تموز 2006: ماذا لو؟

من أجل إدراك مدى محورية هذا النصر، وليس من باب إقناع أحد أو ترهيبه، نستعرض عواقب الفرضية المعاكسة: ماذا لو جاءت النتائج لصالح العدو؟

  • لم تؤدِّ العملية القيصريةفي لبنان إلى الولادة المرغوبة بفضل صمود المقاومة واستعدادها المبهر
    لم تؤدِّ العملية القيصريةفي لبنان إلى الولادة المرغوبة بفضل صمود المقاومة واستعدادها المبهر

"ما نشهده الآن هو آلام المخاض لشرق أوسط جديد". شعارٌ أطلقته "الدكتورة" كوندوليزا رايس في العام 2006 فوق أنقاض الدمار وأشلاء الشهداء، غير آبهة بمعاناة شعبٍ تتم تصفيته.

أتى كلامها في سياق مخطّط الغرب لإعادة هندسة التركيبة الوراثية للجنين العربي الجديد، عبر تعديل خاصيّة مهمّة: استئصال المقاومة، وذلك من خلال سلسلة أحداث فوضوية خلّاقة زُرِعَتْ بذورها قبل سنة عند اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.

لم تؤدِّ تلك العملية القيصرية إلى الولادة المرغوبة، بفضل صمود المقاومة واستعدادها المبهر، غير أن ذلك لم يكن محط إجماع، ولم يخلُ الأمر من تشكيك الكثيرين بأهمية الإنجاز، باعتباره مغامرة مكلفة جداً.

من أجل إدراك مدى محورية هذا النصر، وليس من باب إقناع أحد أو ترهيبه، نستعرض عواقب الفرضية المعاكسة: ماذا لو جاءت النتائج لصالح العدو؟ ماذا لو انكسرت شوكة المقاومة في حرب تموز؟ 

أبرز نتائج الهزيمة الافتراضية للمقاومة كانت ستكون حسيّة وغير ملموسة، وتتجسّد في انعدام الثقة بقدرتها على الصمود والمواجهة وحماية لبنان، وبالتالي التضعضع في دعم القاعدة الشعبية الحاضنة لها، والتخبط في صفوف القيادة والحلفاء، والهشاشة في بنيتها التحتية، فهيبة الانتصارات التي لطالما تمترست المقاومة خلفها على مر السنين ستنكسر، معبّدة الطريق أمام استغلال العدو لهذا الواقع الجديد ولحظة الضعف، لتحقيق هدفه الأوحد، وهو القضاء على المقاومة وما تمثله، فماذا في التبعات الملموسة؟

في الأمن، يقوم العدو بإعادة احتلال الجنوب، ولو بطريقة مختلفة وأكثر "شرعية"، بحجة تطهير المنطقة الحدودية من مخلّفات المقاومة، ويهرع لإقرار قوانين دولية توجب تسليم السلاح إلى الأمم المتحدة، وليس إلى الدولة اللبنانية التي يُراد لها أن تبقى ضعيفة وخاضعة. تُستباح الحدود البرية الشمالية والشرقية، فتُشرّع الأبواب للإرهاب لاستكمال عملية تصفية المقاومة فكراً وعتاداً. بالتوازي، يتم إرهاق الجيش اللبناني واستنزافه على جميع الجبهات، لإرضاخه وإضعافه وتهميش دوره. 

في الاقتصاد، يتم الاستيلاء على ثروات البلد المائية على الحدود الجنوبية، من دون حسيب أو رقيب. يسلب العدو الثروة النفطية البحرية على مرأى من العالم، مستنداً إلى شرعية دولية جيّرها لمصلحته بقوة اللوبي الصهيوني. تتكبّد الخزينة اللبنانية المزيد من الخسائر، بسبب التراجع الحاد في السياحة والاستثمارات الخارجية جرّاء وضع أمني سيئ وخطير. 

في السياسة الداخلية، يفرض انتصار العدو معادلات جديدة تنصبّ في مصلحة محور الغرب (وبعض الشرق) ومشروعه. تطفو على السطح الحركات اليمينية المتطرفة التي تتنكّر لأيّ شكل من أشكال القومية أو الاستقلالية أو السيادية، على حساب الإنهاء الوجودي لفكر المقاومة، مستمدة قوتها ونفوذها من الجهات الخارجية، وتستلم مفاصل القرار. 

في السّياسة الخارجيّة، يتمّ إصدار قرارات دولية، وتنشأ معاهدات سلام (أو استسلام) شبيهة بـ17 أيار/مايو، تضمن مصالح العدو في الدرجة الأولى. ويُصار أيضاً إلى قطع أوصال لبنان بمحيطه، وخصوصاً مع دول محور الممانعة، لفرض المزيد من الحصار والعزل، مؤدياً إلى أعباء اقتصادية إضافية.

في الاجتماع، تمرّ مشاريع التوطين تحت الضغط أو طواعية (مقابل وعود زائفة أو أموال)، فتُنسف التركيبة الديمغرافية، وتترتب على ذلك تداعيات اجتماعية وأمنية واقتصادية وثقافية ودينية عديدة. وبسبب تدنّي المستوى المعيشي المتوقع حصوله نتيجة البطالة ودفع تكاليف التوطين الباهظة، لن يجد الشباب اللبناني ملاذاً إلا الهجرة، وبالتالي يستمر لبنان في تحقيق العجز في ميزان هجرة الأدمغة. 

في الثّقافة، يحتضر الفكر العروبي القومي الممانع، في مقابل نمو المسخ التكفيريّ الَّذي يتغذّى من محيط حاضن لعدد كبير من المجموعات المتطرفة. كما تنتشر تدريجياً ثقافة التطبيع مع "إسرائيل"، فترى الشركات والمنتجات والمنشورات والأفلام والمسرحيات والأغاني الإسرائيلية تجتاح أسواقنا، محاولةً كسب تعاطف الرأي العام. 

من الصعب التكهّن بأبعاد هزيمة المقاومة على الواقع اللبناني وحجمها وانعكاساتها، ولكن المقاربة الصحيحة والوحيدة لهذه الفرضية يجب أن تكون من زاوية التعريف بجوهر الأطماع الإسرائيلية التاريخية والعقائدية والتوسعية والاستعمارية. 

يجب التفكير بمعزل عن الاصطفافات والارتباطات بالمحاور، للتمكّن من تقييم نتائج حرب تموز بطريقة موضوعية، فعلى الرغم من الانتقادات والاتهامات التي انهالت على المقاومة تحت عنوان افتعالها الحرب، ولكن لا يمكن إنكار صمودها في وجه المخطط الغربي الذي أعاد للبنان اعتباره، مرسخاً معادلة "قوة لبنان في قوته"، مانحاً إياه ورقة تفاوض في المحافل الدولية يُحسب لها حساب، واضعاً حداً لمشروع استعماري غربي، أو أنه على الأقل أجبره على التراجع وتغيير المسار.