"أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة

تتناول هذه الدراسة تقديم المنظور الإسرائيلي الخاص بمسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7"، ارتباطاً بالملف المتعلق بالتطبيع الذي فتحته "الميادين"، وانطلاقاً من التقدير بأهمية الاطلاع على طريقة التعامل الإسرائيلي معهما.

  • رابط مختصر"أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    شاعت في المواد الإسرائيلية المنشورة عن المسلسلين عملية الاقتباس من السيناريو والحوارات في كل منهما

كشفت متابعة الصحافة الإسرائيلية لمسلسلات رمضان هذا العام، أنها وجدت نفسها مضطرة إلى الاهتمام بتناول بعض تلك المسلسلات مسائل تتعلق باليهود و"إسرائيل"، وقدّرت أن هذه المسائل فرضت نفسها في الحيز العربي العام، وصارت جزءاً من المشهد السياسي والاجتماعي في المنطقة.

وخلال ذلك، ميّزت التغطية الصحافية الإسرائيلية بين نموذجين؛ أحدهما أثار الامتعاض والسخط في أوساط المهتمين الإسرائيليين، هما المسلسل السوري "حارس القدس"، الذي يرصد نضال المطران إيلاريون كبوجي ضد الاحتلال الإسرائيلي، والمسلسل المصري "النهاية"، الذي يتخيل مستقبل "إسرائيل" من منظور الحتمية التاريخية للصراع معها، عبر التنبؤ بزوال المشروع الصهيوني و"الدولة" التي أقامها في فلسطين.. بينما كان النموذج الآخر يبعث على ارتياح تلك الأوساط وانتشائها، بسبب بعض مضامينه "التطبيعية" (بالمعنى الاصطلاحي المتداول)، والمقصود مسلسلا "أم هارون" و"مخرج 7" اللذان بُثّا على قناة "MBC1".

وحول هذين المسلسلين الأخيرين، ستدور هذه الدراسة الموثقة ذات الطابع التقريري، عبر تقديم المنظور الإسرائيلي الخاص بهما، ارتباطاً بالملف المتعلق بالتطبيع الذي فتحته "الميادين"، وانطلاقاً من التقدير بأهمية الاطلاع على طريقة التعامل الإسرائيلي معهما.

في المنحى العام لتركيز الصحافة الإسرائيلية على مسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7"، اتضح من بنية هذا التركيز أنه اتسم بمعالجة "مِهنية" مدروسة، شملت التعريف بالبيئة التي ظهر فيها المسلسلان، وقدمت خلاصات تتعلق بالمجريات والمقولات والشخصيات المعروضة فيهما، وفق معايير قِيَمية تنسجم مع التوجهات الإسرائيلية الحالمة بالتطبيع الشامل مع العرب. 

في إطار هذه التوجهات، شاعت في المواد الإسرائيلية المنشورة عن المسلسلين عملية الاقتباس من السيناريو والحوارات في كل منهما، واختيار العديد من الآراء والتعليقات والمواقف العربية التي برزت حولهما.. ولم تجد هذه المواد حرجاً في طرح الأفكار المتعارضة بشأنهما بطريقة موظّفة، للتحريض على ردود الفعل العربية المناهضة للخلفية التطبيعية التي راحت تدخل عبر بوابة الفن.. لكن تلك المواد حرصت على تسويق فكرة مفادها أن "قبول إسرائيل في المنطقة"، كما يبدو من بعض مختاراتها، ليس نزوعاً فردياً، بل هو تيار جارف ترفده مواقف رسمية، وأن هناك احتمالاً كبيراً لتجسيد تلك الفكرة مستقبلاً بوقائع متنوعة.

 وسيبدو من العيّنات التي سنقدمها في هذا العرض أن الأوساط البحثية والصحافية الإسرائيلية عُنيت بالتفاصيل المساعدة على تكوين أفكار محدّدة عما يدور في المحيط العربي بشأن التطبيع والصراع، مروراً بالإسقاطات التاريخية والاجتماعية والنفسية وسواها.. وغنيٌّ عن البيان أن هذا الأمر يتأثر بالتنميط الصهيوني المتواصل، الذي يتسم بالقصور والعيوب المعرفية في إدراك الشخصية العربية والحراكات المجتمعية في المنطقة.

إشارة مبكرة

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    صورة من القناة 12 الاسرائيلية

منذ الإعلانات الدعائية الأولى لمسلسل "أم هارون"، قبل نحو أسبوعين من بدء بثه في مطلع رمضان، نشرت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية (N12) في 9 نيسان/أبريل 2020 تقريراً بعنوان "رمضان في ظل كورونا: مسلسل تلفزيوني عن يهود الكويت"، ورد فيه أن "الأزمة الاقتصادية المصاحبة لفيروس كورونا تسببت في خسائر بمئات الملايين من الدولارات في العالم العربي، ما أدى إلى إلغاء العديد من المسلسلات التلفزيونية التي أُنتجت خصيصاً تكريماً لرمضان. كما تم إلغاء مسلسل خاص تعامل مع العلاقات بين اليهود والمسلمين في دولة الكويت، وتسبب بثه في إثارة ضجة في دول الخليج".

وتابع التقرير: "كما هو معتاد كل عام، إن المسلسلات التلفزيونية التي يتم إنتاجها خصيصاً لشهر رمضان تحقق نجاحاً كبيراً في العالم العربي، ولكن هذا العام تم إلغاء العديد منها بسبب كورونا. وقد نتجت من ذلك خسائر بمئات الملايين من الدولارات في الإنتاج الخاص وخسائر البث العام، وأحد المسلسلات التي تم تصويرها بالفعل، والذي قُدّم أول عرض ترويجي له، وخصوصاً في منطقة الخليج، يتعامل مع العلاقات بين المسلمين واليهود في الكويت في أربعينيات القرن الماضي، قبل إنشاء دولة إسرائيل بقليل، وهو مسلسل بعنوان "أم هارون"، من إنتاج شركة سعودية خاصة، ويضم ممثلين رائعين من السعودية والكويت".

