فيلم "على الخط" يدافع عن الإذاعة بطريقته الخاصة

من خلال العديد من الخدع والصدمات البصرية، ينجح فيلم "على الخط" في تشويق المشاهد والاحتفاظ بانتباهه، داعياً بذلك إلى الخروج من التقليدية في المحطات الإذاعية.

  • بطل الفيلم ميل غيبسون في أحد مشاهده
    بطل الفيلم ميل غيبسون في أحد مشاهده

يلعب فيلم "على الخط" (ON THE LINE)، لمؤلفه ومخرجه روموالدو بولنغر، على شد أعصاب المتفرجين إلى الحد الأقصى، ويسعى ما استطاع لإبقائهم في حالة ترقُّب لما سيحصل، حتى أنه يجعل الخاتمة هي الذروة الدرامية الأعلى، ولو كانت على شكل قنبلة تنسف جميع ما قبلها.

يبدأ الشريط السينمائي، الذي يُعرض الآن في صالات "سينما سيتي" بدمشق، بكاميرا مقلوبة لجثة تقطر دماً، لا نلبث أن نكتشف بعد اعتدال زاوية التصوير أنها شخصية إلفيس (ميل غيبسون) وهو يحكي حكاية ما قبل النوم لطفلته، بواسطة دميتين صغيرتين، وما الدَّم الذي رأيناه قبل قليل سوى بضع قطرات انسكبت من كأس للتوت البري، وتستمر مماثلات هذه الصدمة البصرية في السيناريو لتشكِّل المحرك الأساسي للتشويق والغرابة في الآن ذاته.

فبعد أن يذهب إلفيس إلى عمله، وهو مقدِّم برنامج إذاعي مُخصص للحديث مع المؤرَّقين والاستماع إلى همومهم، يلتقي في مدخل بناء الإذاعة مع شاب مصاب بالفصام ويعتقد أنه المسيح الذي سيخلص العالم، لكنه في الوقت عينه يبحث عن الشهرة من خلال برنامج إلفيس، لكن الأخير ينصحه باللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً ووصولاً إلى الجمهور.

يتصاعد التوتر الذي يصيب المذيع في بداية فترة عمله، من خلال صراعه مع زميله جوستين (كيفين ديلون)، الذي يتهم إلفيس بأنه راغب بالاستئثار ببرنامجه، ثم بتوبيخ مديرته سام دوبوس (نادية فارس) لتراجع متابعي البرنامج الذي يقدمه، وعدم استفادته مما يُعرض على "التيك توك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت أكثر جاذبيةً من الإذاعة.

نجح ميل غيبسون بالاستئثار بانتباهنا منذ اللحظة الأولى، بصوته الرخيم، وجاذبيته في تقمص شخصيته والانتقال بها من حالة حنان الأب والزوج، إلى الاستهتار وعدم المبالاة بكل الانتقادات في مكان العمل، واستخدام الظُّرْف لمواجهتها وتخطّيها، ثم الانتقال إلى مستوى أعلى من الأداء، عندما يقع أسيراً لمكالمة من متصل غامض اسمه غاري (بول سبيرا)، اختطف زوجته وابنته وهدَّدَه بأنه سيقتلهما وسيُفجِّر مبنى الإذاعة بالكامل إن لم يذعن لمطالبه السادية.

مرةً يطلب منه أن يرمي نفسه من على سطح البناء، وأخرى بأن يقتل زميله الذي يسرق أجهزة الحاسوب من المستودع، وثالثة بأن يعترف بعلاقته مع شريكته في البرنامج ومنتجته (عليا سيرور أونيل)، وكل ذلك على الهواء مباشرةً، بحجة الانتقام منه لفظاظته في التعامل مع منتجة برنامجه السابقة، التي انتحرت بعد أزمة نفسية ألمَّت بها.

وسط هذه الأجواء من شدّة التوتر، تبدأ لعبة البحث عن المجرم الذي يعرف كل تحركات إلفيس ومُرافقه، مخرج البرنامج الإذاعي ديلان (وليام موسلي)، ضمن المبنى الذي بات بمثابة سجن ممنوع الخروج منه، لا سيّما بعد حوادث القتل المتتالية لرجل أمن الإذاعة، ثم جيستين ولص الكمبيوترات، وزاد من إحكام المصيدة التي نفذها غاري المتفجرات التي زرعها في كل مكان، واستخدامه لكاميرا الدرون، وولوجه إلى كاميرات المبنى كاملةً.

وبعد انخراط المذيع ومرافقه الشاب بلعبة القطة والفأر، ينجح إلفيس بالوصول إلى غاري في غرفة الاستوديو، بعد أن أوثق رباط منتجة البرنامج وزميلها. لكن الخوف من تفجير المبنى بالكامل يعيد اللعبة إلى أولها من الرضوخ إلى مطالب المجرم، ومنها إلباسه سترتين مليئتين بالمتفجرات، بعد أن تم خلعهما من ابنة إلفيس وزوجته اللتان لم يظهرا البتّة بعد المشهد الأول، وبعد الرُّعب الذي اعترى ديلان يتبيَّن أن الأحزمة الناسفة مُجرَّد ديكور، وأن الأمر برمَّته هو مزحة يقوم بها غاري الشهير جداً على برنامج "التيك توك" وله ملايين المتابعين.

وإمعاناً في الإثارة، وبعد الارتياح الذي شعر به إلفيس خاصةً أن عائلته بخير، نراه مع الآخرين يتوجهون إلى ديلان بالاعتذار، والمفاجأة أنه يرفض الانخراط في اللعبة، وخلال اندفاع الجميع لتهدئته يتعثر ويسقط من على الدرج ويصدم رأسه بأحد الأنابيب الضخمة ويموت.

هنا تتصاعد الدراما إلى أقصاها مع إحساس إلفيس بالندم على وفاة ذاك الشاب اليانع. وأثناء تسهيل هروبه من قبل مديرة المحطة الإذاعية، يستمع المذيع على الهواء مباشرةً إلى أن موت ديلان أيضاً كان إتماماً للعبة، وكل ذلك لم يكن سوى احتفاء بعيد ميلاده، ويظهر الجميع فرحين بما فيهم الموتى المفترضون، ليعدهم إلفيس بالقصاص منهم في المرات القادمة.   

وعلى الرغم من أنه في الكثير من مفاصل الفيلم كنا نشعر بأن هناك خللاً ما، إلا أن ذلك لم يمنع من المتابعة حتى نهاية الدقيقة الـ95 منه، إذ كان الترقب سيد الموقف، وهو ما بناه بولنغر بعناية، مع اتكائه على كاستينغ مميز، وبين فداحة الموت وسهولة الحياة، استطاع الشريط الاحتفاء على طريقته الخاصة بالإذاعة، موجِّهاً أصابع الانتقاد للتقليديين في تقليل حيويتها، وضرورة تلقيحها بمفرزات مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، لتحافظ على ألقها المنشود، وكي لا تبقى خارج العصر.

وكأن هذا الفيلم الذي أنتجته "سابان فيلمز" (Saban Films)، هو رسالة من الفن السابع إلى غيره من وسائل الإعلام، لمجاراة الزمن وعدم الارتهان للثوابت الكلاسيكية في التعاطي مع مختلف المواضيع، واقتراف ما يشبه جريمة بحق كل ما لا يؤدي إلى حيويتها وراهنيتها وتثبيت مكانتها الأثيرة في قلوب المؤرَّقين والمكدورين.