إسحاق نيوتن.. من تفاحة الجاذبية إلى نهاية العالم
لم تقتصر إسهامات نيوتن العلمية على اكتشاف الجاذبية وقوانينها، كما لم تقتصر اهتماماته على العلوم، بل تخطتها إلى اللاهوت، فتحدث عن قضايا شائكة في المسيحية كما تحدث عن تاريخ نهاية العالم.
اشتهر العالم الإنكليزي إسحاق نيوتن باكتشافه قانون الجاذبية، فكان بذلك أحد قادة الثورة العلمية في القرن الـ17.
لكن إنجازات نيوتن لم تقتصر على هذا الاكتشاف فحسب، وتخطته إلى إنجازات كثيرة ومهمة في الفيزياء والضوء والحركة والرياضيات والفلسفة. وكانت له كتبات في اللاهوت وآراء نقدية لبعض الممارسات الدينية المسيحية ومعتقداتها.
قبل الحديث عن اكتشافات نيوتن وإنجازاته لنتعرف إلى هذه الشخصية التي أسهمت بتغيير وجهة العلم وثورته.
من هو اسحاق نيوتن؟
هو السير اسحاق نيوتن (Sir Isaac Newton)، عالم انكليزي في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعالم فلك وعالم لاهوت. هو أيضاً مؤلف ومخترع وواحد من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء في كل العصور ومن أكثر العلماء تأثيراً. كان شخصية رئيسية في الثورة الفلسفية المعروفة باسم "عصر التنوير".
اقرأ أيضاً: تكنولوجيا الإعلام والاتصال.. من خوارزميات البابليين حتى اليوم
متى وُلد اسحاق نيوتن؟
وُلِد إسحاق نيوتن في 25 كانون الأول/ديسمبر من العام 1642 بحسب التقويم اليولياني الذي كانت تتبعه إنجلترا، وفي 4 كانون الثاني/يناير من العام 1643 وفق التقويم الميلادي.
ولد إسحاق نيوتن في لينكولنشاير (Lincolnshire) بوولثورب (Woolsthorpe) في انجلترا. وُلد قبل الأوان، بشهرين أو 3 أشهر من موعد الولادة الطبيعي، فكان مولوداً صغير الحجم.
كان الابن الوحيد لموظف محلي، يدعى أيضاً إسحاق نيوتن. توفي والده قبل 3 أشهر من ولادته. أما والدته فهي هانا أيسكو (Hannah Ayscough)، وكانت شبه أمية.
تزوجت والدته بعد سنتين من وفاة والده، بالوزير الميسور برناباس سميث (Barnabas Smith). ولأن الزوج لم يرغب بالطفل نيوتن، فقد تركته والدته لدى جدته (لوالدته) لتعتني به. وهذا ما يفسر، بالنسبة لبعض المؤلفين، عدم زواج نيوتن.
اقرأ أيضاً: الماسونية.. قصة منظمة سريّة من العصور الوسطى
طفولة نيوتن
كان نيوتن طفلاً حساساً بطبيعته، يفضل اللعب مع الفتيات على الصبيان. لم يستغرق خاله وقتاً طويلاً ليتأكد من أن نيوتن غير مؤهل للعمل الزراعي، فأرسله إلى المدرسة.
تمتع نيوتن بكل من البراعة اليدوية والذكاء اللامع، ولم يتمكن من بناء علاقات طيبة مع الطلاب الآخرين، وستكون هذه سمة من سمات شخصية نيوتن التي رافقته طيلة حياته.
انفصل نيوتن عن والدته لمدة 9 سنوات، حتى وفاة زوجها سميث في العام 1653. ونُسبت ميوله العدوانية الواضحة إلى حدث الانفصال العاطفي عن أمه والذي كان صدمة للطفل نيوتن. تقول المعلومات إن نيوتن كان يكره زوج والدته.
عندما قام نيوتن بتقييم حالته الروحية في العام 1662، قام بكتابة قائمة بخطاياه باختصار، ومما كتبه: "تهديدي والدي ووالدتي سميث بحرقهما وإحراق المنزل معهما".
فالشعور الحاد بعدم الأمان، والقلق الشديد والعنف غير العقلاني، رافق نيوتن طوال حياته. وقد يُعزى إلى انفصاله عن والدته في سنواته الأولى.
