كيف تعامل العرب مع الأقباط في العصور الإسلامية؟

تناولت المؤرِّخة في هذا الكتاب العلاقة بين الدولة والكنيسة ومؤسّساتها وعلاقتها بالمواطنين، وعلاقة الجانبين الإسلامي والمسيحي على المستوى الشعبي والإنساني.

رصدت المؤرِّخة حال الضعف التي كانت تعيشها مصر قُبيل الفتح العربي

أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتّاب حديثاً، كتاباً تحت عنوان "قبطي في عصرٍ إسلامي" للدكتورة زبيدة محمّد عطا. وهذا الكتاب من الكُتب التي تمّت مناقشتها في ندوة كاتب وكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب العام الماضي، والذي يُعدّ كتاباً مهماً يؤصّل للعلاقة بين المسيحيين والمسلميين في العصور الإسلامية، ونموذجاً لكتابة تاريخية أقرب للموضوعية والحيادية في تناول موضوع مهم يجرى تشويهه في الوقت الحالي بالإعتماد على زاوية واحدة للحقيقة التاريخية لأغراض سياسية.

وترجع أهمية هذا الكتاب لأنه كتاب أكاديمي من مؤرِّخة استخدمت فيه منهج البحث التاريخي المُعتمِد على مصادر متنوّعة للوصول للحقيقة التاريخية، حيث سعت الكاتبة خلال دراستها إلى الاعتماد على المصدرين الإسلامي والمسيحي على حدٍ سواء، وكلاهما يعرض لوجهة نظر أحياناً تكون تصويراً للواقع وأحياناً رواياتها تحتاج لمراجعة، فهي تعكس وجهة نظر شخصية ربما نبعت من دافعٍ ديني أو سياسي لتأكيد وجهة نظر ومنظور صاحبها للأحداث وتفسيره لها، وهي تحتاج إلى مراجعة، فهناك مصادر كتبت وعبّرت عن وجهات نظر تجاه غير المسلمين أو أهل الذمّة كالتعبير المُتعارَف آنذاك، حملت فكراً مُتشدّداً ربما لطبيعة ومفهوم تلك الفترة ومفهوم العصور الوسطى.

حيث ظهرت في العصور الوسطى مجموعة من المفاهيم  مثل دار الإسلام في مقابل دار الكفر، وكان يظهر أن أقطاراً عديدة يجمعها مفهوم الخلافة الإسلامية الذي لم يكن حكماً دينياً خالصاً، بل كان مدنياً في جوهره فكانت الخلافة الفاطمية فيها  وزراء يهود أسلموا كيعقوب بن كلس وكبار موظفيهم من المسيحيين واليهود، والخلافة العباسية استعانت بعناصر غير عربية كالفرس مثل (أبومسلم الخرساني والبرامكة ثم جاء البويهيون الشيعة والسلاجقة الأتراك فهم عناصر غير عربية لكن دخولهم في الإسلام جعل لهم شرعيّة وكانت الخلافات على العرش صراعاً سياسياً في جوهره لا دينياً، حتى الظاهر بيبرس بعد سقوط الخلافة العباسية على يد المغول  1258م 656هـ) بحث عن رجل ينتسب إلى الخلافة العباسية ليكسب الشرعية رغم أن هذا الخليفة الذي عيّنه وهو أبو أحمد كان مشكوكاً في نَسَبه وفقاً لمؤرّخي العصر، ولم تكن له سلطة فعلية حتى في العصر الحديث، فلقد اتهم أحمد عرابي قائد الثورة العرابية بأنه خارج على الخلافة العثمانية وهو ما دفع وطنياً متحمّساً مثل مصطفي كامل لتأييد الخلافة العثمانية رغم أنهم ليسوا عرباً بل أنهم أتراك، أي أن مفهوم الوطن كان يخضع لمفهومٍ ديني وليس قومي فلم تظهر القومية إلا في العصور المُعاصِرة.

ورصدت المؤرِّخة حال الضعف التي كانت تعيشها مصر قُبيل الفتح العربي حيث كانت بيزنطة غير قادرة على حماية مصر، حيث وصلت إلى مرحلة الشيخوخة ما يوضح حجم القوات المحدودة للفتح العربي  والتي تراوحت بين أربعة آلاف إلى ستة عشر ألفاً، والتي لم تستطع بيزنطة الصمود أمامها. واعتمدت المؤرِّخة على المصادر الإسلامية أهمّها إبن عبدالحكم الذي دوَّن كتابة بعد الفتح بثلاثة قرون، والمصادر القبطية والتي كانت قريبة من الحدث مثل كتاب يوحنا النقيوسي رجل الدين المسيحي الذي يبعد عن فتح مصر بثلاثين عاماً، وثمة مصادر أخرى اعتمدت عليها الكاتبة وهي المصادر البيزنطية مثل كتاب نقفور وثيوفانيس تُمثّل صوَراً ثلاثيّة الأبعاد تكمل بعضها البعض لتعطينا صورة أقرب للواقع التاريخي والحقيقة التاريخية.

