المقاومة.. وسّعت الممكن وأطاحت بالمستحيل في الظروف المتآكلة

مع أن انتصار المقاومة في أية جبهة أطلّ العدوان برأسه منها هو انتصار للبنان وفلسطين وبقيّة المُستضعَفين، إن الذين وقفوا ضدّها وحرَّضوا عليها يبدو أنّهم مازالوا بعد رغم تراجعهم إلى الخلف بمسافات طويلة يتوقّعون مساحة أخرى للفوضى خارج مساحتها، وهم لا يُدركون أصلاً أنّ حركة التغيير من سنَن الكون ومن حكمة التاريخ.

انتصار المقاومة في أية جبهة هو انتصار للبنان وفلسطين وبقيّة المُستضعَفين
لم تكن المقاومة إلا طريقاً للخلاص رغم توصيفها بالإرهاب من طرف الذين لا يزالون يعتقون أن أميركا هي الخلاص.
لقد حرَّرت لبنان من مُجرمي النصرة وتسامحت مع مَن آمن منها بالمُصالحة وحمتهم عند الخروج حتى وهم أعداؤها، ولم يجد البعض غير الحَرَج لأنه كان أحد مُشجّعي النصرة على دخول جرود عرسال وربما حمايتها، رافضاً للمقاومة أن تكون شريكاً مع الجيش السوري في مقاومتها لداعش، ظناً منه أن النصرة قادرة على تأخير الحسم العسكري في سوريا ومعها المقاومة.

مع أن انتصار المقاومة في أية جبهة أطلّ العدوان برأسه منها هو انتصار للبنان وفلسطين وبقيّة المُستضعَفين، إن الذين وقفوا ضدّها وحرَّضوا عليها يبدو أنّهم مازالوا بعد رغم تراجعهم إلى الخلف بمسافات طويلة يتوقّعون مساحة أخرى للفوضى خارج مساحتها، وهم لا يُدركون أصلاً أنّ حركة التغيير من سنَن الكون ومن حكمة التاريخ، والمؤكّد أن كل رؤية تتم خارج منطق السياقات التاريخية، لا يمكن لمُعتنقيها أن يتحكّموا في الأحداث ومن خلفها نتائج تلك الأحداث، وإسرائيل أيضاً لم تُدرك هذا بعد أو أدركته بالخطأ، ودخلت في تظاهرات عسكرية منذ نشأتها ضدّ العالم العربي، لكن الأحداث بتغيّراتها، الطارئ وغير الطارئ فيها دائماً تتم وفق هذه المُتغيّرات، فما كان أمس مُتاحاً يصير في اليوم الآخر غير مُتاح، وما كان ضمن الجاهِز لإسرائيل قبل حرب المقاومة صار اليوم ضمن المُستحيل، كانت حربها ضدّ العرب لستّة أيام على انتصار باهر، واليوم انتهت هذه الأسطوانة، مع حزب الله ودخل معها الانتصار الإسرائيلي مساحات الأحلام، الحرب الأخيرة على لبنان وعلى المقاومة بالتحديد دامت أكثر من الشهر وكانت حرباً متبوعة بالانكسار لإسرائيل، وحرب غزّة بأيامها الخمسين، صار الانتصار الإسرائيلي فيها أمر غير مُمكن بل مستحيل، وهذا ما لم يكن في حسبان إسرائيل ولا أميركا، ولا الذين أيّدوهما من العرب في هذه الحرب وعلى وجه الدقّة السعودية، لم يكن من الممكن أبداً،أن تدخل إسرائيل في حرب ضدّ المقاومة الإسلامية في لبنان وغزّة لو أنها لم تتلقَ الضوء الأخضر من بعض الحُكّام العرب، ، الذي سُمّي بالدول المعتدلة، صار هو أيضاً بكلمة السفير الأميركي فورد  "انتهت اللعبة" وكلمة الاعتدال هنا تعني سياسياً الموافقة على المنهج الأميركي الإسرائيلي المُتّفق عليه مُسبقاً، والمُتضمّن تأجيل إيران عن الوصول إلى نقطة عسكرية تساوي ولو جزئياً قوة الردع الإسرائيلية، وإزاحة المقاومة الإسلامية في لبنان، انطلاقاً من رؤية هجينة، ترى أن حزب الله هو القاعدة الإيرانية في المنطقة العربية !! وبنجاحه سيكون هناك امتداد متواصل لأفكاره إلى دول المُمانعة ، وبالتالي سقوط أغلب الأنظمة التقليدية ودخولها في المفهوم الاستراتجي الجديد لدول المُمانعة (الحلف الناشئ) القائم على الرفض المُطلَق لإسرائيل وللتواجد الأميركي في المنطقة، وذلك كله مطلب محور المقاومة إن في لبنان أو في غزّة والقدس. إن السعودية مثلاً، وهي من المجموعة الأشدّ صلابة في مواقفها ضدّ حماس وحزب الله لأمد طويل، بل اعتبرتهما منظمّتين أكثر خطورة عليها من إسرائيل - حتى جريدة عكاظ قالت ذلك- رأت  انطلاقاً من مفهوم سياسي خاطئ، هو أن حماس امتداد للإخوان المسلمين في مصر، وإن حزب الله هو امتداد لإيران، وكانت مصر على تقارُب منها، لكن مصر تراجعت مؤخّراً إلى الخلف بتفاهمها مع حماس، والسؤال ما المقصود بكل هذا وما فائدة النظام السعودي من هذه المشاركة في حرب إبادة جماعية؟ 


