هل نجحت الدراما النسائية في النصف الثاني من رمضان؟

شهد رمضان 2023 ظهور مسلسلات تعالج قضايا نسائية، فهل نجحت هذه الأعمال الدرامية في الوصول إلى أهدافها؟ أم غرقت في الأسلوب الخطابي؟

شهر رمضان هو موسم المنافسة الدرامية، بحيث يتبارى الفنانون/الفنانات من كل الجنسيات في اختيار أفضل سيناريو يستطيعون من خلاله الظهور للجمهور، على نحو قد يكون أحياناً مرة واحدة في العام خلال هذا الشهر. لكن في الأعوام الأخيرة، ظهرت "موضة" جديدة، وهي دراما الحلقات الـ 15، لتتبايم الموازين الدرامية كل أسبوعين من رمضان.

وفي رمضان العام الحالي، 2023، كانت الدراما التي تقودها نساء هي البطل خلال النصف الثاني، ونجح بعض الأعمال في جذب الجمهور إليه، وخصوصاً بعد انتظار هذه المسلسلات من قبل بداية الشهر، منذ الإعلان بشأنها باكراً.

إقرأ أيضاً: هل دورا عمياء؟ تعرّف على أشهر الشخصيات الكرتونية

النساء "يقلبن المعادلة"

قبل بداية رمضان، كان الجدال محتدماً بشأن عدد من المسلسلات من بطولة نساء، منها مسلسل "حضرة العمدة" للفنانة روبي، والذي يحكي قصة سيدة تشغل لأول مرة في قريتها منصب "العمدة". لكن كثيراً من الجدال كان بشأن الأسلوب الخطابي في المسلسل، الذي قام بتأليفه الكاتب إبراهيم عيسى. أمّا مسلسل "ستهم"، من بطولة روجينا، فيحكي قصة سيدة تضطر إلى التنكّر في زي الرجال والعمل لإعالة عائلتها، وهي قصة حقيقية لسيدة من الأقصر، تدعى "صيصة"، تنكّرت في زي الرجال مدة 40 عاماً، لكن المقارنة لم تكن في مصلحة "ستهم"، وجاء العمل مخيّباً لآمال الكثيرين.

بسبب ذلك، كانت دراما الرجال تتفوق، فأصبح في الصدارة "جعفر العمدة" لمحمد رمضان و"بابا المجال" لمصطفى شعبان. وعلى استحياء، كانت دراما الشباب تجذب قطاعاً من الجمهور، مثل مسلسل "الهرشة السابعة"، قبل أن يأتي النصف الثاني من رمضان، بحيث أصبح الجمهور المصري على موعد مع دراما مغايرة، كانت أيضاً مثاراً للجدل قبل عرضها، مثل مسلسل "تحت الوصاية" من بطولة منى زكي، التي طالها الهجوم فور إعلان بوستر المسلسل في آذار/مارس الماضي، ومسلسل "جت سليمة"، من بطولة دنيا سمير غانم، التي تصدَّرت التريند منذ بداية عرض الحلقات حتى اليوم، ومسلسل "تغيير جو" من بطولة منة شلبي، ومسلسل "تلت التلاتة" من بطولة غادة عبد الرازق.

دراما متأرجحة بين المتوسط والضعيف

  • روى تاج الدين
    روى تاج الدين

تقول الناقدة الفنية أروى تاج الدين لـ "الميادين الثقافية" إن الموسم الرمضاني، ككل، سواء في نصفه الأول أو الثاني، وسواء كانت بطولة نسائية أو رجالية، يتسم بالتأرجح بين المتوسط والضعيف على المستوى الفني، إذ يدور في أغلبه حول حكايات مكررة ومعالجات كلاشيهية لا تقدم جديداً أو شيئاً مغايراً، على المستوى الفني. ولم ينجُ من هذا الوضع المتردي سوى مسلسل "تحت الوصاية"، الذي يتطرق إلى قضية اجتماعية مهمة، ويقدمها عبر معالجة جديدة ومن دون افتعال أو خطابة، من خلال بناء قوي ومتماسك وإخراج متقن. 

مشكلات النساء في مصر باتت تجذب قطاعاً من الجمهور، وخصوصاً النساء، نجح ذلك العام الماضي مع مسلسل "فاتن أمل حربي" من بطولة نيللي كريم، ونجح ذلك هذا العام مع "تحت الوصاية".

وترى تاج الدين أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذه الدراما تتطرق إلى قضايا اجتماعية حرجة، تعانيها شريحة اجتماعية ضخمة، الأمر الذي يؤدي إلى تماهي الناس، الذين يعانون هذه المشاكل، مع أبطال هذه المسلسلات، لأنهم يرون فيها انعكاساً لهم ولحياتهم عبر الشاشة. 

وأضافت تاج الدين أنه ليس مجرد نجاح هذه الأعمال فقط هو ما يدفع صنّاع الدراما إلى صنع مسلسلات من هذا النوع، لكن أيضاً لأن الاتجاه العام أصبح يميل إلى التماس مع الواقع وتشريحه ومحاولة تحليله وفهمه. وأبرز مثال على ذلك هو ورشة "سرد" - التي تشرف عليها مريم نعوم -، التي قدمت خلال الأعوام الماضية عدداً من الأعمال الدرامية، التي تهتم بصورة خاصة بالأسرة المصرية وأزماتها. 