فلا بد من دراسة العصر بثقافته وآلياته ليس بثقافتنا المعاصرة، فمثلاً المؤرِّخ ستانلي تساءل كيف أن المصريين اشتروا عبيداً ليحكموهم (المماليك) والذين اعتبرهم بعض مؤرّخى عصرهم أمراء مصريين. ووضّحت المؤرِّخة  وجود بعض الكتابات المُتطرّفة عن علاقة الأقباط بالمسلمين لمؤرِّخين مسلمين ورجال دين اعتبروا أن ما عدا دار الإسلام دار كفر، وتسبّبت في إثارة العامة تجاه الآخر، وعلى النقيض  يرى بعض المسيحيين أن الأقباط هم العنصر المصري الخالِص ويردّ ميلاد حنا في كتابة (الأعمدة السبعة للشخصية المصرية) ذكر أن الحديث عن النقاء العرقي المصري هو حديث سخيف وغير معقول لأن الواقع يدحضه، فلا يوجد قوم يزعمون أنهم سلالة نقيّة للفراعنة كما لايوجد مَن يزعم أنه يحمل دماء عربية نقيّة أو أنه تركي لحماً ودماً، ذابت تلك العناصر التي دخلت في ظروفٍ مختلفةٍ وامتزجت فتولّدت الشخصية المصرية تحمل ملامح أو خلفيات مختلفة أو انتماءات من هنا وهناك.

فمن الأقباط أشخاص ببشرة ناصِعة البياض وعيون شديدة الزرقة والخضار والشعر الذهبي، فمن أين إلا من الزواج مع الفرنسيين أو مع العائلات المسيحية التي هاجرت من الشام ومنهم من لديه بشرة سمراء وتقاطيع فرعونية في العائلة الواحدة. وتناولت المؤرِّخة طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط من الفتح إلى دخول العثمانيين ، فذكرت أن  لها خصائص معيّنة فكانت في عمومها  علاقات ودّية واشتراك في احتفالات الأعياد والحفاظ على التقاليد المشتركة.

فقد ذكر المقريزي وإبن الحاج مشاركة المسلمين في أعياد المسيحيين فعيد النيروز كان يختار أميراً من العامة وتجري فيه مظاهر عديدة، وغالبية من شارك كان من المسلمين، وخميس العهد يُسمَّى أيضاً خميس العدس، كان المسيحيون يهدون المسلمين العدس والأطعمة، وكذلك في شمّ النسيم وفي عصر الإخشيد كان ينزل المسلمون إلى الماء ويغطسون فيه مع المسيحيين اعتقتاداً منهم بأنه شفاء من المرض.

وأوضحت الدراسة كيفية انتشار الإسلام واللغة العربية في مصر وكيف أصبحت الفُسطاط عاصمة عربية ومعاهدة الفتح العربي وما أعطته من حقوق للمسيحيين، وتركتهم في أعمالهم الإدارية ثم عملية امتزاج واختلاط الأنساب بالزواج بين العرب والمصريين، فأصبح التمييز صعباً بين مَن كان من أصولٍ عربيةٍ خالصةٍ أو مَن كان من أصولٍ عربيةٍ مصريةٍ.

وتناولت المؤرِّخة في هذا الكتاب العلاقة بين الدولة والكنيسة ومؤسّساتها وعلاقتها بالمواطنين، وعلاقة الجانبين الإسلامي والمسيحي على المستوى الشعبي والإنساني، وذكرت ثورة البشمور (المسيحيين) والتي كانت ثورة مسلّحة ضدّ التعسّف الضريبي لا ضدّ الإسلام. وتناولت وثائق سانت كاترين وأهميتها وما وثّقته من أحداث مثل العلاقة بين الحكّام والمسلمين من جهة والأقباط من جهةٍ أخرى ودور الأقباط في الصناعة والتجارة، ومدى التحامهم بالمجتمع الاقتصادي الإسلامي. تتميّز الدراسة بمحاولة رؤية الحقيقة كما هي بموضوعيةٍ وحياديةٍ بعيداً عن الأهواء الشخصية والدوافع السياسية.