 ويرى التقرير أن "الناس في العالم العربي يحبون التعامل مع موضوعات ترتبط باليهود في المنطقة، في مصر وسوريا على وجه الخصوص، لكن تقرر في هذا المسلسل التعامل مع اليهود الكويتيين وعلاقاتهم مع جيرانهم المسلمين، وهو أمر لم يكن موجوداً في التلفزيونات العربية من قبل، وأن الممثلة الكويتية حياة الفهد، التي تعد نجمة في دول الخليج الفارسي، هي التي شاركت في المسلسل بدور أم هارون".

ويصنف التقرير قناة "MBC" السعودية التي كانت وراء إنتاج المسلسل، بأنها "تعدّ القناة الأكثر شعبية في العالم العربي، وتصنيفاتها قياسية. ومن المرجّح أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المهتم بإقامة علاقة وثيقة بين السعودية وإسرائيل، يشير من خلال هذا المسلسل للعالم العربي إلى توجّه المملكة". 

ويلاحظ التقرير، من دون إيراد تفاصيل، أن "النشر الترويجي للمسلسل قبل بثه، أثار الكثير من حالات الغضب وردود الفعل العاصفة في دول الخليج، وفي العالم العربي بأكمله، والتي تعارض سياسة التطبيع التي تتّبعها السعودية مع إسرائيل، والتي يقودها ابن سلمان".

 

مقالان لسفيتلوفا

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    صورة من كسينيا سفيتلوفا

تحت عنوان "عبر الحدود: في العالم العربي ينتظرون بحالة توتر بث المسلسل التلفزيوني عن يهود الكويت"، نشرت كسينيا سفيتلوفا (Ksenia Svetlova קסניה סבטלובה)، الباحثة في معهد هرتسليا متعدد الاختصاصات، والباحثة السياسية في معهد "متافيم" للسياسة الخارجية الإقليمية، وعضو الكنيست السابق في حزب "هتنوعاه = الحركة"، والمعلقة على الشؤون العربية في القناة التاسعة)، مقالاً تعريفياً بمسلسل "أم هارون" في موقع "زمن إسرائيل" بتاريخ 18 نيسان/أبريل 2020، أي قبل نحو أسبوع من حلول شهر رمضان، تحدثت فيه عن ظروف بث المسلسل، فبدأت بالحديث عن أن شهر رمضان على الأبواب، وقريباً ستفتح المعركة الكبرى حول نسب مشاهدة المسلسلات الرمضانية خلال الشهر. وفي هذه السنة، بسبب وباء كورونا، ستكون المعركة أكثر دراماتيكية، فهذه المرة لن يتمكن الشباب حتى من مغادرة المنزل بعد تناول طعام الإفطار التقليدي، بل سيبقون في المنزل، وسيشاهد الجميع شاشات التلفزة.

 وتشير سفيتلوفا إلى أن مسلسل "أم هارون"، الذي يتردد الحديث عنه في جميع أنحاء العالم العربي، هو مسلسل كويتي يحكي قصة عائلة يهودية عاشت في البلاد قبل قيام "دولة إسرائيل"، وأن نشطاء المقاطعة (BDS) في الأردن نشروا إعلاناً غاضباً، متهمين فناني المسلسل وقناة "MBC" بالترويج للتطبيع مع "إسرائيل". كما أن السلطة الفلسطينية دعت المشاهدين في العالم العربي إلى مقاطعة المسلسل وعدم مشاهدته.

وتوضح سفيتلوفا أن هذا ليس المسلسل الأول الذي يحكي قصة المجتمعات اليهودية في العالم العربي، فقبل 5 سنوات، كان مسلسل "حارة اليهود" المصري، وفي قلبه قصة الحي اليهودي في القاهرة قبل قيام "دولة إسرائيل".. وبعد أن تشير إلى أن حركة المقاطعة في العالم العربي تعززت في السنوات الماضية، ترجّح أن الضجيج حول مسلسل "أم هارون" سيخدم هذه الحركة، إذ سيزيد معدلات المشاهدة بقدر كبير.

وفي خلفية الحدث، تذهب سفيتلوفا إلى وجود اهتمام كبير في العالم العربي باليهود، وخصوصاً "اليهود العرب"، وتذكّر بأنه في العقد الأول من هذا القرن، الحادي والعشرين، نشر البروفيسور شموئيل موريه (من الجامعة العبرية) في مجلة "إيلاف" السعودية سلسلة مقالات حول يهود العراق، حققت الكثير من الصدى في العراق، وفي أماكن أخرى من العالم العربي.

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    صورة من  موقع "زمن إسرائيل"

وفي مقال آخر نشرته سفيتلوفا في موقع "زمن إسرائيل" يوم 1 أيار/مايو 2020، أي بعد نحو أسبوع من بدء بث مسلسل "أم هارون"، تتساءل: "لماذا تُعدّ مسلسلات رمضان مقياساً دقيقاً للعلاقات الإسرائيلية العربية؟"، وتقارن بين المسلسلات العربية التي تناولت اليهود ومسلسل "أم هارون"، وتذكر أنه في الماضي، وخصوصاً في سنوات الانتفاضة، ظهرت مسلسلات "معادية للسامية" بشكل واضح، تتحدث عن مخططات اليهود الخبيثة للسيطرة على العالم، وتصف اليهود بأنهم مخلوقات دنيئة ومتوحشة. 

وفي المقابل، تتابع سفيتلوفا، إن المسلسل الكويتي الذي يتعرض حالياً لهجوم من حركة معارضة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" هو دليل على تحسين النموذج الموجود في الخليج بالنسبة إلى اليهود وحتى إلى "إسرائيل". ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية، بسبب عدم إحراز تقدم في الساحة الفلسطينية، لكن اللهجة المتعلقة بـ"إسرائيل" في الإعلام الخليجي في السنوات الأخيرة، تغيّرت كثيراً، ويتزايد التعاون بين "إسرائيل" ودول الخليج. وحتى على قناة "MBC"، إن مسلسلاً حول العلاقات اليهودية العربية، ولا ينطوي على العداء لـ"دولة إسرائيل"، لا "ينزلق" بالمصادفة.

 

المستشرق يوني بن مناحيم                         

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .
  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .

