لمواجهة "كورونا".. لماذا لا يخفّض البنك المركزيّ التونسيّ نسبة الفائدة؟

على الرغم من إقرارنا بعدم استقامة المقارنة بين الاقتصاد الأميركيّ والاقتصاد التونسيّ، فإنَّ منطق السّيادة الوطنية يسمح لنا بالتوقّف عند التجربة التونسيّة في مجال استقلاليّة البنك المركزي.

  • لمواجهة "كورونا".. لماذا لا يخفّض البنك المركزيّ التونسيّ نسبة الفائدة؟
    في تونس، لا نرى تهديداً أكبر من تراجع نسبة النموّ إلى 1 في المئة في العام 2019

في مبادرة جاءت بهدف منع الركود الاقتصادي ودفع الاستثمار والتصدير وحماية مواطن الشغل، تحرّك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) يوم الثلاثاء 3 آذار/مارس 2020، في اتجاه خفض نطاق نسبة الفائدة بنصف نقطة، ليستقرّ في حدود 1.5 – 1.75 في المئة.

تأتي هذه المبادرة من الاحتياطي الأميركي، المعروف بدفاعه الشرس عن استقلاليته عن السلطة التنفيذية، لحماية الاقتصاد الأميركي من مخاطر فيروس كورونا، لتكشف للمرة الثانية بعد تحركه في آب/أغسطس 2019، ولأوَّل مرة بعد 11 سنة، في اتجاه خفض نسبة الفائدة استجابةً لدعوة الرئيس دونالد ترامب على خلفية حماية مواطن الشغل والمؤسَّسات الاقتصادية، أنَّ لاستقلالية البنك المركزي حدوداً تُرفع عندما يتعلّق الأمر بتهديد الاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وأن لا معنى لسياسة نقديّة تعمل بمعزل عن متطلّبات المرحلة وتحدياتها.

الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهي أكبر قوّة اقتصادية في العالم، ونموذج لليبيراليّة الاقتصاديّة والتجاريّة، لم تتردَّد في عهد دونالد ترامب بخرق مبادئ الليبراليّة وأسسها على أكثر من صعيد، نذكر منها مراجعة اتفاقيّات التبادل الحر، وإقرار الحماية، وضرب استقلاليّة البنك المركزيّ، والضّغط في اتجاه خفض نسبة الفائدة، لضمان ديناميكية الاقتصاد الأميركي وخلق الثروة، من خلال مراعاة 3 مؤشرات، هي سوق الشغل ونسبة التضخّم والنموّ الاقتصادي المحلّي والعالميّ.

وعلى الرغم من إقرارنا بعدم استقامة المقارنة بين الاقتصاد الأميركيّ والاقتصاد التونسيّ، فإنَّ منطق السّيادة الوطنية الَّذي يفرض توظيف كلّ السياسات الاقتصادية والجبائية والمالية والنقدية لحماية الاقتصادات الوطنية، ولا يفرّق بين اقتصاد قوي، كالاقتصاد الأميركي، واقتصاد بلد في طور النموّ، كالاقتصاد التونسيّ، يسمح لنا بالتوقّف عند التجربة التونسيّة في مجال استقلاليّة البنك المركزي، الّتي جاءت بمقتضى قانون النظام الأساسيّ الصّادر في نيسان/أبريل 2016 تحت عنوان "استقلالية البنك المركزيّ".

منذ صدور هذا القانون، عرفت نسبة الفائدة المديرية منحى تصاعدياً على خلفية احتواء ارتفاع نسبة التضخّم، لتستقر اليوم في حدود 7.75 في المئة. ولئن يصرّ محافظ البنك المركزي على جدوى السياسة النقدية المتشدّدة في تقليص نسبة تضخّمٍ مصدرها غير نقدي، بما يفترض تحرك السياسة المالية العمومية، فقد ضربت هذه السّياسة محركات النموّ الثلاثة؛ الاستهلاك والاستثمار والتصدير، ليتعطّل النموّ، ويدخل الاقتصاد التونسيّ في مرحلة ركود لا توجد مؤشرات حقيقيّة على إمكانية الخروج منها، في ظلِّ تعطّل العقل الحكوميّ وإصرار البنك المركزيّ على التشبّث بسياسة كان من المفترض توظيفها في خدمة الاقتصاد الوطنيّ ككلّ، وليس في استهداف تضخّم مصدره غير نقدي، على غرار ما فعل رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الّذي لا يتردَّد في خرق كلّ الأعراف والمبادئ الليبرالية، في إطار ممارسة السلطة الفيدرالية لسيادتها، والتصدّي لكلّ مستجد يهدّد الاستقرار الاقتصاديّ والاجتماعيّ.

وفي تونس، لا نرى تهديداً أكبر من تراجع نسبة النموّ إلى 1 في المئة في العام 2019، وتسجيل الربع الثالث من السنة نفسها نسبة نمو صفر في المئة، باعتبار اختزال هذه النسبة لكلّ المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وهو تهديد قوبل باستمرار البنك المركزيّ في سياسته النقدية المتشدّدة من جهة، وبصمت الحكومة وتجاهلها الوضع المتردّي لمناخ الاستثمار والأعمال والإنتاج والتشغيل من جهة ثانية.

إنَّ تدهور المؤشرات الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، إلى الدّرجة التي أصبح عليها الوضع في تونس، يفترض التحرك الاستثنائي والعاجل، والبحث عن بدائل للخيارات والسّياسات التي عمَّقت الأزمة في البلاد، وتبنّي بوصلة وحيدة، هي بوصلة النموّ الاقتصاديّ والسياسات القادرة على إخراجنا من حالة الركود، إلا أنّ ما نسجّله اليوم عكس ذلك، فهناك إصرار من البنك المركزيّ على مواصلة تدمير منظومة الإنتاج والقدرة الشرائية للمواطن بكلّ هدوء ونعومة، ما يدفعنا إلى التساؤل عن مصادر القرار في بلادنا: هل هي مصادر وطنيَّة أو مرتبطة بإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبيّ، التي تحدّد مربّع التحرّك للسّلطات العموميّة والبنك المركزيّ، بقطع النظر عن النتائج؟