بعد ألبير قصيري ... هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»

فلسَف "الكسل" ورأى أن الملكية تجعلنا عبيداً ... من هو ألبير قصيري؟ ومن تأثّر به؟

  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    ألبير قصيري
  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    ألبير قصيري
  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    ألبير قصيري
  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    ألبير قصيري

لم يعمل طيلة حياته، فهو لم ير أحداً من أفراد عائلته يعمل، الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضي والأملاك. أما هو فعاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول: "حين نملك في الشرق ما يكفي لنعيش منه؛ لا نعود لنعمل، بخلاف أوروبا التي حين تملك ملايين تستمر في العمل لتكسب أكثر".

ظل ألبير قصيري، الذي حلّت ذكرى وفاته الحادية عشر في 22حزيران/يونيو، معتنقاً تلك الفلسفة، حتى عرف بها. فهو صاحب "فلسفة الكسل" عاش 94 عاماً؛ لكنه لم يكتب خلالها سوى 10 أعمال أدبية. صحيح أنه وصل بها إلى قمة المجد الأدبي، لكنه عدد قليل جداً إذا ما قورن بعمره الطويل (1913 - 2008).

لم يقتصر الكسل في حياة «فولتير النيل» على كتاباته. فقد طالت حياته الشخصية. حتى أنه عاش طوال حياته في فرنسا، في الغرفة رقم 58 في فندق (لا لويزيان) في باريس، وتحديداً منذ العام 1945 وحتى وفاته. اختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملّك، فقد أمضى حياته لا يملك سيارة أو جهاز كمبيوتر، قائلاً"الملكية هي التي تجعل منك عبداً".

عاش قصيري رافضاً الواقع، هارباً إلى الكتب التي اعتبرها عالمه الحقيقي، فحسبما قال في حوار له: "أنا أقولها في شجاعة وفخر، يوجد الواقع، والذي هو الغموض الذي يعيشه العالم، وهناك واقعنا الخاص"، مشيراً إلى أن ذلك هو سبب مجيء كل شخصيات رواياته رافضة واقع الطغاة: "الحياة بسيطة جداً، لكن الناس هم من يعقدون كل شيء. أنا أعيش في الفندق فقط، لا تعقيد في حياتي".

لم يكن ألبير قصيري أناركياً، بل، حسب وصفه، فوضوياً سلمياً. ويعني ذلك أنه ليس لديه أية علاقة بهذا العالم، "لكن هناك بعض العظماء ينبغي الوفاء لهم". قد لا يكون قصيري أناركياً، ولكن ما لا يختلف عليه أحد، أنه الكسول الأول في العالم، إلا أنه ليس الأخير. فهناك من الكتاب مَن يتبنون ولو جزءاً بسيطاً من فلسفته وإيمانه بالكسل، أو بالأحرى رفض العمل.

من هؤلاء، الشاعر المصري عبد المنعم رمضان، الذي يؤكّد للميادين الثقافية أن تجربته جاءت منذ فترة مبكرة، بالتحديد منذ أيام الجامعة، عندما قرأ كتاب سلامة موسى «هؤلاء علّموني» لتستوقفه أغلب شخصيات الكتاب، إلا أن أكثرهم تأثيراً كان هنري ثورو، وهو أميركي له كتاب عنوانه «والدن: وحي الغابة» يحكي فيه تجربته مع العمل والحياة.

وتابع: "اكتشف هنري أن الإنسان المعاصر يعمل تقريباً 5 أيام في الأسبوع ويرتاح، أو بلغة أخرى، يعيش يومين، ورأى أن هذه المعادلة مقلوبة، فجعلها كالتالي: أن تعمل يومين وتعيش 5 أيام، وقرّر أن يخوض التجربة بنفسه، وذهب إلى الغابة، في النهاية فشلت تجربته لكنها تركت ذلك الأثر الذي يصعب أن يزول، أو ذلك السؤال "نعيش لنعمل أم نعمل لنعيش؟" ولأن الإجابة البديهية الوحيدة هي أن نعمل لنعيش؛ لزم أن نستنتج أن وقت الحياة لا بد أن يكون أطول، "فخمسة أيام للحياة ويومين للعمل".