 

نشر المستشرق الإسرائيلي البارز يوني بن مناحيم مقالاً بعنوان "المسلسل التلفزيوني الذي يثير العالم العربي"، في موقع القناة الإسرائيلية الأولى (news1- 16 نيسان/أبريل 2020)، كما نُشر في موقع المركز اليروشليمي للشؤون العامة والدولة (jcpa) – 23 نيسان/أبريل 2020. وذكر فيه أن مسلسل "أم هارون" يصور حياة امرأة يهودية في أربعينيات القرن الماضي، وحياة اليهود في الخليج، مع رسائل خفية عن معاناتهم، ويثير مرة أخرى قضية التطبيع مع "إسرائيل". ويحتوي المسلسل قصص حب بين اليهود والمسلمين والعادات والاحتفالات اليهودية.

ويقول بن مناحيم: "بدأ جميع معارضي التطبيع مع إسرائيل في العالم العربي بمهاجمة المسلسل في الشبكات الاجتماعية، لأنه يشجّع على التطبيع مع إسرائيل، ويتجاهل المعاناة التي تسببها للفلسطينيين، بينما كانت هناك أصوات أخرى دافعت عن المسلسل، قائلة إنها تشير إلى وجود يهود عرب أحبوا وطنهم وكانوا مخلصين له".

ورصد بن مناحيم بعض الردود على الإعلان عن المسلسل قبل بثه، منها قيام "الجمعية الأردنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع مع إسرائيل" (هكذا بالأصل - والمقصود ربما "تجمع التحرّك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع")، في 11 نيسان/أبريل 2020، بإصدار بيان دانت فيه مسلسل "أم هارون"، لدعوته إلى التعايش مع العدو الصهيوني وتصوير النزاع على أنه صراع ديني، بينما يحاول العدو كسر الحاجز النفسي العدائي. ودعا البيان السلطات الكويتية إلى مقاضاة الممثلة حياة الفهد، لانتهاكها قوانين المقاطعة الإسرائيلية. 

وقال مسؤولون خليجيون إن الحكومة الكويتية رفضت بث المسلسل على قنواتها التلفزيونية، باعتبار أن الكويت معروفة بمواقفها المناهضة للتطبيع مع "إسرائيل" وبدعمها للفلسطينيين. 

ورأى بن مناحيم أن عرض مسلسل "أم هارون" في شهر رمضان خلال وباء كورونا، من المفترض أن يسحر الكثير من المشاهدين، وأن الضجة حوله تثير مرة أخرى أجندة التطبيع مع "إسرائيل". ووفقاً للتسريبات في الشبكات الاجتماعية، لا يوجد في المسلسل تحريض ضد اليهود أو "إسرائيل"، والتطبيع بين "إسرائيل" وبعض دول الخليج يحدث بالفعل وراء الكواليس، لكن دول الخليج تخشى إعلانه بسبب المعارضة الفلسطينية.

تقرير موقع "روتر"

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .

وفق المنوال ذاته، وبطريقة تقريرية، تحدثموقع "روتر" العبري (28 نيسان/أبريل 2020) عن مسلسل "أم هارون"، مبيناً أن في مركزه شخصية طبيبة يهودية من أصل تركي عاشت في الكويت قبل قيام "إسرائيل"، وشخصية يهودية أخرى باسم "الحاخام داود". 

ويذكر الموقع أنّ هذا هو أول إنتاج عربي يناقش حياة اليهود في الخليج وعلاقتهم مع المسلمين، وأنه أثار المشاعر في وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة لذلك. وينقل الموقع بعض ما ورد فيها من تعليقات، منها مثلاً: "لدينا العديد من النساء الناجحات في الخليج، فلماذا نجعل من اليهود أبطال الدراما؟"، وسأل أحدهم: "هل ستنتج إسرائيل مسلسلاً عن امرأة مسلمة في سجونها؟". وجادل آخر: "ماذا عن الظلم الذي وقع للفلسطينيين؟ لماذا لا نقوم بعمل فيلم وثائقي عن معاناة الفلسطينيين؟"، وعبّر بعضهم عن قلقه من أن المسلسل التلفزيوني عن يهود الكويت قد يؤكد ادعاءات اليهود المنحدرين من أصول شرقية بأن الدول الإسلامية نهبت ممتلكاتهم.

 ويورد التقرير انتقاداً لحركة حماس (المتعطشة للدماء - بحسب وصفه) للمسلسل الدرامي عن يهود الخليج، إذ قال المتحدث باسم المنظمة (رأفت مرة): "هذه محاولة سياسية وثقافية لتمرير المشروع الصهيوني بأهدافه السياسية والثقافية إلى عمق المجتمع الخليجي"، مضيفاً: "شخصية أم هارون ذكرتني بشخصية رئيسة حكومة الاحتلال غولدا مائير.. عجوز حاقدة مجرمة قاتلة.. هذا هو هدف التطبيع: الحقد والقتل البطيء.. والتدمير الداخلي". كما نقل تقرير "روتر" عن موقع القدس الفلسطيني قيام 13 مجموعة فلسطينية بحثّ القناة السعودية على التوقف عن بث المسلسل.

 

 استعراض روعي كايس

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .
  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .

ضمن عرضٍ لمسلسلات رمضان، قدمه روعي كايس، مراسل الشؤون العربية في هيئة البث العام الإسرائيلية "كان" وموقع "يديعوت أحرونوت" (YNET)، في 29 نيسان/أبريل 2020، ونشره أيضاً في مدونته الخاصة، تحدث كايس عما أسماه "الشاشة المنقسمة في رمضان حول الموقف تجاه إسرائيل واليهود"، مشيراً إلى أنه في كل عام، تثير المسلسلات خلافات عامة، ولكن هذا العام، تبعاً للانقسامات في العالم العربي، يبدو أن المعسكرات موجودة حتى على الشاشة الصغيرة. 

وتحت عنوان "أم هارون: مغازلة اليهود"، كتب كايس: "كان المسلسل محور الخطاب العام حتى قبل بثه، وهو من نواح كثيرة في العالم العربي، يشير إلى تفكك حجر آخر في جدار التطبيع مع إسرائيل، حيث يزداد غزل التطبيع بين إسرائيل والخليجيين قليلاً في الشبكات الاجتماعية، ويبرز في المسلسل التغيير في الموقف من اليهودية في الخليج".

