حياتنا اليومية الآن، فعندما تُسجّل في "فيسبوك" و"تويتر| مثلًا تُطلب موافقتك على الشروط والأحكام الخاصة بالتطبيق. وبمقابل الصور التي ننشرها لأطفالنا أو يومياتنا نُسلّم الكثير من البيانات لهذه الشركات. لكن هذا سيتغير مستقبلاًـ، وفقاً لبادمينتون. 

وسيتغيّر تصميم التكنولوجيا لتُصبح الأولوية بها لاستخدام الإنسان وليس للشركة، وكما ينقل التقرير عن بادمينتون: "سيقلب التصميم المتمحور حول الإنسان الموازين بالنسبة لكل شيء. دعنا نضع حقوق المستخدم للنظام قبل حقوق الشركة، لنرى كيف يمكن أن نعمل معهم على نحو أخلاقي"، وسيكون السؤال حينها وفقاً لبادمينتون: «ما الذي سيكون سليماً ومنصفاً للفرد البشري؟". 

يقول التقرير إن "تويتر" يدير عمله بهذه الطريقة منذ الآن، ولكن سيكون هناك حاجة للمزيد من الأفراد المؤهلين لنشر هذا النهج ضمن الشركات الأخرى المعنية بالتكنولوجيا. 

علماء ووسطاء البيانات

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: مطورو البرمجيات، محللو البيانات والأعمال، مسؤولو قواعد البيانات، المدرّبون والمهندسون بتخصص الذكاء الاصطناعي. 

التعليم المطلوب: علوم الكمبيوتر، تحليل البيانات، علم النفس، الإحصاء، الاقتصاد، علوم البيانات. 

ووفقاً لبادمينتون، ستنشئ البيانات بمعدل أكثر من 200 بيتابايت في العام بحلول عام 2040 (تساوي البيتابايت 1000 تريليون وحدة من المعلومات أو النصوص)، مع أكثر من 8 آلاف تفاعل رقمي بياني لكل شخص يومياً. سيترافق ذلك مع بروز مهنة جديدة: وسطاء البيانات (أو سماسرة البيانات)، ويعمل بها الأشخاص الذين يبيعون بياناتك بالنيابة عنك. 

ستحتاج كل شركة إلى فرق من علماء البيانات المدربين لمساعدتهم على استكشاف الفرص في البيانات المتوفرة لديها وتمكين موظفيهم وعملائهم. يشير بادمينتون إلى فكرة "كرامة البيانات"، التي تقر بحق المستخدم في امتلاك بياناته التي ينتجها. فمثلاً في بيانات "فيسبوك"، يجب أن يكون لديك حقك في الحفاظ على خصوصيتك أو بيع بياناتك به، بحيث ينتج في النهاية اقتصاد للبيانات الشخصية يمكن لك أن تكسب المال منه. وهنا تأتي مهنة سماسرة البيانات، ممن يتوسطون ليبيعوا بياناتك بالنيابة عنك. 

معالجو الروبوتات

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: علماء وأخصائيو النفس.

التعليم المطلوب: علم النفس، إلى جانب تخصصات أخرى مثل الحوسبة، وعلوم اللغويات العصبية، ومجالات الخدمة الاجتماعية، والأخلاقيات. 

قد يكون لديك اطّلاع على "إنترنت الأشياء"، ويتمّ به توصيل الأشياء بالشبكة لتتمكن من محادثتنا والتواصل مع بعضها البعض أيضاً. المثال الشائع الآن الثلاجة الذكية التي يفترض لها أن تراسلك وتُعلمك بانتهاء صلاحية الحليب الذي بداخلها أو نقصان مادة ما. أو ربط المنبه بجهاز التحميص ليكون خبزك جاهزاً فور وصولك إلى المطبخ.  

لذلك يقول التقرير إن المراهقين الشغوفين بمجال التكنولوجيا سيتخصصون بمشاريع الروبوتات في المستقبل وحلّ مشاكلها. ماذا لو توقفت عن استخدام جهاز تحميص الخبز مثلًا؟ كيف سيشعر الجهاز حيال ذلك؟ هذا ما يؤكده التقرير، سيكون للآلات مشاعر. 

