البرلمان الأوروبي يدعو سلطات البحرين لإجراء إصلاحات عاجلة.. التوقيت والدلالة

القرار الأوروبي لا يُعدّ الأول من نوعه، إلا أنَّه تزامن مع مرور عقد من الزمن على الجمود السياسي في البحرين وغياب الحل الجاد للأزمة السياسية والحقوقية في البلاد.

  • تضمّن القرار الأوروبي 23 بنداً، ولكنه، لناحية المضمون، احتوى أسماء ومطالبات حثيثة
    تضمّن القرار الأوروبي 23 بنداً، ولكنه، لناحية المضمون، احتوى أسماء ومطالبات حثيثة

بعد 10 سنوات على انطلاق الحراك السلمي في البحرين، البرلمان الأوروبيّ يعطي فرصةً لحل الأزمة، والمعارضة تتبنى، فهل تغتنمها سلطات المنامة؟ ربما تكون هناك أسئلة أخرى، ولكن يبقى السؤال الأهم: ما هي قدرة المجتمع الدولي على إحداث تغيير سياسي حقيقي مستدام؟ هذا هو الموضوع الأبرز الجدير بالاهتمام اليوم من قبل المعنيين في السلطة والمعارضة.

في 11 آذار/مارس 2021، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً بشأن الملف الحقوقي والسياسي للبحرين، صوّت عليه البرلمانيون بأغلبية ساحقة (633 من أصل 689 نائباً). القرار الذي تبنّاه البرلمان الأوروبي سلَّط الضوء على الحالة الحقوقية الحالية في البلاد، ودان تصرفات السلطة منذ سنوات وحتى الآن، وتضمّن توصيفاً دقيقاً لهذا الملف في البلاد بكل مفاصله.

تضمّن القرار الأوروبي 23 بنداً، ولكنه، لناحية المضمون، احتوى أسماء ومطالبات حثيثة ترجمت تدهور وضع حقوق الإنسان في البحرين، واصفاً إياها بأنها "تزداد سوءاً بعد مرور 10 سنوات على انطلاق الحراك الشعبي السلمي في العام 2011". 

تمثّلت أبرز المطالبات بالإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي، وعلى رأسهم قيادات المعارضة المحكوم غالبيتهم بالمؤبد، ومنهم أمين عام "الوفاق" الشيخ علي سلمان، المعتقل تعسفياً على خلفية اتهامات تتعلق بممارسة نشاطه كزعيم للمعارضة في البلاد.

 كما تضمّن المشروع المطالبة بوقف أحكام الإعدام، وتحسين الحالة الحقوقية في ما يتعلَّق بعودة المعارضة بعد الإجهاز على العمل السياسي، من خلال حل أكبر جمعيتين سياسيتين في البحرين، هما العمل الوطني الديمقراطي "وعد" و"الوفاق الوطني" الإسلامية.

 كما ركّز القرار على مسألة خنق الحريات بشكل عام، والتضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، وحل الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد "الوسط"، إضافةً إلى إجراء تحقيق في مزاعم التعذيب لمحاسبة المسؤولين، وتنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق "بسيوني"، والاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان، والسماح لمقرري الأمم المتحدة ومسؤولي الاتحاد الأوروبي والمراقبين المستقلين وجماعات حقوق الإنسان بزيارة البحرين. 

أما اللافت، فقد كان دعوة البرلمان رئيس الوزراء الجديد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلى فتح صفحة حوار جاد، ومنح البحرين فرصة للتحرك نحو الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية الشاملة، بما في ذلك العلاقة بين السنة والشيعة.

وقد دعا البرلمان حكومة البحرين إلى التعاون الكامل مع هيئات الأمم المتحدة، وتوجيه دعوة دائمة لزيارة البحرين ومراقبة جميع الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتعاون بطريقة استباقية، كما دعا الحكومة إلى السماح لمسؤولي الاتحاد الأوروبي والمراقبين المستقلين وجماعات حقوق الإنسان بزيارة السجون البحرينية، وحث السلطات البحرينية على ضمان دخول مقرري الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كذلك السماح للمدافعين عن الحقوق العامة وحرية التعبير وحرية التجمع بدخول البلاد بيسر.