كان نيوتن طفلاً عملياً وموهوباً، فقد استمتع ببناء بعض النماذج، منها طاحونة صغيرة تعمل بفأر يجري داخل عجلة.
اقرأ أيضاً: زودياك السفاح.. من هو القاتل الغامض؟
متى توفي نيوتن؟
توفي السير إسحاق نيوتن في الـ31 من آذار/مارس من العام 1727، عن عمر ناهز الـ84 عاماً، وهو نائم في سريره.
أُقيم له مأتم وحفل تأبيني وصفه المؤرخون بـ"الفخم" ودُفن في وستمنستر آبي (Westminster Abbey) في لندن.
حياة نيوتن الجامعية
في العام 1661، التحق نيوتن بكلية ترينيتي (Trinity) في كامبريدج (Cambridge) بصفته سيزار (sizar)، أي طالب فقير مسؤول عن إفراغ أواني الحجرة وحمل الحطب مقابل الحصول على دراسات مجانية. هذا الوضع، الذي كان يعتبر مهيناً بشكل خاص لشاب أصبحت والدته ثرية بعد ترملها للمرة الثانية، لم يتغير إلا في العام 1667 عندما أصبح "زميلاً"، إذ سيتقاضى راتباً وينال مسكناً.
اقرأ أيضاً: كوكب المريخ.. أسرار وحقائق
نيوتن والتفاحة
في العام 1665 أغلقت الجامعة مؤقتاً، بسبب وباء الطاعون الدبلي (الموت الأسود)، فعاد نيوتن إلى منزله في لينكولنشاير ومكث هناك لمدة عامين تقريباً. ووصف تلك الفترة بأنها "بداية عمري في الاختراع".
مسار اكتشاف قانون الجاذبية
وفقاً لنيوتن نفسه، فقد شهد خلال هذه الإقامة سقوط التفاحة الشهيرة. بعد سقوط التفاحة تساءل نيوتن عن سبب سقوط التفاحة بشكل مستقيم، وليس بشكل جانبي أو حتى ارتفعت إلى الأعلى.
وهو الحدث الذي سمح له بإقامة علاقة بين سقوط جسم على سطح الأرض وحركة القمر.
بعد ذلك، رأى نيوتن أن كوكب الأرض يجذب كوكب القمر بالقوة نفسها التي أثرت على التفاحة. وهي القوة التي اختلفت في النسبة العكسية لمربع المسافة التي تفصل الأرض عن القمر. لكن نيوتن لم ينشر شيئاً حول اكتشافه، وسينتظر حتى العام 1687 ليقوم بذلك. إذ اعتبر أن الأمر لم يكن أكثر من مجرد حدس.
فهو كان بحاجة إلى تحسين نظريته، لا سيما لإثبات أن الأرض تتصرف تجاه الأجسام المحيطة، كما لو كانت كتلتها مركزة في مركزها. وهذا يتطلب تأسيس فرع جديد للرياضيات (أي حساب التفاضل والتكامل) وبالتالي استغرق وقتاً.
اقرأ أيضاً: فيدل كاسترو.. رمح الثورة وصانع التاريخ
بداية، لم تؤكد حساباته الأولى أطروحته، لأن بياناته عن أبعاد الأرض كانت خاطئة.
سيتم تصحيح هذا الخطأ بعد 5 أعوام في فرنسا، من خلال قياسات نصف قطر الأرض بواسطة العالم الفيزيائي والفلكي الفرنسي جان بيكار Jean Picard (1682-1620)، لكن نتيجة هذه التجربة لن تصل إلى نيوتن إلا في العام 1682.
يُعتبر العام 1669، من التواريخ المهمة في حياة نيوتن الذي تسلم منصب عالم الرياضيات إسحاق بارو (1630-1677)، صاحب كرسي لوكاس المرموق.
تليسكوب نيوتن
بعد ذلك بعامين، اخترع نيوتن "التليسكوب" الذي اعتُبر أداة ثورية، ما فتح له أبواب الجمعية الملكية. هناك، سيلتقي بالفيلسوف الطبيعي والمعماري الانكليزي، وأحد أهم أعضاء الجمعية، روبرت هوك (1635-1703)، والذي سيصبح سريعاً عدواً شرساً له.