يشير صاحب «متاهة الإسكافي» إلى أن هنري ثورو غرس "ميكروبه" ذلك في قلبه، وأصابه بمرض الحياة، لذا يعتقد أن هذا المرض لازمه فترة بعد أن عمل، فترة عمرها 12 عاماً؛ "بعدها قررت أن أعيد تجربة هنري، تركت العمل وتفرّغت للحياة". لا ينكر الشاعر الستيني أن بعض الظروف ساعدته على اتخاذ ذلك القرار، ولا ينكر أيضاً أن انعدام هذه الظروف كان يمكن أن يؤخّره عن اتخاذ هذا القرار.

وبشأن رؤيته لفلسفة ألبير قصيري في الكسل، فيؤكد رمضان أن هنري ثورو لا يشبه من قريب أو بعيد ألبير قصيري، إذ يرى أن قصيري "لم ينشغل بسؤال العمل والحياة، ألبير من البداية انتصر للكسل، نشيد هنري ثورو في مديح الحياة، أما نشيد ألبير قصيري فقد كان في مديح الكسل، وهما طريقان مختلفان".

من «هؤلاء علموني» جاءت إلى عبد المنعم رمضان فكرته. فكان سلامة موسى وهنري ثورو هما معلماه الأولان. فهل يسعى صاحب «متاهة الإسكافي» إلى نقل فكرته إلى أجيال أخرى؟

يقول "لا أعتقد أن الإنسان يستريح عندما يواجه نفسه طوال الوقت، العمل هو أيضاً هرب من مواجهة النفس طوال الوقت، لكن الكتابة والفن أحياناً تلزم بطريق العذاب هذا، أن تواجه نفسك طوال الوقت، وهذه ليست نصيحة لأحد، هذا قرار يتخذه من يقدر عليه".

في نهاية كلامه يشير رمضان إلى أن ثورو ذهب إلى الغابة لكي يعمل يوماً ويحيا بقية الأيام، إلا أن تجربته باءت بالفشل، لكن رمضان تشبث بهذا الحلم، والذي يؤكد فشله فيه أيضاً، فهو الآن، حسب قوله، "فقير وغني، فقير إلى المال، وغني بوقتي، الذي أقرأ فيه وأكتب وأستمتع بالحياة".

"الإنسان يجب ألا يعمل"

  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    هنري ثورو
  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    عبد المنعم رمضان
  • بعد ألبير قصيري ...  هؤلاء أيضاً يفضلون «الكسل»
    محسن الرملي

أيضاً الروائي والمترجم العراقي محسن الرملي، نقل عنه الكاتب المصري أحمد مجدي همام، في كتابه «تقارير إلى سارة» قوله في جلسة خاصة: "الإنسان يجب ألا يعمل، العمل للحيوانات والآلات فقط، أما الإنسان فيكفيه أن يسرح في الحياة ليتأمل وينهل من المسرات!". ويذكر همام للميادين الثقافية أن كلمات الرملي جاءت في جلسة خاصة، عندما شرع في الذهاب إلى النوم ليستيقظ صباحاً للعمل، حينها قال الرملي كلمته.

أما بشأن رأي مجدي همام في ما قاله الروائي العراقي يضيف: "بالطبع لا أطيق العمل، ولا أقبل عليه إلا مضطراً، فهو لا يقدّم لي إلا ميزة واحدة متمثلة في الدخل، وفي المقابل ينتزع الإنسان – بالأحرى النوع الذي أنتمي إليه من البشر – من سلامه النفسي، وكسله، ورغبته في الاستلقاء في الظل والتأمّل، أو القراءة، أو السياحة الثقافية، وارتياد المتاحف والغاليريات ودور السينما والمتاحف والمعالم الأثرية والسياحية".

وتابع: "ينتزعك من طبيعتك ويجبرك على التفاعل وفقاً لشروط لا تشبهك، كقوانين صارمة ومدراء متعسفين وزملاء غيورين ومستعدين ليطعنوك في الظهر من دون أن يرفّ لأحدهم جفن".

واختتم قائلاً: لذلك أحببت مقولة محسن الرملي، وحسدت ألبير قصيري لأنه عاش كما أراد، ولخص فلسفته تلك في جملة: "الثروة الحقيقية هي أن تستطيع العيش بلا عمل".