بني زيد التحوّل الميداني الكبير

دخول الجيش السوري إلى الحيّ واستعادة السيطرة عليه قد لا يفتحان مع ذلك باباً واسعاً للعملية السياسية.

إنجاز الجيش السوري يحتاج إلى المزيد من الوقت لضمّه إلى رصيد أية عملية سياسية مقبلة
الإنجاز الذي استكمله الجيش السوري في ثماني ساعات لقلب المُعادلة الميدانية يحتاج إلى المزيد من الوقت لضمّه إلى رصيد أية عملية سياسية مُقبلة، وتشكيل قاعدة كافية لإطلاق حل سياسي يعتمد على عناصر داخلية كما تتصوّرها دمشق، إذ إن الهدف من أية عملية سياسية في سوريا كما ترى دمشق هو تقوية عناصر الحلّ الداخلي وعدم الارتهان لجنيف الذي صيغ بغياب الدولة السورية وضدّها، كما إنه قام بمرحلة كانت فيها التوازنات الدولية الإقليمية مخالفة لميزان القوى الميداني الحالي والسياسي بعد انتصار حلب والانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا، والتي أجرتها ورقة المبادئ الأساسية التي قدّمها بشّار الجعفري في جنيف الأخير وخطاب الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب السوري حيث رسم ملامح الحلّ السياسي في سوريا. 
أما عملية إجلاء المدنيين في حلب فقد عطّلها المسلّحون بإطلاق الرصاص على طُرق الإجلاء والمعابر التي فتحها الجيش نحو حلب الغربية. وينبغي إسقاط ورقة الحِصار الإنساني لتسبق أية عملية تفاوضية كي لا تتحوّل إلى عبء على المفاوض السوري على غرار ما كان في أحياء حمص القديمة وداريا، لذلك سارع الرئيس السوري بشّار الأسد إلى إعلان عفو عام عن المسلّحين كافة بغضّ النظر عما ارتكبوه خلال الحرب، داعياً إلى إجراء مصالحة وطنية لتشجيع المسلّحين على الخروج من حلب فضلاً عن فتح كل المعابر. لأن فتح المعابر سيؤدّي إلى إسقاط أية محاولة لاستخدام هذه الورقة، إذ إن الطرق ستكون مفتوحة أمام المدنيين للانتقال من حلب الشرقية إلى حلب الغربية ، وتزامنَ ذلك أيضاً مع تصريحات سيرغي شويغو في الإعلان عن فتح المعابر ومنع استخدام هذه الورقة ضدّ موسكو. واللافت إن الحديث عن هذا الحصار جاء عبر فرنسا وبريطانيا ولا تزال واشنطن وأنقرة صامتتين في حين لم تُبْدِ الولايات المتحدة موقفاً يختلف عن الدعوة إلى وقف إطلاق النار.  

وقد لا تحرّك بني زيد أية عملية سياسية. فبعد فشل هدنة شباط التي فرضها الروس قبل استكمال  الجيش السوري حصاره المجموعات المسلّحة. الهدنة التي استفادت منها النصرة ونور الدين الزنكي لإعادة بناء ما خسرته في عاصفة السوخوي عبر تركيا. كما إن جولتي جنيف التفاوضيتين  ضاعتا في خضمّ تعنّت هيئة التفاوض العليا ورفضها لأية مفاوضات حقيقية، وتبدو العملية أيضاً حتى لو عقدت من دون نتائج تختلف عما توصّلت إليه في الماضي من فشل معروف، إذ إن التفاهم الروسي الأميركي لم يشمل أية تغيّرات في طبيعة الوفد المعارض الناظر في جنيف، وهو وفد الهيئة التفاوضية فعلياً وهو لم يتغيّر لا في أجندته ولا مطالبه. والأرجح ألا يأخذ عِلماً بالتغيّرات الجوهرية في ميزان القوى وأن تخرق مطالبه السقف الذي تسمح به هذه التغيّرات، لا سيما العملية الانتقالية كما يتصوّرها كعملية تسلّم وتسليم للسلطة لا أكثر، وخروج الرئيس الأسد نهائياً من المشهد السياسي في سوريا وهو ما لم يوافق عليه أحد .
ولا تبدو جنيف بعد بني زيد أبعد بكثير مما كانت عليه ، حتى ستيفان دي مستورا لم يعُد يجرؤ في الحديث عن أبعَد من مُبادرات، فلا أجندات واضحة ولا مواعيد مضروبة ولا يزال ينتظر الضوء الأخضر الأميركي الروسي من أجل دعوة الأطراف إلى جولة مُباحثات جديدة، لكن ليس قبل نهاية شهر آب حيث لا أحد يمكنه التكهّن منذ الآن أين سيكون الجيش السوري بعد بني زيد وأين ستكون العملية التفاوضية.

أما الزيارة الدمشقية لرمزي عز الدين نائب المبعوث الدولي فالأرجح أنها لتقطيع الوقت. الخارجية السورية لم توافق  عليها إلا بعد تحفّظ على طلبين سابقين . فنائب دي مستورا لا يحمل أية خطة  ولا أية أفكار جديدة لدمشق  حول جنيف أو غيرها بحجم الانتصار في حلب.