الدول العربية في الوثائق البريطانية

يظهر الكتاب أهمية النفط لدى بريطانيا من خلال تعليماتها للموظفين السياسيين. كما أن جميع شركات النفط التي حصلت على امتيازات في الخليج مرتبطة باتفاقات سياسية مع بريطانيا.

كتاب "من نافذة السفارة: العرب في ضوء الوثائق البريطامية" للباحث نجدة فتحي صفوة

شكلت المنطقة العربية قاعدة لبريطانيا على مر التاريخ. لم تكن لتكتمل الامبراطورية التي لم تغب عنها الشمس لولا السيطرة على بلاد العرب، والتواجد في منطقة تشكل ممر هام لبريطانيا داخل هذه الامبراطورية. تعاملت بريطانيا مع البلاد العربية تعامل السيد مع العامل ولم تنظر إلى هذه المنطقة الاستراتيجية إلى من منظار النفوذ والمصلحة.

 "ارتبطت مصالح بريطانيا بالمنطقة التي صارت تعرف بالشرق الأوسط منذ أواخر القرن الثامن عشر، وقد تغيرت طبيعة تلك المصالح من وقت لآخر، ودارت حول محاور مختلفة اقتضتها التغيرات التي طرأت على العلاقات الدولية، وتوازن القوى بين الدول الكبرى. وكان المحور الرئيسي خلال معظم هذه الفترة هو الهند.

لذلك كانت سياسة بريطانيا تحاول على الدوام إحاطة الهند بحلقة من الدول العازلة، فكانت تهتم بالحفاظ على كيان الدولة العثمانية وإيران، للحيلولة دون أي توسع يستهدف الهند من جانب الإمبراطورية الروسية أو غيرها. ولم تتخلَ بريطانيا عن سياستها التقليدية في إسناد الدولة العثمانية إلا بعد أن انحازت الأخيرة إلى الدول المركزية في الحرب العالمية الأولى". هذا ما يشير اليه الكاتب نجدة فتحي صفوة في كتابه "من نافذة السفارة العرب في ضوء الوثائق البريطانية" والذي يستعرض من خلال الوثائق البريطانية نظرة المملكة المتحدة للدول العربية.

شكّل النفط حافزاً كبيراً لبريطانيا في المنطقة العربية، فبعد اكتشاف النفط أصبحت للمنطقة أهمية مباشرة خاصة بها، لا بسبب منطقة أخرى، أو لوقوعها في طريق الهند، حتى قيل في حينه إن حدود بريطانيا لم تعد تنتهي في نهر الراين، بل إنها تمتد إلى الشرق الأدنى.

وقد تغيرت الصورة بعد الحرب العالمية الأولى وكانت القواعد البريطانية في الشرق الأدنى ذات قيمة استراتيجية لتمكينها بريطانيا من مواجهة أكثر المهاجمين احتمالاً في ذلك الوقت، أي ايطاليا. وقد تغيرت الصورة مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، فلم تعد احتمالات الهجوم تأتي من إيطاليا وفق ما يشير الكاتب، بل انتقل مصدر التهديد من وجهة نظر بريطانيا إلى الاتحاد السوفياتي. كما انتقل محور الدفاع البريطاني الذي كان يشمل البحر المتوسط فقط، إلى محور جديد أطول، يسير في خط منحنٍ يبدأ باليونان في الشمال الغربي، ويستدير نحو العراق والأردن والسعودية وعدن، ودول افريقيا الجنوبية.

تتحدث إحدى الوثائق البريطانية التي يعرضها الكتاب، والصادرة عن مكتب الشرق الأوسط البريطاني في 13 تموز يوليو 1945، عن المصلحة الاستراتيجية لبريطانيا في الشرق الأوسط، والأهمية التجارية بالسيطرة على المنطقة التي تصل طرق العالم.

وكان المكتب يتحدث عن انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل دائم، وكان لا بد من إعادة النظر في المعاهدات مع الدول العربية، وعلى رأسها مصر والأردن، وكذلك المعاهدة مع العراق. وقد سمى التقرير الدول العربية بـ(الدول الناطقة باللغة العربية)، مشيراً إلى أن "إسرائيل" وأماني العرب الخاصة داخل العالم العربي تأتي في المقدمة مع النقمة على الاستعمار وعلى الغرب.

 

موقف بريطانيا من الوحدة العربية

كأي قوة مستعمرة، كان يهم بريطانيا أن تعيش الدول التي تدخل في معاهدات معها بطريقة لا تثور شعوبها عليها، وذلك لاستمرار سلطانها على هذه الدول من خلال شرذمتها وحتى إن اجتمعت في هيكلية اتحاد.