كما حثَّ البرلمان مفوّضية الاتحاد الأوروبي على تعزيز الحوار مع حكومة البحرين، وفقاً لإرشادات الاتحاد الأوروبي، مع مراعاة مسألة حقوق الإنسان بعد ملاحظة دقيقة لبرنامج الحوار الجاري، واعتبر أنه ليس بديلاً من حوار مناسب بين الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني في البحرين، وهو التعقيد ذاته الجاري الذي تصر عليه السلطات في المنامة.

كما أكد القرار أن السلطات البحرينية يجب أن تشارك بشكل هادف وصادق في هذه العملية، بعيداً من الحوارات الشكلية التي لم تنجح أو لم تعطِ أملاً في التقدم إلى الأمام في العملية السياسية. 

إنّ دعم البرلمان لفكرة المزيد من الحوارات والمشاركة وتبادل أفضل الممارسات بشأن حقوق الإنسان والإجراءات القضائية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ومملكة البحرين، يعطي فرصة لمراجعة حقيقية بدلاً من استمرار الاستهداف الذي طال مؤخراً المحامين بحجّة التأديب.

القرار الأوروبي لا يُعدّ الأول من نوعه، إلا أنَّه تزامن مع مرور عقد من الزمن على الجمود السياسي في البحرين وغياب الحل الجاد للأزمة السياسية والحقوقية في البلاد، مع تنامي القبضة الأمنية، وتجاهل السلطات كل المبادرات التي عرضتها وقدمتها المعارضة من أجل الوصول إلى حوار جاد يخرج البلاد من قوقعتها السوداء، وآخرها إعلان البحرين.

منذ أن صدر القرار الأوروبي، ما زالت ردود الأفعال البحرينية الرسمية في دائرة الاستنكار الدائم له وإظهاره بأنه قرار مسيَّس خاضع لدول تستهدف البحرين، وتسيء إلى سمعتها الدولية، وذلك بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية، وكأن المجتمع الدولي غائب عن مراقبة سلوك السلطة تجاه الشعب منذ بداية الحراك المطلبي. 

إنها خضّةٌ ضخمة وعامة أنتجها القرار الدولي. شحذت البحرين الرسمية بكل مؤسساتها وأجهزتها - الخارجية والداخلية والنواب والشورى والكتّاب - هممها لتكذيب ما ورد في القرار الأوروبي، واعتبرته "تدخّلاً خارجياً في شؤون البلاد"، ولكن الواقع الداخلي مغاير. 

في المقابل، إنّ المعارضة، وتحديداً جمعية "الوفاق"، تبنّت القرار بشكل كامل، ووجدت فيه خارطة طريق لحل الأزمة في البحرين، ودعت السلطات إلى الاستفادة من الفرص الدولية؛ فرص يتصدّر قائمتها إعطاء مساحة للعمل الجدي الأوروبي مع البحرين، عبر رعاية طاولة حوار جاد بين السلطات والمعارضة، هدفه الإصلاح من أجل وطن للجميع، وتحقيق المطالب التي لخصتها وثيقة المنامة المجمع عليها شعبياً.

لقد ذكرت الوثيقة مطالب تمثلت في حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية، ونظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية عادلة تحقق المساواة بين المواطنين وفق نظام صوت لكل مواطن، وسلطة تشريعية تتكون من غرفة واحدة منتخبة تنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية، وقيام سلطة قضائية موثوقة مستقلة، إضافة إلى فكرة الأمن للجميع.

إنَّ فرضيّة استفادة البحرين من هذه الفرصة الدولية الجديدة تكمن أهميتها في توقيتها مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وحديثه عن تعزيز مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وكذلك تغير سياسته الخارجية في ملف الحرب على اليمن، وعلاقته بالسعودية وحوار واشنطن مع الجمهورية الإسلامية في إيران، واحتمال عودة الاتفاق النووي، كلها عوامل مساعدة جداً لتهدئة الأوضاع في منطقة الخليج عموماً، والبحرين خصوصاً، ولكن يبقى السؤال الأبرز: هل ستنتظر السلطة في البحرين إملاءات الخارج عليها لإحداث تحولات في الداخل أم أنها قد تمتلك القرار الجريء ببدء حوار مع المعارضة وإطلاق سراح القيادات السياسية من السجن لتحقيق استقرار بدلاً من تعقيد الملف أكثر والحكم على الأزمة السياسية بالمؤبد؟