ويشرح كايس بعض ملامح البيئة السياسية في منطقة الخليج، ويقدّر أن القادة في دول السعودية والإمارات والبحرين خصوصاً، يدركون أن التسامح مع الأديان الأخرى يعطي نقاطاً لهم أمام العالم الغربي والولايات المتحدة، ويبعد تلك الدول عن الصورة المتطرفة والمتعصبة التي تلتصق بها. وركزت التغريدات الخليجية على أن "هذا مسلسل عن اليهود، وليس الصهاينة"، لكن الذين يعارضون التطبيع، وخصوصاً في الساحة الفلسطينية، غير مقتنعين بذلك، والحملة لإيقافه مستمرة. 

ويلخص كايس المسألة المثارة بأن "رمضان هو شهر الوحدة، ويفترض أن توحّد المسلسلات الأمة الإسلامية، لكن هذا العام يمكن رؤية الانقسامات في العالم العربي بشكل جيد حتى على الشاشة الصغيرة. وإذا كانت المسلسلات تمثل تيارات في العالم العربي، فيمكن الحكم على مسلسل "أم هارون" عن اليهود، بأنه ينتمي إلى تيار في الخليج يحاول الاقتراب من اليهود، ويعترف بماضيهم، مع تمييز ظاهري واضح بين الصهاينة واليهود". 

وعن المسلسل الكوميدي "مخرج 7"، يكتب كايس تحت عنوان "هل سئم السعوديون تمويل الفلسطينيين؟": "في السنوات الأخيرة، ظهرت موجة في السعودية لم تشمل غالبية المجتمع، تضمنت مهاجمة الفلسطينيين على عدم مبالاتهم بالمملكة ومساعدتها". 

ويقتطع كايس حواراً ساخناً حول القضية الفلسطينية دار في الحلقة الثالثة بين ناصر القصبي (الذي يؤدي دور أب وعامل حكومي من الطبقة المتوسطة يقضي وقته بين تلقي شكاوى العملاء ومنزله) والممثل رشاد الشمراني. 

وبحسب ترجمة الحوار عن النص العبري، يسأله القصبي: "تريد تعمل بزنس مع الإسرائيليين؟"، كيف تجرؤ على التعامل مع الإسرائيليين بينما يظهر للأطفال أنهم أعداء حقيقيون؟ ويورد كايس رد الشمراني: "إن العدو هو الذي لا يقدّر وقفتك معاه، ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين".. وسأله القصبي: "ماذا تقصد؟"، فأجاب الشمراني من دون أن يرمش له جفن: "كل تضحياتنا لأجل فلسطين، دخلنا حروب لأجل فلسطين، قطعنا النفط لأجل فلسطين، وعندما أصبح عندهم سلطة ندفع تكاليفهم ورواتبهم، وإحنا أحق بالفلوس، وما يصدقون أن يلاقوا فرصة حتى يهاجمون السعودية".

ويبيّن كايس أن القصبي حاول الدفاع عن الفلسطينيين، وظهر مرّة أخرى في شخصية "الرجل المنصف المتوازن"، قائلاً: "أصابع يدك ليست متشابهة، فمثلما يوجد فلسطينيون تهجروا في العام 1948 وتعرضوا للمذابح، في المقابل هناك من باع أرضه لليهود" (لاحظوا اللدغة حتى منه - الباحث)، وشرح أن "إسرائيل" تغذي العداء بينهم وبين العرب، لكن الشمراني لم يقتنع.

ويقول كايس: "يمكن رؤية الانقسام بوضوح بشأن هذا الحوار في الشبكات الاجتماعية، فمن ناحية، كانت هناك تغريدات سعودية تشيد بالشمراني: "أخيراً قال أحدهم الحقيقة"!. وعلى الجانب الآخر، ظهر معارضو التطبيع من جميع الجهات، وخصوصاً في الساحة الفلسطينية، وعدّوا ذلك بمثابة عمل تطبيعي آخر مع "إسرائيل".

 

تعليق تسفي برئيل

يرصد تسفي برئيل، معلق الشؤون العربية (في هآرتس 1 أيار/مايو 2020)، مسلسلات رمضان، ويلاحظ أنه "يوجد فيها مكان للتطبيع مع إسرائيل.."، ويتوقف عند مسلسل "أم هارون"، مقدراً أنه يصف التمييز والتنكيل باليهود والمسيحيين، الذي حدث في الكويت في أربعينيات القرن الماضي قبل قيام "دولة إسرائيل"، من خلال شخصية أم هارون الطبيبة اليهودية المعروفة جيداً من قبل الجيران، ولكنها تعاني من الإهانة والاضطهاد اللاسامي، وهذا يطرح الفصل التاريخي السيئ في تاريخ الكويت. 

ويحاول برئيل استنساخ صورة هذا الفصل حالياً، عبر استحضار موقف للممثلة حياة الفهد بقوله إنها عبّرت مؤخراً عن مواقف عنصرية فاضحة، عندما دعت السلطات عبر بث في التلفاز لطرد العمال الأجانب بسبب خطر كورونا، قائلة: "لو كان باستطاعتي، لكنت رميتهم في الصحراء". 

ويختار برئيل شهادات حول المسلسل، تبدو كمساجلات ذات طابع سياسي، فيورد أقوالاً للناقد الأدبي محمد سلامة، على موقع "الرأي اليوم" في لندن، يبيّن فيها أن عرض متاعب المرأة اليهودية "يخدم مصلحة إسرائيل، وخصوصاً في الوقت الحالي الذي يعود فيه نتنياهو للتنكيل بالفلسطينيين، ويبدأ بتنفيذ مشروعه السياسي الذي يتضمن ضم الضفة الغربية". 

ويبرز قوله: "نحن نعتقد أن وراء هذا المسلسل توجد نية لتقديم صورة معاكسة لتاريخ الأحداث، والذين يقومون بتمويله ونشره يريدون خدمة إسرائيل". ويكتب برئيل أن من الواضح من الذي يقصده سلامة عندما يوجه التهمة إلى مموّل المسلسل، فالسعودية "متهمة" ليس فقط بالمسّ بالفلسطينيين، بحسب قوله، بل هي تخدم "إسرائيل" وأميركا، وهي أيضاً التي تؤيد "صفقة القرن" لترامب، والآن تحاول تشويه التاريخ العربي والتأثير في الوعي العربي.