ستفصلهم أسئلة لا حصر لها منذ العام 1672، تاريخ جدلهم الأول حول طبيعة الضوء. سيتبع هذا الشجار العديد من الخلافات، إذ يدخل نيوتن أحياناً في غضب هستيري، لا سيما حول السدس وقانون الجاذبية. لن تنتهي حتى وفاة هوك في العام 1703.
نيوتن وهالي
في العام 1684، أدت زيارة قام بها عالم الفلك والرياضيات والفيزياء والأرصاد الجوية الإنجليزي إدموند هالي Edmond Halley (1656-1742) إلى قلب حياة نيوتن رأساً على عقب.
يريد هذا العالم الفلكي، الذي سيُطلق اسمه على مذنب شهير، أن يعرف مسار أي كوكب "إذا افترضنا أن قوة الجذب تجاه الشمس تتناسب عكساً مع مربع المسافة". فيجيب نيوتن: "القطع الناقص، لقد حسبته".
لكنه لا يستطيع العثور على ملاحظاته ووعوده بإعادة الحسابات. ثم كتب "De motu corporum in gyrum"، وهو كتيب من شأنه أن يكون أساساً لـ"المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" المستقبلية (1687)، والمعروف باسم "Principia".
يدرك نيوتن هناك، توليف قوانين كبلر بشأن مدارات الكواكب وقوانين غاليليو بشأن سقوط الأجسام. إنه يبني الفيزياء على قانون القصور الذاتي، والمبدأ الأساسي للميكانيكا ومبدأ الفعل ورد الفعل.
إلى هذه المبادئ الـ3، أضاف قانون الجاذبية المعبّر عنه بواسطة قوة تعمل على مسافة في الفراغ. وبالتالي بدون دعم مادي، لا تكتفي هذه الآلية الجديدة بتوضيح الحقائق الغامضة حتى الآن، مثل حركة الكواكب والأقمار والمد والجزر وما إلى ذلك، ولكنها تتيح أيضاً التنبؤ بالعديد من الظواهر الجديدة.
أصبح نيوتن رمزاً حياً في إنجلترا، وسيشغل مناصب مرموقة كمدير دار صك العملة ورئيس الجمعية الملكية، وهو المنصب الذي سيحتفظ به من العام 1703 حتى وفاته في العام 1727.
خلاف نيوتن والديكارتيين
اقرأ أيضاً: مثلث برمودا الغامض وأسرار الاختفاء فيه
لكن في فرنسا، تم رفض قوة الجذب العالمي بعنف من قبل الديكارتيين (نسبة إلى René Descartes). واتهموا نيوتن بإعادة تقديم التفسيرات السحرية على العلمية.
يعترف نيوتن بأن هذه القوة غير مفهومة، كما يعترف بأنه لا يعرف لماذا لا ينتهي الأمر بالنجوم إلى الالتصاق معاً تحت تأثير هذا الانجذاب. حتى أنه يعترف بأنه يعتمد على الله للحفاظ على الأجرام السماوية في مكانها. ثم حصل الجدل العلمي بين النيوتونيين والديكارتيين، والذي تركز على "شكل الأرض".
انتصار نيوتن
في الواقع، تتنبأ نظرية نيوتن بأن الأرض مسطحة قليلاً عند القطبين. لكن الديكارتيين يدّعون العكس تماماً، بناءً على قياسات خاطئة. وستتم تسوية الخلاف من خلال القياسات الجيوديسية (géodésiques) التي أجراها تشارلز ماري دو لا كوندامين Charles Marie de La Condamine (1701-1774) في بيرو (Pérou) وبيير لويس مورو دو موبرتويسPierre-Louis Moreau de Maupertuis (1698-1759) في لابلاند (Laponie).
عندما أثبتت النتائج أن نيوتن كان على حق في العام 1738، تخلى العديد من العلماء عن الديكارتيين.
أخيراً، في العام 1759، ستضمن عودة المذنب الذي يحمل حالياً اسم "هالي"، والذي تنبأت به الحسابات، انتصار نيوتن.
اقرأ أيضاً: أشهر السنة الميلادية.. قصّة التقويم ومعاني الأشهر
دخل نيوتن في نزاعات لا تليق بعالم عظيم مثله، لا سيما ضد عالم الفلك الملكي جون فلامستيد John Flamsteed (1646-1719) الذي استولى على أعماله بشكل غير ملائم، وضد غوتفريد ويلهلم ليبنيز Gottfried Wilhelm Leibniz (1646-1716) الذي اتهمه ظلماً بالسرقة الأدبية.
