ليليان شعيتو ضحية انفجار بيروت تحضن ابنها للمرة الأولى.. بدلاً من الدمية

فتاة لبنانية، كانت في بيروت يوم حدث انفجار المرفأ، ثابتة في سرير المستشفى منذ عامين كاملين، ورأت طفلها اليوم لأول مرة منذ الانفجار.. ما قصة ليليان شعيتو؟

  • لحظة لقاء ليليان شعيتو بابنها في المستشفى لأول مرة منذ انفجار مرفأ بيروت.
    لقاء ليليان شعيتو ابنها في المستشفى لأول مرة منذ انفجار مرفأ بيروت

لحظةَ انفجار شحنة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، في 4 آب/أغسطس 2020، كانت المواطنة اللبنانية ليليان شعيتو تتسوق وسط العاصمة. دوّى الانفجار. ملأ الغبار شوارع بيروت، وانتشرت مشاهد الموت، وعبقت رائحته.

وقع انفجار ضخم صُنِّف أنه ثالث أقوى انفجار عرفه التاريخ. كما الجميع، باغت الانفجار الشابة ليليان (27 عاماً)، فوقعت واجهة أحد محالّ أسواق بيروت على رأسها، مسببةً لها إصابة بليغة. اعتقد كثيرون أنها ماتت، ولم يتوقع الأطباء نجاتها، لكنها نجت. 

قبل الانفجار، كانت ليليان تعيش مع زوجها في أفريقيا، حيث مقر عمله، وعادت إلى بيروت صيف عام 2020 لتنجب طفلها في لبنان. كان رضيعها لم يتجاوز شهراً ونصف شهر، حين وقع الانفجار. عاشت ليليان، وأظهرت تجاوباً مع العلاج. فتحت عينيها بعد 25 يوم من دخولها "الكوما". وبعد شهر ونصف شهر صارت تتحرك. وبعد 5 أشهر أصبحت تعيش في حالة طبية، اسمها "الوعي الأدنى".

ليليان ليست في غيبوبة تامّة، كما يقول أطباؤها، ولا في كامل وعيها. هي في حالة تسمّى "vegetative state"، بحيث يتوقّف جزء من الدّماغ عن القيام بوظائفه، بينما يستمرّ جزء آخر في العمل، فيفتح المرضى أعينهم ويبدون مستيقظين من دون أن يستجيبوا للتحفيز بأيّ طريقة ذات معنى، ولا يمكنهم التحدّث، ولا يشعرون بأنفسهم أو بمحيطهم.

في تموز/يوليو الماضي، نطقت ليليان أول كلمة لها منذ وقوع الانفجار، وقالت: "ماما"، وهو ما عدّته أسرتها صرخة نداء لطفلها، الذي يبلغ اليوم عامين، ولم تره منذ الانفجار، بسبب نزاع على الحضانة مع زوجها، بحسب قول عائلة ليليان، بينما ينفي أفراد عائلة الزوج ذلك، ويقولون إن سبب امتناعهم عن السماح برؤية ليليان لطفلها هو خوفهم من تعرضه لأمراض في المستشفى. 

طفل ليليان.. "دُمية ليليان"

لم تنتهِ قصة ليليان منذ الساعة السادسة وأربع دقائق، عصر نهار الثلاثاء في 4 آب/أغسطس 2020. قصتها كما الانفجار، لا تزال تَتَنابع أحداثها. لم تُشف ليليان بالكامل، وما زالت تكافح المرض من دون أن تنتصر عليه، أو تدعه ينتصر عليها.

تخوض ليليان، منذ إصابتها، معركة تلوَ الأخرى في سرير المستشفى في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، حيث تعيش في الطابق التاسع منذ لحظة الانفجار. وكان أحدث هذه "المعارك" سعي عائلتها لحصول الشابّة العشرينيّة على إذن بالسفر إلى الخارج، بُغية العلاج بعد مواجهة، دخل الرأي العام على خطّها، جراء احتجاز عائلة الزوج جواز سفر ليليان، بحسب ما صرحت به عائلتها. 

