فؤاد المرعي مترجماً وباحثاً ومدرّساً

يُذكر اسمه في الموسوعة التاريخية لأعلام حلب، وضمن أعلام التاريخ السوري المعاصر.. من هو فؤاد المرعي؟

سخّر السوري فؤاد المرعي (1938 - 2022) حياته للتدريس والنقد والبحث الجمالي والترجمة عن الروسية، وارتبط اسمه بجامعة حلب، سواء في العلاقة بها كصرح أكاديمي أو في العلاقة بطلابه الكثيرين، وقد أشرف على عشرات من الدراسات العليا.

يُذكر اسم المرعي في الموسوعة التاريخية لأعلام حلب، وضمن أعلام التاريخ السوري المعاصر، معلّماً أكاديمياً وناقداً ومترجماً وباحثاً جمالياً.

موجز حياةٍ هائلة 

عُرِف عن المرعي تخصصه بالأدب الروسي، موفَداً من قبل "الجمهورية العربية المتحدة" إلى موسكو. قبل ذلك، كان المرعي قد تنقّل في طفولته، بعد أن وُلِد في تلكلخ، بين مدن سورية كثيرة، مثل صافيتا، جبلة، طرطوس، اللاذقية، الحسكة.

نال الكفاءة بمعدل جيد جداً، وانتقل للتدريس في دار المعلمين، ثم انتقل معلّماً إلى دير الزور. بعد حصوله على البكالوريا بمعدل ممتاز، أوفد إلى موسكو لدراسة الأدب الروسي، كما تقول طالبتاه علياء الداية و بتول دارو في حديث إلى "الميادين الثقافية"، وهما المسؤولتان عن صفحة عبر "فيسبوك" تحمل اسمه، تُنشر فيها بعض أعماله وترجماته، بالشراكة مع ابنته دانيا المرعي.

في روسيا، حصل المرعي على إجازة في اللغة الروسية وآدابها من جامعة لومونوسوف الحكومية في موسكو عام 1964، ثم نال الدبلوم من الجامعة نفسها والعام نفسه عن أطروحة بعنوان "المرأة في مجتمع الأبلوموفيين" تناولت صور المرأة في أعمال الروائيين الروس في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

انتظر فؤاد المرعي حتى العام 1973 لينال الدكتوراه في الأدب باختصاص النقد الأدبي الروسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من جامعة لومونوسوف، كما يُذكر في "التاريخ السوري المعاصر" عن أطروحة بعنوان "تصنيف الأدب الروسي في القرن التاسع عشر في أعمال الديمقراطيين الروس".

حين عاد إلى حلب، عُيّن في كلية الآداب في جامعتها، في قسم اللغة العربية، من 1976 حتى 1978. تسلم المرعي وكيلاً علمياً للكلية في بضع دورات متوالية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مع بقائه أستاذاً في كلية الآداب، ومشرفاً على عشرات رسائل الماجستير (تُقدر بـ 26 أطروحة) والدكتوراه (تُقدّر ب 10 أطروحات) حتى تقاعده. 

شارك المرعي كذلك في مؤتمرات وندوات وملتقيات عديدة، نذكر منها: الملتقى الثاني للشعر العربي القديم في جامعة كيمبردج عام 1985، وشارك في بحث "ملامح البطولة في الشعر العربي قبل الإسلام". وشارك كذلك في الملتقى الثاني للرابطة العربية للأدب المقارن في جامعة دمشق عام 1986، وكان عنوان بحثه "في نظرية الأدب المقارن".

كما شارك في مؤتمري النقد الأدبي الثاني والثالث في جامعة اليرموك بالأردن عامي 1988 و1989، في بحثين عنوانهما: "الأسلوبية، حوار في النظرية والتطبيق" و "في العلاقة بين المبدع والنص والمتلقي".

الترجمات 

لا يمكن ذكر كافة ترجمات المرعي لكثرتها، إذ ترجم عن الروسية عشرات الكتب بدءاً من سبعينيات القرن الماضي. تتوزع الترجمات بين الأدب (آخرها ترجمته لرائعة دوستويفسكي الجريمة والعقاب عن دار ذات السلاسل الكويتية 2020)، والسياسة وعلم الاجتماع والنقد الأدبي وعلم الجمال.