ويقول بادمينتون: "سينتشر التعلم الآلي والأجهزة الذكية والروبوتات في المجتمع لدرجة أنها ستصبح واعية وتبدأ في الشعور كما نفعل"، ويضيف أن علماء النفس المحترفين سيصقلون من مهاراتهم ليفهموا المعاني والفروق الدقيقة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات بمعنى أنك "قد تحتاج أجهزة التحميص لدينا إلى المساعدة وسنكون بالقرب لأجلهم".

مُترجمو الذكاء الاصطناعي والروبوتات

العاملون المعنيون بهذه المجالات اليوم: علماء اللغويات والمترجمون. 

التعليم المطلوب: اللغات واللغويات.

ينقل التقرير عن متخصص المستقبليات ماثيو جريفين قوله: "تحدّثت مع طالب في الصف الثالث عشر هذا الأسبوع وأخبرني أنه يريد أن يصير متخصصاً باللغويات، ولكن إن كان يعني هذا سابقاً أنه ربما يترجم الصينية أو الإيطالية يمكن أن يترجم الذكاء الاصطناعي الآن".

يعتقد البعض حالياً بوجوب تدريس برمجة الذكاء الاصطناعي في المدارس بنفس الطريقة التي نُعلّم بها الفرنسية مثلاً: البرمجة لغة أجهزة الكمبيوتر مثلما الفرنسية لغة الفرنسيين. ووفقاً لغريفين، اكتشفت "غوغل" و"فيسبوك" مؤخراً أن برامج الذكاء الاصطناعي اخترعت لغاتها الخاصة فيما بينها، وإن كانت مصممة أساساً للتحدّث مع بعضها بالإنجليزية، وبالتالي، ستتركز مهارات مترجمي الذكاء الاصطناعي في محاولة فهم اللغات المختلفة التي يشنها الذكاء الاصطناعي لنفسه ومن ابتكاره الخاص.

مُهندسو المواد الغذائية

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: المزارعون. 

التعليم المطلوب: الكيمياء الحيوية والهندسة.

يذكّر ماثيو غريفين بقدرتنا اليوم على إنتاج الطعام بالطباعة ثلاثية الأبعاد وكذلك إنماء أنواعٍ مختلفة من الطعام في المفاعلات الحيوية الخاصة، تأخذ خلية من حيوان وتضعها في مفاعل حيوي لتنتج رطلًا من ذلك اللحم، ولذا يقر غريفين بالحاجة إلى مهندس الغذاء: "الشخص القادر على هندسة أطعمةٍ مختلفة على المستوى الجزيئي. 

معماريّو ميتافيرس وبناة العوالم الافتراضية

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: المهندسون المعماريون، مصممو ألعاب الفيديو، فنانو التأثيرات والتقنيات البصرية، الفنانون، مهندسو الصوت، مصممو الأزياء، خبراء البيع بالتجزئة. 

التعليم المطلوب: مجالات المؤثرات البصرية المصممة حاسوبياً، البرمجة، تصميم الأجهزة. 

ارتدِ سماعة رأس لتجربة الواقع الافتراضي وستنقلك إلى عالمٍ آخر، تعتمد فكرة الميتافيرس على هذا الأمر، أن يصبح الواقع الافتراضي جزءاً طبيعياً من حياتنا، حاله حال الإنترنت أو ألعاب الكمبيوتر. يتنبّأ التقرير بأن يعمل المراهقون الشغوفون بالتقنية اليوم في المشاريع المعنية بالروبوتات في المستقبل، كذلك يقول بادمينتون إننا "سنعيش في عالم من الواقع المختلط، قد أرتدي نظارات ذات مظهر طبيعي وأنظر للعالم من حولي بها، وستكون معززة بالمعلومات حول الأشياء". ويضيف أن شركة "فيسبوك" أنفقت المليارات على هذا المفهوم.

يطرح التقرير أمثلة على استخدامات الواقع الافتراضي، فقد نلتقي في مساحاته عام 2040 عوضاً عن اجتماعات "الزوم" التي نجريها اليوم: "ستلتقي نسخنا الافتراضية في غرف اجتماعات افتراضية، مجهزّة بأثاث وفنّ افتراضي".

الفنانون والمبدعون الحركيون

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: الفنانون، والكتاب، وصناع البرامج التلفزيونية. 

التعليم المطلوب: الفن، الموسيقى، تصميم الرقص.