وينتقي برئيل من التعليقات على هذه الأقوال ما كتبه في "تويتر" أحد المتصفحين باسم هشام: "المواطن العربي بشكل عام هو جاهل وتحركه المشاعر، من السهل التأثير عليه، وعقله البسيط يتم التحكم به عن طريق المجموعة الإنسانية الأكثر خداعاً، اليهود، وأذرع الموساد، الأكثر خبرة في علم النفس، والقادرة على إسقاط العباقرة، بالأحرى أن يسقطوا العربي الجاهل"، وبهذا - بحسب برئيل - أظهر هشام معرفة ليس فقط في مبنى العقل العربي، بل أيضاً حذّر من الطريقة التي يعرضون فيها اليهود الشرقيين بصورة إيجابية كجيران جيدين ورجال سلام، مثلما حصل في مسلسل "أم هارون". 

وكتب هشام في تغريدة أخرى له: "انتبهوا لعضو الكنيست العراقية أييليت شاكيد التي دعت إلى ذبح الأمهات الفلسطينيات وأولادهن وهدم بيوتهن فوق رؤوس سكانها. هذا إضافة إلى جرائم اليهود من اليمن والمغرب في إسرائيل ضدنا".

ويتابع برئيل أن حنان القطان، التي تحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الدينية، والخبيرة في معالجة الاضطراب النفسي بحسب مبادئ الشريعة الإسلامية، تطلب عدالة من نوع آخر، وكتبت: "هل في إسرائيل تبث مسلسلات عن قصص الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أو عن بيت هدمه الإسرائيليون فوق رؤوس سكانه أو عن آلاف الفلسطينيين الذين مزقت إسرائيل جثثهم بقصف طائراتها؟! فقط لدينا نحن نعرض الضمير بدون ضمير". 

ويسير تسفي برئيل مع تفاصيل الحوار الذي دار بين القصبي والشمراني في مسلسل "مخرج 7"، ثم يورد حديثاً للناقد الأدبي والفني السعودي د. مبارك الخالدي، نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" (27/4/2020)، قال فيه إنه شخصياً يعارض بشدة التطبيع، لكنه يعتقد أن النقاش في موضوع التطبيع أمر طبيعي. وبحسب الخالدي، "هذه إحدى المشكلات الملحة والمثيرة للجدل، والفن لا يمكنه بأي شكل الانفصال عن الواقع الذي نعيش فيه وما يدور فيه من قضايا". 

ويرى برئيل أن قلق الناقد الخالدي على دور الفن يتصادم مع قلقه الآخر الوطني، وهو "انزلاق الفنان بصورة واعية أو من دون وعي إلى تطبيع الخطاب حول التطبيع. وبذلك يتحول التطبيع إلى موضوع عادي يمكن مناقشته، مثل النقاش حول كرة القدم ومواضيع مستهلكة".

 قراءة د. يارون فريدمان

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة

ضمن مقال مطوّل في موقع "يديعوت أحرونوت" (ynet) في 1 أيار/مايو 2020، يتوقف د. يارون فريدمان (المعلق على شؤون العالم العربي، خريج جامعة السوربون في باريس، ومدرّس اللغة العربية في قسم الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة حيفا، ورئيس تحرير النشرة الإخبارية "الشرق الأوسط") عند العاصفة التي أثارها مسلسل "أم هارون"، مصرِّحاً بأن "دول الخليج تعد الأرضية للتطبيع مع إسرائيل"، ويلاحظ أنه يصور "اليهود كضحايا أيضاً"، بدلاً من التأكيد على السرد القائل إن الفلسطينيين هم ضحايا لليهود، وتصوير قيام "دولة إسرائيل" كـ "نهاية الانتداب البريطاني في إسرائيل"، بدلاً من "نهاية الانتداب البريطاني في فلسطين العربية"، ويتم تقديم الكويت كدولة تعيش فيها جالية يهودية كبيرة، بينما لم يكن لدى جميع دول الخليج سوى مجتمعات يهودية صغيرة مقارنة بالمجتمعات اليهودية التي تعيش في أجزاء أخرى من العالم العربي. 

ويأخذ فريدمان على وسائل الإعلام والمشاهدين والمعلقين العرب اعتقادهم بأن الغرض من المسلسل هو تدريب الجمهور العربي على التطبيع مع "إسرائيل". ويقول: "لقد ادعى المعلق حسن لافي من قناة الميادين اللبنانية، بأن منتجي المسلسل جعلوا "أم هارون" رمزاً للاجئين اليهود من الدول العربية، وقارن المسلسل بالرسم الكوميدي "حنظلة" المشهور في العالم العربي، الذي يرمز إلى الاجئين الفلسطينيين، وهو نتاج ابتكار رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي".

ويرى فريدمان أن "الضغط العربي كان مؤثراً، حيث طالب النواب الكويتيون بتشكيل لجنة تحقيق وإزالة المسلسل من الشاشة، وهاجموا وزير الإعلام الكويتي محمد الجعبري لاعتماده المسلسل، زاعمين أنه يصور التاريخ زوراً، ويتناقض مع موقف الكويت المؤيد للفلسطينيين".

ويورد فريدمان تصريح الممثل السعودي عبد المحسن النمر، الذي يصور شخصية حاخام يهودي في مقابلة تلفزيونية بأنه لا يفهم ما يدور حول هذه الضجة، فالإسلام هو دين التسامح، وأن مسلسل "أم هارون" يتوافق مع الروح الليبرالية لشبكة "MBC"، ويدّعي أن هذا المسلسل دراما لا علاقة لها بالسياسة، وأنه لا يمكن إنكار الحقيقة التاريخية التي عاشها اليهود من قبل في منطقة الخليج، وأن سبب مهاجمة المسلسل كان الخلط بين الشعب اليهودي الذي يهتم به المسلسل والحركة الصهيونية التي لا ينتمي إليها. وشدد النمر على أن جميع المشاركين في إنتاجه هم من العرب المسلمين الذين يتطابقون بطبيعتهم مع القضية الفلسطينية. 

