"طوفان الأقصى".. حرب في داخل أخرى

لقد أظهر الشارع العربي والإسلامي التفافاً كبيراً حول المقاومة وبرنامجها، وفجّرت عملية "طوفان الأقصى" طائفة من المشاعر الوحدوية لدى الشعوب.

  • معركة طوفان الأقصى.
    معركة طوفان الأقصى.

منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، أشهر الإعلام الغربي والإسرائيلي الورقة الإيرانية، وبدأ التسابق إلى اتهام طهران بالتورط في العملية والوقوف وراء التخطيط لها، إذ وجه عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين الاتهام إليها بالضلوع في المواجهة، على الرغم من نفيها انخراطها في العملية وتأكيدها أنها تدعم خط المقاومة، وهو خطها التقليدي الذي لم يتغيّر.

حاولت "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية زجّ إيران في الصراع في توقيت متزامن مع الحديث عن إمكانية حصول تطبيع في العلاقات السعودية الإسرائيلية، بهدف إحداث نوع من الفرز في المنطقة وعزل النظام الإيراني، والفصل بين معسكر التطبيع ومعسكر المقاومة وضرب الواحد بالآخر. 

ربما تدرك الإدارة الأميركية أن خط المقاومة في فلسطين أصبح عبئاً على الأجندة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة العربية، وأنه الجدار الذي يمكن أن يصطدم به خط التطبيع باستمرار. لذلك، لا مندوحة من محاولة عزله عبر ربطه بالنظام الإيراني.

ولعل لهذه المحاولة هدفين مترابطين؛ الأول هو عزل إيران وإظهارها بمظهر الطرف الذي يعوق سياسة الاستقطاب الجديدة في المنطقة العربية نحو التطبيع، والآخر هو تسفيه المقاومة الفلسطينية بإظهارها في صورة الخاضع لإملاءات النظام الإيراني والاصطفاف مع خصم للولايات المتحدة و"إسرائيل" ونادي التطبيع، بمعنى أن اصطفاف المقاومة مع إيران يسقط الشرعية عنها ويضعها في مواجهة جزء من النظام العربي.

ولكنَّ غباء السياسة الأميركية والإسرائيلية يوقعهم في الفخ من حيث لا يريدون. لقد أظهر الشارع العربي والإسلامي التفافاً كبيراً حول المقاومة وبرنامجها، وفجّرت عملية "طوفان الأقصى" طائفة من المشاعر الوحدوية لدى الشعوب العربية والإسلامية التي تدرك أن المقاومة هي الخط الوحيد الممكن لنيل الحقوق التاريخية. وبالتالي، أفشل هذا الغليان الشعبي المخطط الأميركي والإسرائيلي الذي أراد إسقاط شرعية المقاومة عبر البوابة الإيرانية. 

وعلى عكس ما يريده هذا المخطط، فإن اتهام إيران من شأنه أن يعيدها إلى الشارع العربي أقوى ما كانت عليه، فإذا كانت الإدارة الأميركية و"تل أبيب" تسعيان إلى عزل إيران في المنطقة رسمياً، فإن خط المقاومة سيعيد توطينها فيها شعبياً.

لكن الأغرب هو ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية التي قالت إنَّ التخطيط لعملية "طوفان الأقصى" تم بالتعاون مع الجانب الإيراني في شهر آب/أغسطس الماضي، أي قبل شهر واحد من تنفيذ العملية، ثم جرى تنقيح المخطط لاحقاً في بيروت، أي أقل من شهر قبل التنفيذ. 

ولا أعتقد أن أي خبير عسكري يمكن أن يصدق هذا الكلام، فعملية بهذا الحجم والاتساع براً وبحراً وجواً، وإزالة الجدار العازل حول القدس الذي ظلت "إسرائيل" تفخر به كحصن منيع بعدما احتاجت إلى 4 أعوام لبنائه، واختيار مناسبة الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر 1973، ودراسة احتمالات ردود الفعل الدولية، وتحضير الإمكانيات الفلسطينية للرد العسكري والدبلوماسي، كل ذلك لا يمكن أن يتم التخطيط له خلال شهر أو شهرين، إنما هذه عملية تطلبت من جانب المقاومة عملاً طويلاً في الزمان والمكان.

هذا الموقف الأميركي والإسرائيلي الذي تبناه للأسف قسم من الإعلام في المنطقة، لا بد من قراءته في سياق الموقف العام من الشعب الفلسطيني. لقد ظلت نظرة الأميركيين والإسرائيليين إلى الفلسطينيين نفسها ولم تتغير، أو هي نظرة يتم ترويجها عن عمد وإصرار، ومفادها أنّ الفلسطينيين غير قادرين على أن يخوضوا معركة إلا تحت مظلة عربية أو إيرانية، وأنهم في وضعية استتباع. 

هذه النظرة لا تأخذ في الاعتبار التجربة الطويلة للكفاح الفلسطيني طيلة 80 عاماً والتراكم النظري والعملي الذي حصل طيلة هذه العقود، فالمقاومة الفلسطينية شبت عن الطرق، وصارت أكثر نضجاً، وتمرست على الصراع مع العدو الإسرائيلي، والهدف من كل هذه الاتهامات المتجددة هو التبخيس في المقاومة والتشكيك في منجزاتها.

ويبدو أن السحر انقلب على الساحر هذه المرة، وفشل المخطط الأميركي والإسرائيلي منذ البداية، ذلك أن حجم الصراع الذي لم تتوقعه الإدارة الأميركية أخرجه من دائرة التحكّم، وبات يهدد بحرب استنزاف طويلة، الأمر الذي جعل بؤرة التركيز العالمي تنصب على الوضع في فلسطين بدلاً من إيران.

ولعل هذا ما تدركه الإدارة الأميركية التي شرعت في مد الإسرائيليين بالسلاح والعتاد تحسباً لإطالة أمد المواجهة، وهي واحدة من مفارقات الجانب الأميركي الفاضحة في التعامل مع أزمات المنطقة، ففي الوقت الذي تتهم إيران، تتسابق نحو تسليح الجانب الإسرائيلي علناً أمام أنظار كل العالم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.