ويتطرق الكاتب في الفصل الثاني إلى موقف بريطانيا من الوحدة العربية، فقد أصبحت الحدود التي رسمها الأجنبي على خريطة الوطن العربي وفقاً لمصالحه لا مصالح سكان البلاد، ثابتة مع الأسف، وكلما مر عليها الزمن ازدادت رسوخاً، وتكّون لكل دولة منها طابعها الخاص، ولحكام كل منها مصالحه وطموحه، حتى أصبح الحديث عن الوحدة العربية تهديداً لاستقلال تلك الدول، وتعرضاً لكيانها.

لقد وجدت بريطانيا سنة 1940 أن قيام جامعة الدول العربية يدعم نفوذها في البلاد العربية ويتفق مع مصالحها، فشجّعت قيامتها وباركته. وهناك تقرير أعدته وزارة الخارجية البريطاينة سنة 1933 عن موقف بريطانيا من الوحدة العربية، وهي وثيقة خطيرة ونموذج صارخ لكيفية اتخاذ الدول الكبرى مواقفها من قضايا الأمم الأخرى من زاوية مصالحها وحدها. لقد أعد هذا التقرير المستر جورج رندل، رئيس الدائرة الشرقية في وزارة الخارجية البريطانية في ذلك الوقت، بمناسبة زيارة رسمية كان الملك فيصل الأول، ملك العراق، يعتزم القيام بها إلى إنكلترا بدعوة من الملك جورج الخامس.

تبدأ المذكرة بشرح مفهوم الوحدة العربية وفق الفهم البريطاني، فتقول إنها "لا بد أن تعني الاتحاد بين دول ذات حكم ذاتي، بين كل الأقاليم العثمانية حيث يؤلف العرب الأكثرية الساحقة بين سكانها". هذه الوثيقة تبيّن من خلال تحديد من يجب أن يدخل في الوحدة العربية، كأنها جمعية أو نادٍ، وفق ما يراه الكاتب، وبأن بريطانيا هي من تضع شروط العضوية.

وتشير الوثيقة إلى أن أهم التطورات اللاحقة تمثلت في تولي ابن سعود للسلطة واستيلائه على القسم الأعظم من الجزيرة العربية، بما في ذلك مملكة الحجاز. وتضيف أن المنافسة العائلية بين الهاشميين والسعوديين تكاد تجعل من غير الممكن قيام أي ائتلاف وثيق أو عضوي بين المناطق التي يحتلها كل منهما. وتشير إلى أنه من المستحيل ان تدعم بريطانيا أي من المجموعتين.

  

موقف بريطانيا من جامعة الدول العربية

الملك السعودي عبد العزيز آل سعود
لم يعد سراً من الأسرار أن موقف الحكومة البريطانية من تأسيس جامعة الدول العربية كان منذ البداية موقف التشجيع والتأييد. وليس من المستغرب بل من الطبيعي جداً، أن يكون هذا الموقف صادراً عن منطلق الحرص على المصالح البريطانية أكثر منه حباً للعرب ورغبةً في تحقيق أمانيهم القومية.

وحين أدلى المستر أنطوني وزير خارجية بريطانيا، بتصريحه الذي قال فيه "إن الحكومة البريطانية ستنظر بعين العطف إلى أي محاولة من جانب أصدقائنا العرب لتحقيق وحدة اقتصادية واجتماعية بل وسياسية أيضاً.."، كان بمثابة الضوء الأخضر خاصةً بالنسبة للدول العربية التي كان بعضها لا يزال مرتبطاً ببريطانيا بمعاهدات تحالف تقيد تصرفاته الخارجية.

وفي هذا الصدد أشار الملك عبدالله إلى الجامعة العربية في مذكراته بالقول إن "الجامعة العربية صوت فات به نوري باشا السعيد، وتلقفه مصطفى النحاس باشا، وأيده مستر انطوني إيدن. فهو جراب أدخلت فيه سبعة رؤوس، اليمن والعراق والشام ولبنان ومصر وشرقي الأردن بسرعة عجيبة، وظن الغريب الراضي عن هذه الجامعة أنها ستكون خير أداة لدوام الانتدابات ودوام الأحكام العهدية".

وفي برقية أرسلها اللورد كيلرن، السفير البريطاني في القاهرة، الذي كان يمارس أوسع نفوذ في أكبر دولة عربية، قال فيها: "ازدادت المنافسات القديمة بين الدول العربية حدة خلال المناقشات التي أسفرت عن وضع ميثاق الجامعة العربية. وفي هذه المنافسات دخلت مصر عصراً جديداً. وقد أصبحت المنافسات بين مصر والعراق على الوحدة العربية واضحة منذ بداية المناقشات".