كما يتهم فريدمان نقاد مسلسل "أم هارون" بأنهم يصنفونه "فناً معبّأً" يهدف إلى تغيير الرأي العام في العالم العربي تجاه اليهود و"إسرائيل"، ما يمهد الطريق للتطبيع. 

ويجزم فريدمان بأنه ليس هناك شك في أن مسلسل "أم هارون" يظهر تغيراً في السنوات الأخيرة في السعودية والخليج، "ليس من قبيل الصدفة أن المسلسل الذي يقدم اليهود بموضوعية لم يتم إنتاجه في سوريا أو لبنان أو العراق، بل في البلدان المضيفة. وإن شرعية تصوير الممثلين العرب بموضوعية، والتحدث بالعبرية، ووصف اليهود بأنهم مضطهدون في العالم العربي، هو تعبير عن تحوّل في الوعي في بعض الدول العربية، ولأن القنوات السعودية تصل إلى كل بيت في العالم العربي، فمن الطبيعي أن يخلق هذا التغيير موجة من الاعتراضات وردود الفعل الصادمة". 

ويعتقد فريدمان بوجود "عامل آخر وراء تسبب مسلسلات مثل "أم هارون" و"حارة اليهود" في حدوث مثل هذه الاضطرابات، فثمة قلق في العالم العربي من قضية اضطهاد اليهود العرب، وترحيل نحو مليون يهودي من الدول العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان موضوعاً يجب عدم معالجته حتى السنوات الأخيرة".

 وبحسب فريدمان، "القلق في العالم العربي هو أن دولة إسرائيل تستغل قضية المهاجرين اليهود الشرقيين إلى إسرائيل أو إلى الغرب لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فالثقافة العربية ليس فيها مكان للضحية سوى الفلسطيني المطرود من أرضه، أما اليهودي فهو صهيوني محتل".

وحول مسلسل "مخرج 7"، يركّز فريمان على حلقة تتضمن صدمة عائلة سعودية تكتشف أن أحد أطفالها اتصل بطفل إسرائيلي في لعبة كمبيوتر. ويقول فريدمان: "بعد الانتقاد الواسع النطاق لهذه الحلقة، سارع الفنانون في المسلسل إلى التصريح بأنهم يتعاطفون مع الفلسطينيين ويعارضون التطبيع، وأن الأمور تم إخراجها من سياقها، وشددوا على أنه برنامج فكاهي، ناهيك بالقضايا التي يعاني منها المجتمع العربي". 

ولكن فريدمان يشير إلى "وجود آخرين يفكرون بشكل مختلف، حيث أوقف العديد من السعوديين الهجوم على المسلسل، زاعمين أن هذا الهجوم ينمّ عن الكراهية المتزايدة في العالم العربي لدول الخليج بشكل عام، وللسعودية بشكل خاص. وردّ العديد من السعوديين على الهجمات على الشبكات الاجتماعية، وكتبوا أن الدافع وراء الهجمات هو حسد العديد من المواطنين العرب لدول الخليج العربي على ثروتها ونجاحها". 

وذكر أن "أقوى الهجمات على السعودية جاءت من الفلسطينيين، الذين أطلق بعضهم على السعوديين "الجمال البدائية من الصحراء". وفي المقابل، أكد بعض السعوديين أن السعودية تبرعت لعقود من الزمن بملايين الدولارات للفلسطينيين، وأن هذه الأموال اختفت من دون أن يستغلها الفلسطينيون لتحقيق أهدافهم الوطنية، واتهموا الفلسطينيين بأنهم شعب ناكر للجميل

وخائن". 

ويمضي فريدمان بسرد التعارضات، فيذكر أن "الشارع الفلسطيني يتابع تهميش القضية الفلسطينية في أعقاب الاحتجاجات في العالم العربي والصراعات بين أقوى دول المنطقة، فيما نشأ في الدول النفطية جيل شاب لم يشهد حروب الدول العربية ضد إسرائيل، ولا يرى إسرائيل البعيدة كتهديد، فالتهديد الفوري عنده هو إيران الشيعية، التي تتسلح بثبات وتزوّد المتمردين الحوثيين في اليمن بصواريخ لإطلاقها على السعودية".

 

 رصد "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط"

نشر "معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط" (ميمري/ Middle East Media Research Institute- MEMRI) في 3 أيار/مايو 2020، تقريراً موثقاً بعنوان "كتّاب من الخليج يثنون على المسلسلات التلفزيونية في رمضان ويعبّرون عن تعاطفهم مع اليهود وإسرائيل"، حشد فيه التقرير 16 مصدراً عربياً.. وأبدى هذا التقرير ترحيباً حاراً بالآراء التي سوّغت المسلسل، وقدّم لقراء العبرية عينات مختارة تتعلق بما يسمى "الاعتراف بالواقع والتسامح"، كمدخل لتسريب فكرة قبول الآخر بمعزل عما يترتب عليها. 

يلخص تقرير "معهد ميمري" مسلسل "أم هارون" بأنه يصف التعايش القائم بين الجالية اليهودية والمسيحيين والمسلمين في الكويت، الذي تضرر من قيام "دولة إسرائيل"، واستُبدلت به العنصرية والتمييز والعدوان ضد اليهود الذين جعلتهم يهاجرون.

 ويركز التقرير على رفض المشاركين في المسلسل الانتقادات بشأن تشجيع التطبيع مع "إسرائيل"، زاعمين أن المسلسل يعكس حقيقة لا لبس فيها. ونقل التقرير عن البحريني محمد شمس، كاتب سيناريو المسلسل، قوله: "نريد أن نظهر تعايش الأديان السماوية، [لنظهر] أنه كان هناك وقت يعيش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون كجيران في منطقة واحدة"، وحث المشاهدين على إظهار التسامح. 

وبالمثل، نقل التقرير عن بعض ممثلي المسلسل تصريحاتهم في مقابلات مختلفة، بأن "من المستحيل إنكار أن اليهود عاشوا في الدول العربية في الماضي، ودعوا إلى التمييز بين اليهود والصهاينة". 