تمكّنت ليليان، بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت (عام 2021)، من رؤية طفلها للمرة الأولى، عبر "video call"، بعد أن استيقظت جزئياً من الغيبوبة. وبحسب أطبائها، ترك اللقاء، عبر الهاتف، أثراً إيجابياً ملحوظاً في حالتها.

وقبل يومين من الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت، نشرت وكالة "رويترز" فيديو يُظهر ليليان تحتضن دمية. تقول السيدة نوال شعيتو، شقيقة ليليان، في حديث إلى وسائل إعلام محلية إن "هذه القضية عادت الى الواجهة، بعد أن قامت إحدى الوسائل الإعلامية بإعداد تقرير عن ليليان تناولت فيه وضعها الصحي. و"في أثناء التصوير، قمنا بإعطاء ليليان دمية، بناءً على نصيحة معالجة نفسية، أكدت أن هذه الدمية ستخفف عنها الوجع الذي تمر فيه، وستكون متنفّساً لها، في ظل غياب ابنها عنها".

حرّكت ليليان يدها اليسرى ولاعبت قدمَي الدمية، فكان المشهد محزناً بقدر ما كان دافئاً، ولقي صدىً واسعاً لدى الرأي العام اللبناني، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أعاد قصة "الأميرة النائمة ليليان" إلى الواجهة.

اليوم، في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت، التقت ليليان شعيتو ابنها علي، الذي زارها في المستشفى، بعد لقاء مصالحة بين العائلتين. وتناقل ناشطون لبنانيون صوراً لعلي في حضن جدّه، والد ليليان، في أثناء توجّهه للقاء أمه الأول منذ عامين، في المستشفى. وبدا الجدّ باكياً بعد لقاء حفيده، وقال ناشطون إن الصورة التُقطت في أثناء توجه الطفل مع جدّه للقاء أمه.

بعدها بوقت قصير، تداول الناشطون صوراً جديدة للطفل الى جانب أمه بعد أن وصل إلى المستشفى، حيث ترقد ليليان في السرير. ولقيت هذه الصورة تفاعلاً كبيراً في مواقع التواصل، وبدا المشهد مؤثّراً مع ملامسة الطفل دفءَ يدَ والدته، التي لامست يدَ الدمية عوضاً من يده، فترةً طويلة.

"4 آب/أغسطس.. النهار الذي فرقهم رجع جمعهم". هكذا علّق بعض المغردين على صورة ليليان مع طفلها، وهناك من رأى أن الضغط الإعلامي، والتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ساهما في إعادة تصويب العلاقة بين العائلتين، في إثر خلافات طويلة.

وبالفعل، أصدرت العائلتان اليوم بياناً مشتركاً، قالتا فيه: "في ظل مأساة انفجار مرفأ بيروت، والضرر الجسيم الذي لحق بكل اللبنانيين، ولاسيما عائلتا حدرج وشعيتو، بإصابة ابنتهما ليليان إصابةً بالغة أقعدتها لغاية تاريخه في مستشفى الجامعة الأميركية، وفي هذه الذكرى الأليمة، تفتّحت وردة باتحاد العائلتين على موقف واحد، بعد اللقاء الذي جمعهما صباح هذا اليوم برعاية سماحة المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد عبد الأمير قبلان".

وأكّدت العائلتان "متابعة حالة ليليان الصحية بجهد واحد واهتمام واحد، وعلى حثّ وزارة الصحة على التزام مضمون القانون 2020/194 وإبقاء حالة ليليان، كما كل جرحى الانفجار، برعايتها وعدم التلكؤ بإنفاذ الموجب". كما تتوجه العائلتان بـ"الشكر الجزيل إلى كل من ساهم في إعادة وصل صلات الرحم".

في 4 آب/أغسطس عام 2020، انفجر مرفأ بيروت، وتبعته انفجارات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا يُسمع صوتها غالباً.  وخلّف ثالث أكبر انفجار في التاريخ ندوباً في بيوت اللبنانيين، وقلوبهم.

ليليان عيّنة؛ قصة من بين المئات من القصص التي حدثت مع انفجار مرفأ بيروت، وما زالت تحدث.