بالإضافة إلى "المبادئ"، كتب نيوتن في العام 1704 عمله العظيم الثاني، "Opticks"، حيث أيد وجهة نظر جسدية للضوء تتعارض مع وجهة نظر كريستيان هيغنز Christian Huygens (1629-1695)، صاحب نظرية الموجات الضوئية.
يقدم نيوتن أيضاً مساهمة مهمة في الرياضيات، لا سيما في دراسة السلاسل وفي إنشاء حساب التفاضل والتكامل مع ليبنيز (Leibniz).
أثبتت الأبحاث التي أجراها مؤرخو القرن الـ20 أن نيوتن أجرى سراً عدداً لا يُحصى من تجارب الكيمياء، وتذوق اختلاطاتها، وسمم نفسه بالزئبق. وانتهت التجارب في العام 1693 بانفجار معمله، حيث كاد أن يفقد حياته.
اقرأ أيضاً: الذكرى الـ90 لاستشهاد عمر المختار.. نحن ننتصر أو نموت
إنجازات نيوتن
ترك السير إسحاق نيوتن مساهمات مهمة للعديد من فروع العلم.
من إنجازات نيوتن أنه أسس للميكانيكا الكلاسيكية، لنظريته عن الجاذبية الشاملة وخلق حساب التفاضل والتكامل متناهي الصغر، في منافسة مع العالم الألماني غوتفريد ويلهلم ليبنيز.
دفعه اهتمامه بالبصريات، إلى اقتراح أن الضوء الأبيض هو في الواقع مزيج من الضوء لجميع ألوان قوس قزح. وهذا بدوره أوضح سبب الانحراف اللوني - إعادة إنتاج الألوان غير الدقيقة - في التليسكوبات اليوم.
لحل المشكلة، صمم نيوتن تلسكوباً سُمي بـ"تلسكوب نيوتن"، يستخدم المرايا بدلاً من العدسات الزجاجية فقط، ما سمح للجهاز الجديد بتركيز كل الألوان على نقطة واحدة، ما أدى إلى صورة أكثر وضوحاً ودقة.
حتى يومنا هذا، تعد التلسكوبات العاكسة، بما في ذلك تلسكوب هابل الفضائي، الدعائم الأساسية لعلم الفلك.
يعتبر عمله Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica، الذي نُشر في العام 1687، عملاً رئيسياً في تاريخ العلم.
يصف فيه القانون العام للجاذبية، ويصوغ قوانين الحركة العالمية الثلاثة، التي ظلت دون تغيير لأكثر من قرنين، ويضع أسس الميكانيكا الكلاسيكية. كما أجرى أبحاثاً في مجالات اللاهوت والكيمياء.
استخدم نيوتن كلمة وزن، باللاتينية gravitas، للإشارة إلى تأثيرات ما نسميه الآن الجاذبية، وقام بتعريف قوانين الجاذبية العامة.
قال الرئيس السابق للجمعية الملكية البريطانية مارتن ريس لموقع ناشيونال جيوغرافيك: "لقد أظهر أن القوة التي تجعل التفاحة تسقط والتي تبقينا على الأرض، هي القوة نفسها التي تبقي القمر والكواكب في مداراتها".
أما مؤرخ الرياضيات في جامعة ميلتون كينز المفتوحة في المملكة المتحدة جيريمي جراي، فقال للموقع نفسه إن "نظريته (نيوتن) في الجاذبية لم تكن لتوفر لنا تحديد المواقع العالمية للأقمار الصناعية، لكنها كانت كافية لتطوير السفر إلى الفضاء".
قانون الجاذبية
ينص قانون الجاذبية لنيوتن، على أن أي جسم من المادة في الكون، يجذب أي جسم آخر بقوة تتغير بشكل مباشر كناتج للكتل وعكساً كمربع المسافة بينهما.
في الرموز، حجم القوة الجذابة F يساوي G (ثابت الجاذبية، وهو رقم يعتمد حجمه على نظام الوحدات المستخدمة وهو ثابت عالمي) مضروباً بحاصل ضرب الكتل (m1 و m2 ) ومقسوماً على مربع المسافة R:
F = G (m1m2) / R2
طرح إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في العام 1687، واستخدمه لشرح الحركات المرصودة للكواكب وأقمارها، والتي اختصرها يوهانس كيبلر إلى الشكل الرياضي في أوائل القرن الـ17.