وذكر أنه "في مواجهة الهجوم على المسلسل، خرج بعض الصحافيين والكتاب من السعودية ودول أخرى في الخليج للدفاع عنهم، وزعموا أن المسلسل يعكس الواقع الذي كان موجوداً في الماضي في العديد من البلدان العربية التي لا تدرك ذلك أو تفضل ببساطة تجاهله وإسكات وسائل الإعلام، وأشاد الكتّاب بشجاعة مسلسل "أم هارون" لتناوله موضوعاً تم إسكاته منذ سنوات بفعل العنصرية والعدوان ضد اليهود في الدول العربية، ما أدى في النهاية إلى هجرتهم". 

وعن مسلسل "مخرج 7"، يصف تقرير "معهد ميمري" كاتب المسلسل الصحافي السعودي خلف الحربي بأنه "ليبرالي"، ويعزو ردود الفعل في العالم العربي عليه في الشبكات الاجتماعية والمقالات في الصحافة العربية إلى "الاضطرابات" التي تعيشها المنطقة. 

ويؤكد التقرير أن "غالبية الانتقادات جاءت من المنظمات الفلسطينية ومسؤولي حماس ووسائل الإعلام التابعة لها، حيث اتهم هؤلاء السعودية بمحاولة الترويج لفكرة التطبيع مع إسرائيل من خلال هذا المسلسل وخيانة القضية الفلسطينية، ودعا البعض القنوات إلى التوقف عن بثه المسلسل. ورداً على ذلك، أعلن المتحدث باسم قناة MBC مازن حايك أن القناة ترفض التوقف عن بث المسلسل رغم انتقاداتها وهجومها". 

 وعرض تقرير "معهد ميمري" عيّنة من المقالات العربية التي نشرت تحت عناوين بارزة، منها:

ـ الصحافي السعودي البارز عبد الرحمن الراشد: مسلسلات رمضان حول إسرائيل واليهود تشير إلى تغيير في المواقف.

ـ الرئيس التنفيذي لقناتي "العربية" و"الحدث" ممدوح المهيني: الدعاية والكراهية لليهود تؤذي الشركات العربية ("اليهود العرب والدعاية السامة").

ـ كاتب سعودي (حسين شبكشي): مسلسل أم هارون يكشف بشجاعة قضايا مثل العدوان على اليهود في الدول العربية.

ـ صحافية بحرينية (سوسن الشاعر): "أم هارون" تعكس التعايش القائم الذي لا يزال موجوداً في البحرين، والذي يخشى الكثير من الاعتراف به.

 

تابعة يوفال أبراهام

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    .

تحت عنوان "معركة على الوعي: مسلسلات سعودية تهيئ للتطبيع مع إسرائيل"، نشر الكاتب يوفال أبراهام، المتخصص في اللغويات والتصوير، في موقع "ميكوميت" (9 أيار/مايو 2020)، تقريراً نقل فيه آراء عرب ويهود بمسلسل "أم هارون"، مبيّناً أنه "أثار موجة من الانتقادات في العالم العربي، فضلاً عن مناقشات حول أسئلة مثل: من هو المسؤول عن مصير اليهود العرب الذين اختفوا؟". 

وقال أبراهام: "لقد أثار المسلسل اهتمامي بالتحديد، لأنه، على الأقل جزئياً، قدّم حضوراً يهودياً في الفضاء العربي موجوداً بمعزل عن إسرائيل، ويميّز بين المفاهيم اليهودية والصهيونية". وعُني أبراهام بنقل رد الممثلة حياة الفهد التي تجسد شخصية أم هارون على الانتقادات القاسية لمشاركتها في المسلسل، من خلال الإصرار على الفرق بين اليهود والصهاينة، وتصريح الممثلة في مقابلة إذاعية بأن "المسلسل لا يطبّع، لأن هناك يهوداً محبين للسلام، ويمكنك أن ترى في إسرائيل يهوداً يعارضون الصهيونية ويخرجون للاحتجاج، وهم مثل اليهود العرب قبل العام 1948".. وقولها: "في الماضي، كان اليهود يعيشون في فلسطين والكويت والسعودية وليبيا والبحرين والمغرب. لماذا يجب أن ننكر ذلك؟ لماذا ننساهم؟ يجب أن أروي قصصهم... ولا أندم على القيام بهذا الدور". 

وبعد ذلك، يورد أبراهام عن د. إيال ساجيا بيزاوي، الذي كتب أطروحته عن الشخصية اليهودية في السينما المصرية، قوله: "في مسلسل أم هارون، تم تصوير جميع الشخصيات اليهودية - أكثر أو أقل من الصهيونية - بطريقة متعاطفة؛ عزرا الذي يحلم بالهجرة إلى إسرائيل، أم هارون الطبيبة التي تهتم بمجتمعها ولا تريد الهجرة، وأيضاً راحيل الجميلة، التي ترتبط بعلاقة حب ممنوعة مع المسلم محمد، الذي يرفض التخلي عنها، وترفض هي التخلي عنه، وهو ما أثار مشكلات بين المسلمين واليهود.. وتفتح راحيل المسلسل بمونولوج حزين، تتلوه بالعبرية المكسّرة، التي كانت موضوعاً للسخرية على الويب، إلى جانب مجموعة من الأخطاء الوقائعية والتاريخية الأخرى التي ظهرت في المسلسل والطريقة التي يمثل بها اليهود". 

ويصف بيزاوي ذلك بأنه "أمر محزن للغاية، إذ ربما تكون لغة راحيل الغريبة أفضل شهادة على الانفصال بين اليهود والمسلمين، وغالباً ما يتم تمثيل شخصيات اليهود العرب في السينما من قبل أشخاص لم يسبق لهم العيش بصحبة اليهود، ومن المفارقات أن الكلمات المستخدمة لدى راحيل تحاول إنقاذ ذاكرة المجتمع، فتنظر إلى الكاميرا، وتقول: قبل أن تختفي آثارنا، وقبل أن تسقط حياتنا في الذاكرة وتضيع مع مرور الوقت وتنسى، وقبل أن ندير صفحات كتب الزمن، قررت أن أكتب عنا - يهود الخليج".

 ويضيف بيزاوي: "هذا المسلسل جزء من ظاهرة مثيرة للاهتمام في العقود الأخيرة هي عودة اليهودي إلى الشاشة".

