لماذا تستغل أنقرة "سوتشي" للإنقلاب على آستانة؟

المحاولة التركية لاستخدام نقاط المراقبة التي وصلت إليها بناء على مسار آستانة في مناطق خفض التصعيد، ربما تدل على أن أنقرة تختار توقيت سوتشي لإعلان انقلابها الهادىء على آستانة. ولعل طموحاتها قد تتجاوز هذا الانقلاب في السعي إلى انضمامها كحليف استراتيجي مع واشنطن والدول الغربية والمحافظة على بقائها حليفاً تكتيكياً لموسكو وطهران.

إردوغان ربما يعوّل على عودة الحلف الأطلسي إلى رعاية تركيا (أ ف ب)

عشية انطلاق مؤتمر الحوار السوري في سوتشي يغامر الجيش التركي في محاولة التغلغل قرب تلة العيس في ريف حلب الجنوبي. فالرتل العسكري التركي تصدّت له قوات الجيش السوري وحلفائه قطع أماني أنقرة في العودة إلى مناطق حلب وأريافها، حيث سجّل انتصار الجيش التحوّل الاستراتيجي في الأزمة السورية وسقوط مراهنات تحالف واشنطن على تغيير مستقبل سوريا في المنطقة.

المناطق في ريف حلب التي تحاول أنقرة احتلالها في إطار طموحات تتخطى معركة عفرين، هي نقاط مراقبة لخفض التصعيد وصلت إليها تركيا بناء على تفاهمات مسار آستانة الذي رعته موسكو وطهران لاستقطاب تركيا إلى الحل السياسي.

لكن أنقرة التي ساهمت في لقاءات الدول الضامنة وفي العديد من المفاوضات، لم تلتزم بتعهداتها الأساس وهي مواجهة جبهة النصرة، كما تغاضت عن التزامها بالسعي إلى وقف الحرب وتغليب العمل السياسي. وقد يكون السبب وراء ذلك أن هذا الالتزام مناقض لطموحها في تمدد المصالح والنفوذ في سوريا لا سيما وأن مواجهة النصرة والجماعات الحليفة، يطيح بالمرتكزات التركية لطموحاتها في سوريا والمنطقة.

تصريح وزير الدفاع الأميركي في تشكيل نواة جيش على الحدود، اتخذته أنقرة ذريعة لإعلان الحرب على عفرين، على الرغم من التراجع الأميركي وعدم قدرة الولايات المتحدة على بناء جيش جديد وهي التي لم تنجح مطلقاً في محاولات متعددة شبيهة سابقة. وفي أغلب الظن أن هذه الذريعة تصب في طاحونة أنقرة وفق ما تبيّنه وقائع الأحداث المتتالية، بحيث تشير أنقرة بإصبعها إلى مخاطر "الارهاب الكردي في عفرين" على الأمن القومي التركي، لكنها تتطلّع في أعماقها إلى السيطرة على مناطق سورية بعمق 30 كلم على طول الحدود مع سوريا وصولاً إلى الحدود العراقية القريبة من الأردن وإيران.

المتغيّر الذي دفع تركيا لإعلان الحرب، ربما هو عدم تعويل موسكو وإيران على التزام أنقرة بتعهداتها سواء في مواجهة النصرة والجماعات الأخرى المدعومة من تركيا، أو في مساعي الحل السياسي. فالجيش السوري توجّه إلى إدلب واستعاد مطار أبو الضهور، قاطعاً الطريق أمام دور أنقرة التي ظلّت تأمل بأن تضم محافظة إدلب إلى نفوذها ومصالحها في مقايضات الحل السياسي كما تسري تداعيات حل الأزمة.

والمتغيّر الآخر قد يكون المنفذ الذي أتاحه تحالف واشنطن الذي أصدر وثيقة الدول الخمس إثر اجتماعات نيويورك وباريس بما يتلاءم مع طموحات أنقرة في سوريا بشأن الأقلمَة وتفتيت صلاحيات الرئاسة ومؤسسات الدولة.

الرئيس التركي الذي يصب جام غضبه على الإدارة الأميركية في الخطابات والتصريحات، ربما يعوّل على عودة الحلف الأطلسي إلى رعاية تركيا في تحالف استراتيجي تأخذ فيه واشنطن أنقرة حليفاً استراتيجياً بدل القوى السياسية الكردية التي تتبناها الإدارة الأميركية حليفاً تكتيكياً لم يتوفر غيرها في الميدان طوال فشل اعتماد واشنطن على تركيا وجماعاتها. وربما لا تعوّل تركيا على التحالف الاستراتيجي الموعود في ما تقترحه واشنطن لعمق 30 كلم شرق الفرات لحماية الأمن القومي التركي، بل لعلّها تتطلّع في أحلامها إلى غرب الفرات حيث تتمسك واشنطن بأحلام السيطرة على سوريا الحيوية في النفط والغاز والمياه والغذاء وحيث خطوط الترابط الاستراتيجي مع العراق وإيران.

يبدو أن عناد القوى السياسية الكردية نحو أفق مقفل وراء الإدارة الأميركية، يفتح الشهية التركية للمراهنة على آفاق افتراضية غير محسوسة وملموسة. وفي هذا السياق تبني تركيا تصورات خيالية يوماً بيوم كما يسلك دونالد ترامب. فعلى الرغم من مغريات الرئيس الروسي للمحافظة على تركيا في إطار مسار آستانة، لا تتورع من عواقب انقلاب ظهر المجنّ أملاً بحظوة مع تحالف واشنطن في جنيف.