قوانين نيوتن
بعد رؤيته للتفاحة، طور نيوتن قوانين الحركة الـ3، التي تصف العلاقة بين القوى المؤثرة على الجسم وحركة الجسم، والتي صاغها نيوتن أولاً لتشكل أساس الميكانيكا الكلاسيكية.
ما هي قوانين نيوتن للحركة؟
إذاً، ساهم إسحق نيوتن في وضع أسس قوانين الحركة الـ3 في العام 1687. وهي:
1 - قانون القصور الذاتي
ينص قانون نيوتن الأول، على أنه إذا كان الجسم في حالة راحة أو يتحرك بسرعة ثابتة في خط مستقيم، فإنه يبقى في حالة راحة أو يستمر في التحرك في خط مستقيم بسرعة ثابتة، ما لم يتم التصرف بناءً عليه بقوة.
في الواقع، في ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية، لا يوجد فرق مهم بين الراحة والحركة المنتظمة في خط مستقيم؛ يمكن اعتبارهما نفس حالة الحركة التي يراها مراقبون مختلفون، أحدهما يتحرك بنفس سرعة الجسم والآخر يتحرك بسرعة ثابتة بالنسبة للجسم. تُعرف هذه الفرضية بقانون القصور الذاتي.
صاغ العالم غاليليو غاليلي، قانون القصور الذاتي لأول مرة للحركة الأفقية على الأرض، ثم عممه الفليلسوف رينيه ديكارت لاحقاً. على الرغم من أن مبدأ القصور الذاتي هو نقطة البداية والافتراض الأساسي للميكانيكا الكلاسيكية، إلا أنه أقل بديهية للعين غير المدربة.
في ميكانيكا أرسطو وفي التجربة العادية، تميل الأشياء التي لا يتم دفعها إلى الراحة. استنتج غاليليو قانون القصور الذاتي من تجاربه مع الكرات المتدحرجة.
بالنسبة إلى غاليليو، كان مبدأ القصور الذاتي أساسياً لمهمته العلمية المركزية. كان عليه أن يشرح كيف إذا كانت الأرض تدور حقًا حول محورها وتدور حول الشمس، فإننا لا نشعر بهذه الحركة.
يساعد مبدأ القصور الذاتي على تقديم الإجابة، وهي أنه نظراً لأننا نتحرك مع الأرض وميلنا الطبيعي هو الاحتفاظ بهذه الحركة، فإن الأرض تبدو لنا في حالة راحة.
وهكذا، فإن مبدأ القصور الذاتي، بعيداً عن كونه بياناً لما هو واضح، كان ذات يوم قضية مركزية للخلاف العلمي.
بحلول الوقت الذي قام فيه نيوتن بفرز جميع التفاصيل، أصبح بالإمكان حساب الانحرافات الصغيرة عن هذه الصورة بدقة، بسبب حقيقة أن حركة سطح الأرض ليست حركة موحدة في خط مستقيم.
في الصيغة النيوتونية، فإن الملاحظة الشائعة بأن "الأجسام التي لا يتم دفعها تميل إلى الراحة" تُعزى إلى حقيقة أن لديها قوى غير متوازنة تعمل عليها، مثل الاحتكاك ومقاومة الهواء.
2 - قانون F = ma
قانون نيوتن الثاني هو وصف كمي للمتغيرات التي يمكن أن تنتجها القوة على حركة الجسم. ينص على أن المعدل الزمني لتغير زخم الجسم يساوي من حيث الحجم والاتجاه القوة المفروضة عليه. زخم جسم يساوي حاصل ضرب كتلته وسرعته.
الزخم، مثل السرعة، كمية متجهة لها مقدار واتجاه. يمكن للقوة المطبقة على الجسم أن تغير مقدار الزخم أو اتجاهه أو كليهما.
قانون نيوتن الثاني، هو أحد أهم قوانين الفيزياء. بالنسبة لجسم كتلته m (mass) ثابتة، يمكن كتابتها بالصيغة F = ma، حيث F (القوة: force) و a (التسارع: acceleration) كلاهما كميتين متجهتين.