وبخصوص مسلسل "مخرج 7"، يستشهد كاتب التقرير يوفال أبراهام بتحليل قدمته له كاتي فيكسبرغر، وهي باحثة متخصصة في الشؤون الخليجية ومراسلة في "منتدى التفكير الإقليمي"، ترسم فيه خلفية لهذا المسلسل، قائلة: "في السنوات الأخيرة، تم تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول الخليج، وخصوصاً مع السعودية والإمارات. وفي العامين الماضيين، ازدهرت العلاقات الثقافية. ومن الناحية الأمنية، منذ التسعينيات، كانت علاقات دول الخليج وإسرائيل تجري تحت الرادار".

 وتضيف كاتي فيكسبرغر: "من المهم فهم السياق الذي يبث فيه مسلسل "مخرج 7"، حيث توجد كراهية عميقة في الشارع العربي للسياسة السعودية في الشرق الأوسط إزاء إسرائيل والدول العربية. وقد تعززت هذه الكراهية في ضوء مسلسل "مخرج 7" ، ففي أحد المشاهد، يخبر رجل صديقه بقلق أن ابنه "يعرف شخصاً من إسرائيل عبر الإنترنت"، ويجيب صديقه باستخفاف: ما هي مشكلة الاتصال بإسرائيل؟ إسرائيل موجودة، سواء كنت تريد ذلك أم لا".

 ويعرض التقرير الحوار ذاته بينهما، والذي سبقت الإشارة إليه.. وتقترح فيكسبرغر فهم المسلسلات الجديدة كجزء من اتجاه التحرر الذي ميز السعودية والإمارات في السنوات الأخيرة، ويعكس رغبتهما السياسية في الاقتراب أكثر من "إسرائيل" والغرب. 

وتقول: "في السعودية والإمارات، هناك علاقة بين الخطاب المتزايد حول التسامح وقبول الآخر والاستعداد للعمل مع إسرائيل. ومن الواضح أن هذا التسامح ليس أصلياً، فهو موجود فقط عند خدمة الحكومة". 

وتستطرد: "إن التسامح هو أداة سياسية، فهو يسمح للخليج بإنتاج صورة مختلفة وأكثر ليبرالية تكسب المستثمرين من الغرب، وتبث الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتهيئ مساحة يمكن فيها قبول العلاقات مع الغرب والتطبيع مع إسرائيل بسلاسة أكبر".

 

 تحليل مايكل باخنر 

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة

رأى الصحافي والمصور مايكل باخنر (MICHAEL BACHNER)، في تحليل في موقع "تايمز أوف إزرائيل" (27 نيسان/أبريل 2020)، أن مسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7"، يشكلان "بداية لقيام الدراما التلفزيونية السعودية بطرح تسريع للعلاقات مع إسرائيل". 

ويحكم باخنر على هذا الأمر بأنه "يأتي في سياق العلاقات الحارة بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي شملت ترحيب الرياض بخطة السلام للرئيس الأميركي ترامب، على الرغم من رفض معظم العالم العربي لها، فضلاً عن السماح للطائرات باستخدام المجال الجوي السعودي عند الطيران من إسرائيل وإليها". 

ولاحظ باخنر أن "الإنتاجين التلفزيونيين أثارا جدلاً واتهامات بالتطبيع مع إسرائيل، بعد أن سلط أحدهما الضوء على حياة اليهود في الكويت في الأربعينيات، وأظهر الآخر شخصية تدعو إلى علاقات مع إسرائيل". 

 

استغلال "أم هارون" على الطريقة الصهيونية

بالتزامن مع بدء بث مسلسل "أم هارون"، برزت محاولات صهيونية لاستغلال مضمونه في مناح عدة، منها ترسيخ مبدأ انتماء اليهود إلى المنطقة، ورسم ملامح للاعتراف العربي بهذا الانتماء، والنظر إلى يهود الدول العربية كجسر للتطبيع مع "إسرائيل"، وصولاً إلى اعتبار المسلسل وثيقة للمطالبة بأملاك اليهود.. 

وحول النقطة الأخيرة، تناقلت المواقع على الشبكة تغريدة في "تويتر" للكاتب الصهيوني المتطرف د. إيدي كوهين (المستشار في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية والباحث في مركز "بيغن: السادات للدراسات الاستراتيجية)، هي (كما في الصورة أدناه التي نشرها موقع المصريون، يوم 29 نيسان/أبريل 2020-https://almesryoon.com):

  • "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة
    "أم هارون" و"مَخرَج 7".. الإعلام الإسرائيلي مهتم بالمتابعة

 

خاتمــة

من الواضح أن المعلومات والتقديرات الواردة في هذه المتابعة بشأن مسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7" لم تندرج في إطار النقد الفني لهما، بل تلقّفتهما الصحافة الإسرائيلية كمساهمة خليجية، تاريخية وسياسية، على مسار جديد ذي هوية وأفق مغايرين لحالة المسار القديم الذي رُسِم بتأثير الصراع العربي الإسرائيلي.

ونشير هنا إلى أن قناة "MBC" أعلنت في 12 أيار/مايو 2020 عن إيقاف بث مسلسلها "مخرج 7" لدى وصوله إلى الحلقة 20، وادعت أن "تصوير المسلسل توقّف عند هذا الحد بسبب حالة الحجر المنزلي وحظر التجول الذي فرضه فيروس كورونا".

بصرف النظر عن دقة السبب الذي ساقته القناة، يمكن القول إنه في مفصل التقاطعات بين الردود الإسرائيلية والعربية، من المتعذر تهميش الرأي العام العربي الذي ستواصل "إسرائيل" أخذه بالحسبان.

ولعل من أبرز ما يُستشف من الاهتمام الإسرائيلي بمسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7" أن المواقف العربية المناهضة للتطبيع ستظل مبعث قلق للإسرائيليين، الذين توهّموا أنهم الجهة الوحيدة المقرِّرة في المنطقة، وأنهم قادرون على تمرير إملاءاتهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اغتصبت فلسطين في يوم النكبة، وفي يوم القدس العالمي إحياء لقضية فلسطين في نفوس كل المقاومين، وبين اليومين تاريخ نضال وتضحيات.. في زمن القدس، تغطية خاصة حول فلسطين والقدس، ومحاولات التطبيع المستمرة، التي بدأت تأخذ بعداً أكثر مباشرة ووقاحة.