بالطبع، لم تنجح كل الدراما النسائية هذا الموسم، والأمر يعود إلى سببين، وفقاً للناقدة أروى تاج الدين، التي ترجح أن السبب الأول هو أن هذه المسلسلات ليست من بطولة نجوم جاذبين للمتفرج. فالمشاهد العادي في الغالب يبحث عن مسلسل نجمه المفضل، بغض النظر عن الموضوع، ثم ينفعل بالموضوع إذا أعجبه. وروبي وروجينا ليستا من النجوم الجاذبين، مثل نيللي كريم العام الماضي، أو منى زكي هذا العام. أمّا السبب الثاني بالطبع فهو الجودة الفنية، فالكلاشيهية والتكرار وإلقاء الخطب الرنانة، من دون الوضع في الاعتبار نسج حكاية جاذبة، تؤثر بالتأكيد في اجتذاب الجمهور إلى مثل هذه الأعمال.

الدراما النسائية غير مضمونة الربح

  • منار خالد
    منار خالد

من جهتها، ترى الناقدة الفنية منار خالد أنه ظهر، في النصف الثاني من رمضان، مسلسلان فقط من بطولة نسائية، هما "تغيير جو" و"تحت الوصاية"، مضيفة أن هناك فارقاً بين الأعمال النسائية والأعمال النسوية، فالأولى هي التي تكون من صنعة النساء، وليست بالضرورة أن تتحدث عنهن، مثل مسلسل "تغيير جو"، فهو عمل بطلته سيدة – منة شلبي- ومخرجته سيدة - مريم أبو عوف -. ومع ذلك، لا يتطرق إلى إشكالية نسوية، بل يعرض دراما تبنى على أزمة لسيدة بصفتها شخصية درامية فحسب.

وتَعُدّ خالد أن مسلسل "تحت الوصاية"، على الرغم من كونه من بطولة ممثلة سيدة ومن إخراج رجل – محمد شاكر خضير -، فإنه يتطرق إلى إشكالية نسوية بامتياز، لأنه يهتم بالدراما أولاً، ويعي دوره كعمل درامي قبل أي شيء.

تختلف خالد مع تاج الدين في أنها لا ترى أن مسلسل العام الماضي "فاتن أمل حربي" نجح في جذب المشاهدين، بسبب ضعف السيناريو – إبراهيم عيسى -. وبالمقارنة مع "تحت الوصاية"، هذا العام، فنحن أمام نموذج عن شكل الكتابة النسوية التي لا تتفوق فيها القضية على الدراما، بل تتضافر في داخلها، ليقدّم العمل "حدوتة" (قصة) فيها أحداث ودوافع وصراعات متضمنة قضية، وليس كما حدث في "فاتن أمل حربي"، حيث القضية تتصدر المشهد. وكل ما يُكتب يُكتب لخدمة القضية، فتخرج لنا شخصيات بلا دوافع ومنمطة وباهتة.

ربما نجح "فاتن أمل حربي"، العام الماضي، في جذب جمهور من النساء اللاتي وجدن أنفسهن في أحداثه، وخصوصاً المطلقات، كما حدث هذا العام مع "تحت الوصاية"، بحيث لامس الكثير منهن، وخصوصاً الأرامل، اللاتي يصادفن عراقيل قانونية واجتماعية كثيرة تحول دون تربيتهن أبناءهن بصورة صحيحة، ومن دون مشاكل. ونتيجة لتأثير المسلسل، أعلنت النائبة البرلمانية، ريهام عفيفي، أنها ستقدم مقترَحاً إلى البرلمان من أجل إجراء تعديلات على قانون الولاية على المال، والصادر منذ خمسينيات القرن الماضي، والذي يعوّق وصايةَ كثير من الأمهات والأرامل على الأولاد بعد وفاة الزوج، ويضع الأمر في يد العم أو الجد. 

وترى خالد أن الدراما التي تستهدف المشكلات النسائية تنجح إذا كانت مكتوبة بحرفية بصفتها دراما أولاً، فالمُشاهد لا يهتم بالتصنيف بقدر ما يهتم بالحكاية. وحتى أصحاب الرأي النسوي هم في الأساس مشاهدون، وإذا لم تقنعهم الحكاية فإنهم لن يستطيعوا إكمال متابعة المشاهدة.

واختتمت خالد حديثها قائلة إن المبدع، بصفته فناناً، عليه إنتاج الفن كفن، ثم يقوم الفن بدوره كيفما يستقبله المجتمع والمشاهدون، لكن التركيز على التغيير يزيد في المباشرة والخطابية، مستشهدة بمسلسل "حضرة العمدة"، الذي اهتم بالخطابية المباشرة، ونسي أن يرسم شخصيات لها دوافع، ليتحول العمل إلى مناظرات على لسان المؤلف، وليس عملاً درامياً.