إذا كان لجسم ما قوة صافية تؤثر عليه، فإنه يتم تسريعه وفقاً للمعادلة. على العكس من ذلك، إذا لم يتم تسريع الجسم، فلا توجد قوة محصلة تؤثر عليه.
3 - قانون الفعل ورد الفعل
ينص قانون نيوتن الثالث على أنه عندما يتفاعل جسمان، فإنهما يطبقان القوّة على بعضهما البعض، متساوية في الحجم ومعاكسة في الاتجاه.
يُعرف القانون الثالث أيضاً باسم قانون الفعل ورد الفعل. هذا القانون مهم في تحليل مشاكل التوازن الساكن، حيث تكون جميع القوى متوازنة. لكنه ينطبق أيضاً على الأجسام في حركة موحدة أو متسارعة.
على سبيل المثال، كتاب "يستريح" على طاولة، يطبق قوة هبوط مساوية لوزنه على الطاولة. طبقًا لقانون نيوتن الثالث، يطبق الجدول قوة مساوية ومعاكسة للكتاب. تحدث هذه القوة لأن وزن الكتاب يتسبب في تشوه الطاولة قليلاً، بحيث تدفع الكتاب للخلف.
إذا كان لجسم ما قوة صافية تؤثر عليه، فإنه يخضع لحركة متسارعة وفقًا للقانون الثاني. إذا لم تكن هناك قوة صافية تؤثر على الجسم، إما بسبب عدم وجود قوى على الإطلاق أو لأن جميع القوى متوازنة بدقة، من خلال قوى معاكسة، فإن الجسم لا يتسارع وقد يقال إنه في حالة توازن.
على العكس من ذلك، فإن الجسم الذي يُلاحظ أنه لا يتم تسريعه، قد يُستنتج بأن ليس لديه قوة صافية تؤثر عليه.
تأثير قوانين نيوتن للحركة
ظهرت قوانين نيوتن لأول مرة في رائعته، Philosophiae Naturalis Principia Mathematica (1687)، المعروفة باسم Principia.
في العام 1543، اقترح العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus) أن الشمس، وليس الأرض، قد تكون في مركز الكون.
في السنوات الفاصلة، وضع غاليليو ويوهانس كيبلر وديكارت، أسس علم جديد من شأنه أن يحل محل النظرة الأرسطية للعالم، الموروثة من قدماء الإغريق، ويشرح طريقة عمل كون مركزية الشمس.
في كتاب المبادئ (Principia)، ابتكر نيوتن ذلك العلم الجديد. طور قوانينه الـ3 من أجل شرح سبب كون مدارات الكواكب عبارة عن أشكال بيضاوية وليست دوائر. وقد نجح في ذلك، ولكن اتضح أنه أوضح أكثر من ذلك بكثير. تُعرف سلسلة الأحداث من كوبرنيكوس (Copernicus) إلى نيوتن مجتمعة بـ"الثورة العلمية".
في القرن الـ20، تم استبدال قوانين نيوتن بميكانيكا الكم quantum mechanics، والنسبية relativity، وهما أهم قوانين الفيزياء.
ومع ذلك، تستمر قوانين نيوتن في تقديم وصف دقيق للطبيعة، باستثناء الأجسام الصغيرة جداً مثل الإلكترونات أو الأجسام التي تتحرك بالقرب من سرعة الضوء.
تختزل ميكانيكا الكم والنسبية، قوانين نيوتن للأجسام الأكبر أو للأجسام التي تتحرك ببطء أكبر.
نيوتن والدين
عندما توفي السير إسحاق نيوتن في العام 1727، لم يترك وراءه فقط، وصية وكمية هائلة من الأوراق، تحتوي مراسلاته وملاحظاته ومخطوطاته الباقية، وتقدر بـ10 ملايين كلمة، ما يكفي لملء نحو 150 كتاباً بحجم رواية.
ولكن هناك أيضاً صفحات تكشف جانباً آخر لنيوتن، وهو الجانب الديني والذي حاول ورثة نيوتن إخفاءه.
كتب نيوتن تحليلاً شرعياً للكتاب المقدس، في محاولة لفك شفرة النبوءات الإلهية. كان لديه آراء دينية غير تقليدية، كان رافضاً لعقيدة الثالوث المقدس.
بعد وفاته، خشي وريث نيوتن، جون كوندويت، زوج ابنة أخته غير الشقيقة كاثرين بارتون، أن يتم اتهام أحد آباء عصر التنوير بأنه مهرطق.
