خضر شري يستكشف روابط الانسان والمحيطات

يفتح المعرض جدلاً في العلاقة العميقة التي غالباً ما لا تُعطى الاهتمام اللازم بين البشر والبحر، ومع البيئة بصورة عامة، وهذا التفاعل هو اندماج حميم تتلاقى فيه الذات الجسدية مع اتساع المحيط في تجربة أبعد من التعبير اللفظي المباشر.

استضاف غاليري "أرت ديستريكت" في الجميزة في بيروت، معرض صور للفنان اللبناني- الأميركي خضر شري الذي قدم رؤية فلسفية ربطت بين المحيط والواقع، بعنوان "محيط الصور".

والصور ملتقطة في مياه المحيط، منها ما هو على السطح، ومنها ما هو في الأعماق، تعكس هول المياه، وحركتها، وتربط بين الانسان والكون، وتفتح آفاقاً جديدة عبر المحيط.

ويصف شري المحيط من خلال مشاهداته بالجبار أحياناً، ويعطي معانٍ لحركة البحر، والمياه والأمواج، مستلهماً منها أبعاداً فلسفية، أحياناً، وتصورات تجمع بين المتخيّل، وقد يكون مخيفاً، والواقع الذي يمكن أن يكون متوتراً، فيدعو إلى الهدوء عبر صوره التي يمكن وصفها بالتعبيرية البصرية.  

ليست رائجة فكرة التصوير تحت الماء، وليست سهلة، لكنها تظهر جمالاً غير مرتقب في التفاعل مع المياه، بقوتها، وجبروتها، غير أنها تستدعي طاقات وقناعات تفترض التحضير والتهيئة والامكانات والتطوير الذاتي على مختلف المستويات.

في ظروف التصوير الفوتوغرافي تحت الماء التي لا يمكن التنبؤ بها، تتوقع حساسية المصوّر للإيقاعات الطبيعية، مما يسمح له بالتقاط صور يتردد صداها على المستوى الشعوري، وتثير المشاعر العميقة المرتبطة بأعماق المحيط. 

بدأ خضر شري، الذي تخرج من الجامعة اللبنانية في بيروت، حياته المهنية كفني أفلام وأصبح في النهاية يعمل في مجال الطباعة، وقد شملت تجربته تعاوناً وثيقاً مع مصورين عالميين مثل هيرب ريتس وآني ليبوفيتز، وتوسّعت خبرته إلى مجالات مرتبطة بالتصوير، منها، في عصر التقانة، التنقيح الرقمي، وتنسيق الأعمال للمعارض، والمتاحف المعروفة. 

ويركّز شري في ممارسته للتصوير على عنصر "الحدس"، مفسحاً المجال إلى الترابط العميق مع العالم المحيط بالانسان.

أما البصيرة فهي عنصر مرتبط بــ"الحدس"، يتّخذها شري ركيزة محورية في عملية التصوير الفوتوغرافي. فهي وفق مفهومه، طاقة فطرية للتكيّف مع البيئة بصورة عامة، ومع الماء في سعيه للتفاعل مع المحيط، وممارسة التصوير تحت الماء، ويساعده هذا الإحساس في التقاط اللحظات العابرة التي تجسد التفاعل الديناميكي بين الحياة البحرية ومواطن مخلوقاتها.

كثيراً ما يعطي الفنانون أبعاداً فكرية لحركتهم الفنية ويربطونها بهواياتهم وميولهم العاطفية، ومتى غاص الفنان في ممارسة هذه الميول بدأت تتفاعل فيه العلاقة بين نفسه ومحيطه.

ولا يخرج شري عن هذه المعادلة، لذلك تراه يفتح حواراً بين المحيطات الشاسعة والمشاعر الإنسانية، وتتجاوز هذه العلاقة مجرد الملاحظة باعتبارها ارتباطاً تعكس فيه المياه أفكار الفنان الداخلية وتؤثر عليها.

من خلال الترابط العاطفي بين الفنان المصوّر وعدسته من جهة، والمحيط المائي الهائل من جهة ثانية، يصبح الفنان أو الانسان رسولاً للمحيط، ويدعو المشاهدين إلى استكشاف علاقتهم به، وبالعالم الطبيعي على مستوى أعمق، وما صور الجمال الحركي للجسد تحت الماء إلّا انعكاساً للتفاعل المعقّد بين الأحاسيس البشرية والبيئة. 

هكذا، يفتح المعرض جدلاً في العلاقة العميقة التي غالباً ما لا تُعطى الاهتمام اللازم بين البشر والبحر، ومع البيئة بصورة عامة، وهذا التفاعل هو اندماج حميم تتلاقى فيه الذات الجسدية مع اتساع المحيط في تجربة أبعد من التعبير اللفظي المباشر.

كما يسلط معرض شري الضوء على أهمية الحفاظ على البيئة، ويوضح كم أن التصوير الفوتوغرافي تحت الماء بتحدياته وجمالياته الفريدة، يظهر نافذة على المناطق المجهولة على الأرض، والصور التي يلتقطها المصور هي بمثابة جسر بين المعلوم والمجهول، حيث تقدم لمحة نادرة عن الأعماق التي تتطلب غالباً ما يطرح الانسان تساؤلات عن ماهيتها ومخلوقاتها ومواصفاتها والحياة فيها بصورة عامة.

من جهة ثانية، يطرح المعرض إشكالية القوة التحويليّة الكامنة للتصوير الفوتوغرافي، وقدرته على ربط الانسان بشكل أعمق ببيئته من خلال العالم الساحر وغير المستكشف تحت الأمواج. 

وكتب الفنان شري على صفحاته على مواقع التواصل أن "العلاقة بين البشر والماء علاقة عميقة، وعندما نتعامل بشكل كامل مع الامتداد الهائل للبحر، يحدث شيء رائع. في تلك اللحظة، تندمج كائناتنا الجسدية مع جوهر المحيط، مما يؤدي إلى لقاء استثنائي وقوي يتجاوز التعبير اللفظي".

وأضاف: "إنني أرى هذه العلاقة بمثابة مثال مؤثر على الترابط بين جميع الكائنات الحية وأهمية تقييم بيئتنا وحمايتها. إنها مواجهة متواضعة تعمل بمثابة تذكير بمكانتنا ضمن النسيج الأوسع للوجود".

ودعا شري للمضيّ في الاستماع إلى "توجيهاتنا الداخلية - الحدس - ونسمح لأنفسنا بأن يحملنا تيار الحياة العالمي، لأن احتضان أفكارنا الجامحة وغير المقيدة يسمح لنا باستكشاف أفكار جديدة والتفكير خارج الأطر المعلّبة"، قبل أن يختم بتنويه إلى إن "الإبداع يزدهر عندما نعزز جانبنا الخياليّ، وقدرتنا على التركيز، والتنفيذ، فمن خلال صقل عقولنا الجامحة، وأعيننا المنضبطة، يمكننا حقاً إطلاق العنان لإمكاناتنا الإبداعية الكاملة".