كما ترجم أطروحة الدكتوراه للمخرج السوري الراحل فواز الساجر "ستانسلافسكي والمسرح العربي"، التي أحدثت منعطفاً في تاريخ الإخراج المسرحي السوري.

استمر المرعي في الترجمة منذ السبعينيات حتى أيامه الأخيرة، إذ ترجم هذه السنة رواية الحديقة لمارينا ستيبانوفا، عن "دار ثقافة للنشر والتوزيع" في أبو ظبي. 

باحث في الجمال

  • فؤاد المرعي
    فؤاد المرعي

يذكر سعد الدين كليب في دراسته "الوعي الجمالي في سوريا، فؤاد المرعي نموذجاً" أنّ المرعي يعدّ واحداً من أهم المشتغلين بالبحث الجمالي العربي، ولا سيما السوري منه، في النصف الثاني من القرن العشرين. إنه واحد من 4، إليهم يعود الفضل في لفت النظر إلى علم الجمال وأهميته التنظيرية والتطبيقية، في الحقل الأكاديمي السوري خاصة، والثقافي عامة. أما الثلاثة الآخرون فهم عبد الكريم اليافي، ونايف بلّوز، وعفيف بهنسي.

احتلّ علم الجمال حيزاً أساسياً من اهتمام المرعي، على الصعيدين الأكاديمي والثقافي. كما خصص المرعي لهذا البحث، غير الترجمات، كتابين هما "الجمال والجلال – دراسة في المقولات الجمالية" و"الوعي الجمالي عند العرب قبل الإسلام".

جاء الكتاب الأول بوصفه مرجعاً لطلاب الدراسات الجمالية العليا، في جامعة حلب، أما الكتاب الثاني، فجاء بحثاً علمياً في جامعة أكستر في بريطانيا.

عبر الدراسات والكتب الأخرى التي أصدرها، استطاع المرعي كما تقول طالبته شهلا العجيلي، توليد آراء جديدة في أصول الشعر العربيّ ونشأته، وفي الوعي الجماليّ عند العرب، وفي المفاهيم الجماليّة، وفي نشأة الفنون الحديثة، وفي تكوين الشعور القوميّ العربيّ، وفي صناعة أيديولوجيا التنوير في سوريا الكبرى.

إلى جانب ذلك، فإنّ علاقته المعرفيّة والوثيقة بتراث الإنسانيّة، جعلته من أشدّ المتمسّكين بالحداثة، ما حيّر كثيراً من التأصيليّين من حوله، الذين عجزوا عن فهم فكرة انتمائه.

نذكر من كتبه: "مبادئ النقد ونظرية الأدب"، عن جامعة حلب 1990 "في اللغة والتفكير"، عن دار المدى 2002 "دراسات في الحضارة العربية الإسلامية"، عن دار نون 2006 "نظرية الشعر في الأدب الأوروبي القديم"، عن دار المركز الثقافي، دمشق 2007، "بحوث نظرية في الأدب والفن"، عن وزارة الثقافة 2008" "جبران خليل جبران"، عن مركز دراسات الوحدة العربية 2012، "المدخل إلى الآداب الأوروبية، عن عالم الأدب 2016.

كان رحيل فؤاد المرعي يوم الاثنين الماضي مفجعاً لطلبته ومحبّيه وقرائه. كتب الناقد أحمد الحسن الذي كان من طلابه: "..ولم يكن الدكتور المرعي حريصاً في محاضراته على خلق نسخ له، أو مريدين متبنّين لمنهجه النقديّ؛ بل كان يحرص على الحوار الخلّاق مع طلابه، وكان يناقشهم بحرية، مؤمناً بحقّهم في الاختلاف معه حتى العظم؛ وهكذا فسح لهم في المجال كي يكتبوا بحرية كاملة، وكان يشجّعهم على الاختلاف معه في القضايا النقدية التي يثيرها".

كما تنتظر طالبة المرعي بتول دارو، نشر بحثها "نظرية الأدب لدى فؤاد مرعي" في مجلة بحوث جامعة حلب، كبابٍ مفتوح لمزيد من الكتابات والدراسات في رجلٍ غزير لا يمكن حصره.