هكذا ولمئات السنين قلة من الناس رأوا أعماله المتعلقة بالدين. لم يتم نشر بعض أوراق نيوتن على نطاق واسع إلا في ستينيات القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: عبد الحميد بن باديس.. حياته وإنجازاته
كتاب أوراق نيوتن
قصة كتابات نيوتن وكيف نجت حتى يومنا هذا، هي موضوع كتاب جديد يحمل عنوان: أوراق نيوتن: الأوديسة الغريبة والحقيقية لمخطوطات إسحاق نيوتن، (The Newton Papers: The Strange and True Odyssey of Isaac Newton's Manuscripts) للكاتبة سارة دراي (Sarah Dry).
تتعقب الكاتبة تاريخ تلك الأوراق والمخطوطات، وتكشف الأحداث التي أبقتها آمنة وبحالة جيدة. وتتحدث عن أفكار وآراء ومعتقدات نيوتن الدينية.
في مرحلة مبكرة من حياته المهنية في كلية ترينيتي، أجرى نيوتن برنامجًا استثنائيًا للبحث اللاهوتي الإبداعي. كان برنامج الدراسة هذا سائداً حينها. لكنه كان ينقطع أحياناً عن إتمام تلك الدراسة بسبب عمله في الكيمياء والرياضيات والفلسفة الطبيعية.
نيوتن والثالوث المقدس
في وقت ما من سبعينيات القرن الـ17، توصل نيوتن إلى وجهة نظر مفادها أن "شكلاً بسيطاً وأصيلاً من المسيحية، قد شوهه المفسدون في القرون التي أعقبت حياة السيّد يسوع المسيح. ما أدى إلى ظهور نوع من الدين، تم قبوله الآن على أنه أرثوذكسي من قبل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وإلى حد ما من قبل كنيسة إنكلترا".
وخلص نيوتن إلى أن "المفهوم الأرثوذكسي عن الثالوث المقدس، كان خيالاً تم اختراعه في أوائل القرن الـ4، وتم الترويج له بعد ذلك من قبل خدّام الشيطان".
كان نيوتن يرى عبادة المسيح كإله إنما هي عبادة أصنام، وأنها الخطيئة الكبرى. وتوصل إلى الاعتقاد بـ"أن نعطي أي كائن آخر العبادة التي هي حق لله، هو شكل من أشكال عبادة الأصنام"، وتوصل أيضاً إلى أن "يسوع كان إلهاً ولكنه ليس الله".
رفض تلقينه التعاليم المقدسة
وكان يرى بعض المؤرخين، أن نيوتن كان يؤمن بالنظرية الأرثوذكسية الشرقية حول الثالوث، بدلاً من العقيدة الغربية التي تعتقد بها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والانجليكانية ومعظم الطوائف البروتستانتية.
إلا أن هذه النظرية فقدت مؤيديها في الآونة الأخيرة، في ظل وجود أوراق نيوتن اللاهوتية. إذّ يصنف معظم العلماء نيوتن باعتباره موحداً لا ثالوثياً. ورفض نيوتن تلقينه التعاليم المقدسة وهو على فراش الموت.
اقرأ أيضاً: العربي بن مهيدي.. شهيد من الجزائر "كيّع" الاحتلال الفرنسي
بالرغم من أن قوانين الحركة والجاذبية الكونية كانا من أعظم إنجازاته، إلا أنه حذر من استخدامها بهدف تصوير الكون كآلة. فقال: "تفسر الجاذبية حركة الكواكب، ولكنها لا تفسر من الذي يجعلها تتحرك، "فالله يحكم كل شيء ويعرف كل شيء وما يمكن أن يكون".
صلب يسوع ونهاية العالم
كان نيوتن يعتبر نفسه واحداً من مجموعة اختارها الله للقيام بمهمة فهم الكتاب المقدس. فدرس الكتاب المقدس وكتابات آباء الكنيسة. وكتب نيوتن نقدًا للنصوص، أبرزها "وصف تاريخي لتحريفين مهمين للكتاب المقدس".
أكد نيوتن "أن صلب يسوع كان في الـ3 من نسيان/أبريل للعام 33م". وحاول دون جدوى العثور على الرسائل المخفية داخل الكتاب المقدس. وقدر أن نهاية العالم لن تكون قبل العام 2060.