يتنبأ بادمينتون بأن التلفزيون كما نعرفه اليوم سيتوقف بحلول عام 2040. من الشائع في عالمنا الحالي الاعتماد على صناعة الترفيه ليتلقاه الجمهور ويشاهده، لكن سيتبدل ذلك بأشكال أكثر تفاعلية من التلفزيون، والموسيقى، والفيديو، والفن. 

كما يعتقد بادمينتون بأن المسرح الحي والأداء في الشوارع سيعود إلى الواجهة، وسيحمل ذلك معان أكثر من مجرد الترفيه: "سيربط المجتمع معاً، ويخلق هدفاً وراء الحياة ويواجه الحكومات والشركات الكبرى على حدّ سواء".

رواد الأعمال المحليّون

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: رواد الأعمال.

التعليم المطلوب: متعدد.

بدأت هذه الظاهرة بالفعل، يذكر التقرير مثالًا حالة رواد الأعمال في بريطانيا ممن يبيعون خدماتهم ومنتجاتهم عبر الإنترنت لتصل إلى نطاقٍ عالمي، وذلك بمساعدة العاملين المستقلين المحليين والدوليين ممن يساهمون في بناء هذه الأعمال. سيفتح المستقبل الطريق أمام بدء الأعمال التجارية الخاصة للملايين من الأشخاص.

وكما يوضح بادمينتون، ستختلف أنواع الأعمال بما في ذلك المتصّل منها بالإنترنت أو خارجه، وقد يتضمن ذلك الخدمات التقليدية التي يطلبها الناس، مثلًا قد يريد أحدهم سندويشة من صنع بشري بدلًا عن منتجات الروبوت. 

خبراء الأمن السيبراني والترويج الإعلامي

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: مطورو البرمجيات، محللو البيانات، محللو الأعمال، المسؤولون عن قواعد البيانات، مدربو الذكاء الاصطناعي، مهندسو الذكاء الاصطناعي، خبراء الأمن السيبراني. 

التعليم المطلوب: علوم الكمبيوتر، نظرية المعلومات. 

يوضح التقرير حاجتنا المستقبلية إلى رجال شرطة للإنترنت للردّ على الهجمات السيرانية وضمان الخصوصية والأمن والسلامة للجميع. سنحتاج أيضاً إلى أشخاص يتقصّون وراء المعلومات المضللة، ويحموننا من انتشارها. 

يقول بادمينتون أن هناك تجمعات هائلة لمتصيدي الإنترنت (trolls) ممن يضخّون المعلومات المضللة في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومع تعقيد التكنولوجيا المتزايد نحتاج إلى أشخاص مدرّبين لفهم المزيّف وطرق إيقافه. وفقاً لبادمينتون، ستكون هذه من بين الوظائف الأعلى أجراً في المنظمات في أواخر 2030 وخلال عقد 2040.

متخصصو الرعاية الصحية والمخترقون البيولوجيون

العاملون المعنيّون بهذه المجالات اليوم: الأطباء، الممرضون، الجراحون، أخصائيو العلاج الطبيعي، أخصائيو التغذية.

التعليم المطلوب: الطب التقليدي، إلى جانب مجموعة من التخصصات الأخرى مثل التغذية والتكنولوجيا.

يبدو أن طول العمر (التعمير) سيكون واحداً من الأهداف الرئيسية للأثرياء، وقد يرتفع متوسط عمر من تزيد أرباحهم عن 10 ملايين جنيه إسترليني إلى ما يقارب 130 عاماً وفقاً لما يذكره التقرير. يتنبأ بادمينتون بأن تظهر مستشفيات متخصصة تتضمن أطباء وممرضات وجراحين يعملون على تطوير الأبحاث المتخصصة بكل ما يضمن حياة أطول للقادرين على تحمل تكاليفها، بما في ذلك العناية بتقنيات الزرع، والعقاقير، والنظام الغذائي، والمكمّلات والإجراءات الطبية، وحقن الخلايا الجذعية، وخلافه. 

تكمن فكرة الاختراق البيولوجي بتطبيق الممارسات السابق ذكرها لإطالة عقود حياة الإنسان إلى ما بعد النطاق المعهود الحالي، ويعتقد بادمينتون أن تحقيق ذلك سيكون ممكناً في المستقبل لبالغي الثراء، كما ستترافق شيخوخة السكان مع ارتفاع الطلب على مقدمي الرعاية وخدمات التمريض.