كيف يكشف الاتفاق الإماراتي الصهيوني زيف عملية الانتخابات الأميركية؟

الديموقراطية الأميركية هي ديموقراطية مزيَّفة، لا يختار الناس فيها حكّامهم، بل يتمّ فرض حكّامهم عليهم من خلال النخب المنظَّمة والثرية.

  • ترامب وكوشنير خلال إعلانهما إتفاقية التطبيع بين الإمارات و
    ترامب وكوشنير خلال إعلانهما إتفاقية التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل" يوم 13 آب/أغسطس 2020 (أ.ف.ب)

قبل أقلّ من 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، فاجأتنا دولة الإمارات العربية باتفاق "سلام" مع "إسرائيل" لتطبيع العلاقات بشكل كامل بينهما. 

سأحلل الخطوة في سياق السياسة الأميركيّة لن أتحدث عن دور الإمارات في هذه الخطوة، فلا قيمة للحديث عن مفعول به.

لا شكّ في أنَّ توقيت هذه الخطوة المستفزة عربياً وإسلامياً مرتبط بضغوط من إدارة ترامب الَّتي تريد تسجيل إنجاز يدعمها في الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر.

اللافت للنَّظر هو غرابة العلاقة بين محاولة اجتذاب دعم الناخب الأميركي لإدارة ترامب واتفاق تطبيع عشوائي بين دولة عربية و"إسرائيل"، فما هي مصالح الناخب الأميركي من هذا الاتفاق؟ ولماذا يعتقد ترامب أنَّ هذا الاتفاق سيزيد من فرصه في الفوز بدورة رئاسيّة ثانيّة؟ 

في الحقيقة، لا مصالح للناخب الأميركيّ مطلقاً في هذا الإنجاز الوهميّ الّذي يزعمه ترامب وإدارته، وهو لا يهتمّ بما يحدث خارج بلاده الغارقة حالياً في أزمة اقتصاديَّة غير مسبوقة، مع انكماش بنسبة 32% في الربع الثاني من هذا العام، ومعدَّل بطالة يتجاوز 20%. 

إذاً، لماذا يجري الربط بين اتفاقيات خارجيَّة يسعى إليها ترامب ولكنها لا تعني الناخب الأميركيّ ويضغط ترامب باتجاهها في سبيل تعظيم فرصه للفوز بدورة ثانية على أثر هذه الاتفاقيات؟

تكمن الإجابة في فهم زيف عملية الانتخابات الأميركية التي تتحكَّم بها بشكل رئيسي الدعايات والإعلانات التي تحسّن صورة هذا المرشح أو ذاك، وتشوّه صورة منافسه، فتعظّم فرص الأول على حساب الآخر.

وتتحكم بهذه الدعايات اللوبيات من مجموعات الضّغط السياسيّ وأصحاب المصالح الخاصّة، وأهمّها اللوبي الصهيوني، الَّذي يتشكَّل من أكثر من 30 منظمة أميركية تدافع عن حقوق اليهود داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتهتمّ بشكل أساسيّ بالضغط على الحكومة الأميركيَّة لدعم "دولة إسرائيل".

أهمّ هذه المنظّمات هي منظَّمة "أيباك" الشهيرة التي تضمّ أكثر من 100 ألف عضو، وتنفق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً من المال السياسيّ لدعم المرشّحين من الحزبين الجمهوريّ والديموقراطيّ لمناصب السّلطات التّشريعية والتنفيذيّة، الذين يخدمون أجندتهم في دعم "إسرائيل". 

ولذلك، قامت إدارة الرئيس الأميركي بالضَّغط على دولة الإمارات ودول عربية أخرى باتجاه عقد اتفاقيات سلام مع "إسرائيل" قبل الانتخابات، لكي يحظى ترامب بدعم اللوبي اليهودي وبماله السياسي في الدعايات الانتخابية.

إذاً، إنَّ عملية الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، سواء الرئاسية أو التشريعية، هي عملية منافسة بين المرشحين على دعم أصحاب المال السياسي الوفير من مجموعات الضغط النخبوية، الَّذين يستخدمون هذا المال لبيع هذا المرشح أو ذاك لعامة الناس، كما تبيع الشركات الأحذية أو مستحضرات التجميل.

إنَّ بوصلة المرشّح الأميركي في هذه العمليّة البائسة هي إرضاء مجموعات الضّغط، التي تقوم ببيعه للناخب، عن طريق التضليل بالدعايات الكاذبة والمؤثرات الصوتية والمسموعة، ولا علاقة لعملية التنافس الانتخابي بإرضاء رجل الشارع الأميركي العادي أو بتحسين ظروف معيشته، فهو لا حول له ولا قوة يشكّل أداة بليدة يتمّ التلاعب بذهنيتها من خلال سحرة الإعلام والدعايات الممولة من مجموعات الضغط الثرية.

الديموقراطية الأميركيّة هي ديموقراطية مزيَّفة، لا يختار الناس فيها حكّامهم، بل يتم فرض حكّامهم عليهم من خلال النخب المنظَّمة والثرية.

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.