بالتأكيد أنها ترى وجود إيران على خط المواجهة تواجداً إقليمياً متيناً مستقبلاً، قد يضرّ ذلك بالمواقف السعودية المُرتّبة للبيت العربي -حسب زعمها- بمساهمة أميركا وإسرائيل، وإعادتها بالتالي إلى المؤخّرة خاصة وأنها أخطأت في حساباتها عندما وقفت إلى جانب إسرائيل في حربها ضدّ المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم إن هذا الموقف قد اتّسع ليشمل بعض الدول العربية الأخرى، فقد سقطت السعودية إذن، في مفاهيم لا هي سياسية ولا هي عسكرية، مفاهيم راهنت بها على سقوط المقاومة في لبنان والعراق، وأخيراً غزّة، فلا هي بالتالي دخلت في ما يُعرف بالقوة الضاربة، ولا بالقوة الناعمة ماعدا ما تقوم به من مجازر في اليمن، مجازر يفضّها الدين الذي تتبجّح بحمايته، وقد تأخذ مواقفها هذه أبعاداً سياسية غير قابلة للاستقطاب داخلياً، أي إن الانفجار الداخلي أصبح منطق الداخل.
يقين أن السعودية تحالفت مع إسرائيل على أساس مبدأ أميركي توسّعي، لكن هذا المنطق وإن كان نجح معها، فإنه قد فشل مع المقاومة، وفشل أيضاً حين أدارت إيران سياستها وفق منطقين ملازمين منطق الردع العسكري والعمل على تطويره إلى المستوى الذي عليه إسرائيل، ومنطق سياسي يقتضي عدم الرضوخ للسياسات الغربية رغم التهديد والوعيد، والحصار.
إذن الرؤية الاستباقية للأحداث لدى بعض الدول العربية، مع هذا الانهيار المُتدافِع نحو جرْف الآخر إلى مؤخّرة الأحداث، وربما إلى النهاية، كانت رؤية خاطئة، خاصة ونحن نعرف أن إسرائيل لا تمتلك سياسة واضحة خارج الأرمادة العسكرية من جهة، والتأييد الأعمى لهذه السياسة من طرف الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، وإذا كان هذا واضحاً فلماذا تختزن بعض النُظم العربية الإرث التاريخي الذي تمتلكه شعوبها وتحاول من خلال تجاهلها له الاندماج غير المُبرّر في أفكار غير أفكارها، وهم يدركون أن أكثر من ستين عاماً، وهم يهاجمون الإرهاب الإسرائيلي ثم يُلصّق بهم لاحقاً فيقومون نيابة عن أميركا بمُحاربة سوريا واليمن والعراق، ولحسابات استخباراتية إسرائيلية، وأميركية، وفرنسية، وبريطانية، وبمساعدات دولية من كافة دول الغرب.
المشكلة مع هذا الواقع المُتردّي لحكّام أصابهم الفزَع من أبنائهم وشعوبهم قبل أن يُصيبهم فزع الأشلاء المُتناثِرة في الشوارع وأزقّة غزّة المُحاصرَة والمسجد الأقصى المُداس والمُهان والمُغلَق في وجه أبنائه، ثم يكذبون على شعوبهم بأنهم هم مَن فتحوه بمساعدة أميركا!!. 
فيما تكذّبهم إسرائيل ذاتها بما ورد في صحفها بعدم تدخّل أيّ طرف عربي في عملية فتح أبواب الأقصى من جديد.. إن أهون الأمور ألا تكون صانع الأحداث المؤلِمة في ضمير الأمّة، وأن أفضل الأمور أن تكون هازِماً لها.إن إسرائيل لا تخوض حرباً إلا بعد أن تحسب ألف حساب لشعبها ولما يقوله، وتوقف الحرب فوراً بعد أن ترى الشارع يتخلخل، ألا يكفي هؤلاء الحُكّام هذه المجازر المشاركين فيها بأن يستقيلوا وأن يدخلوا جحورهم لعلّ التاريخ يرحمهم..إن التاريخ يُعلّمنا كيف ندخل الأحداث وكيف نخرج منها، لا كيف نخوض المواقف بالرأي الآخر في الضفّة الأخرى، والذي هو مُتخندِق في الصفوف الأمامية فيها ضدّنا.
لقد طلبت إيران من العرب استعمال سلاح النفط في المعركة أسوة بما فعله الملك فيصل في الحرب عام 1973 فأجابها فوراً سعود الفيصل "أنه في حاجة إلى مداخيل هذه المادة"، قال ذلك وهو يعلم أن الأموال التي هي في حوزته وحوزة الأمراء الآخرين تكفي لإشباع العالم كله لمدة شهور، ولكن كان يُشير إلى أن حماس هي من غير أهلنا وأن حماس "إخوانية" وإنها بمواقفها بإمكانها أن تُسقِط الكثير من العروش التي تقوم على الفتاوى الضالّة والمُضلّلة، لقد منعت السعودية شعبها من التظاهر ضدّ المجزرة في غزّة، وهو كاف للتأكيد على أن فراعنة العصر لا يقلّون جرأة وجرماً عن فراعنة العصور الماضية حين ادّعوا صراحة بأنهم مسؤولون عن الضمير البشري، وعما يدور في أذهان الناس عندهم.