ورد الخارجية البريطانية على اللورد كيلرن بحسب ما يكشف الكتاب بالقول: "لقد عقد العراق الآن معاهدة الأخوة العربية مع المملكة العربية السعودية ومصر سوريا، إذ يستطيع هو أيضاً أن ينضم إليها إذا شاء. وقد تبين أن معاهدة الأخوة العربية في الواقع ليست كبيرة الأهمية في العلاقة بين هذه الأقطار. كما أنه ليس من المحتمل أن تؤدي المعاهدة المقترحة بين مصر والسعودية وسوريا إلى نتائج أكبر إذا ما عقدت أصلاً".

وأضافت "أغلب الظن أن مشاعر الغيرة التي تظهرها الدول العربية في هذه الأيام المبكرة من محاولاتها لإيجاد أسس التعاون، ستكون سريعة الزوال، وسيكون من الخطأ إدخال تعديلات مستمرة على السياسة، أو تبني سياسات جديدة لمواجهتها".

ويعلق الباحث ن صفوة في كتابه على ذلك بالقول: "لقد كانت الوحدة العربية مطلباً قومياً عربياً منذ انشقاق فجر النهضة العربية الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر، ثم استقلال عدد من الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى،وعدد آخر منها بعد الحرب العالمية الثانية. وقد شهدت الدول العربية، في حقب مختلفة من تاريخها الحديث محاولات شتى للاتحاد، اتخذت اشكالاً مختلفة، وجاءت بدوافع متنوعة، وحققت درجات متفاوتة من النجاح. وكانت بريطانيا في تلك الفترة لا تزال تقوم بدور مهم في أحداث المنطقة خلال قيام الوحدتين المصرية – السورية والعراقية –الأردنية، لذلك فإن الوثائق البريطانية تؤلف مصدراً مهماً في تاريخها، يلقي كثيراً من الأضواء على الأحداث التي رافقتها".

يقول انطوني إيدن الذي يعتبر من خبراء بريطانيا في الشؤون العربية، في رسالة إلى وزير الخارجية انذاك سلوين لويد بتاريخ 9/7/1956: "أعتقد أن الخطر الرئيسي الذي يواجهنا الآن قد يكمن في القومية العربية التي تكتسح الشرق الأوسط بأجمعه. والمفتاح هنا مرة أخرى هو العراق".

 

 

محاولة اغتيال عبد الناصر

جنود بريطانيون في إحدى دول الخليج العربية
لا تنفصل الوثائق البريطانية عن الترابط فيما بينها، وربط الأحداث بين منطقة وأخرى، لاسيّما ما كان يتعلق بالوحدة العربية وشؤونها، وإن كان لكل سفارة دورها في نقل أحداث كل منطقة على حدة، حيث تطرقت هذه الوثائق إلى كل حدث عربي.

ففي مساء 26 تشرين الثاني/أكتوبر 1954، بينما كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يخطب في اجتماع جماهيري في الإسكندرية، وكان الخطاب يُنقل بالراديو، سمعت أصوات عيارات نارية عدة استهدفت عبد الناصر ولكنها أخطأته. وألقي القبض على أربعة شبان ظهر أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين التي قرر مجلس قيادة الثورة حلّها. وشكّل مجلس قيادة الثورة محكمة خاصة برئاسة قائد الجناح جمال سالم، لمحاكمة محمود عبد اللطيف الذي قام بمحاولة الاغتيال. وقد أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة سلسلة من البرقيات بمناسبة هذه الحادثة، كما زودت حكومتها بتقرير مفصل عن سير المحاكمات التي انتهت بإصدار أحكام الإعدام على القائمين بالمحاولة.

تقول إحدى برقيات القائم بأعمال السفارة البريطانية في القاهرة إلى وزارة الخارجية، ورقمها 1611 بتاريخ 27 تشرين الأول أكتوبر 1954، "ليست هنالك دلائل على أن المحاولة زعزعت معنويات نظام الحكم، وأن عبد الناصر سيخرج من الأزمة بمزيد من الثقة بالنفس، ومع ذلك فإن الإجراءات التي اتخذها نظام الحكم كانت ظاهرة للعيان جيداً خلال النهار، والوضع كان هادئاً في القاهرة".

لقد تطرقت الوثائق البريطانية أيضاً إلى أحداث العراق عام 1953 وقد كتب السفير البريطاني في بغداد السير جون تراوتبك، في نهاية عام 1953، تقريره السنوي الذي رأى فيه أن عام 1953 سيذكر في العراق لسببين اثنين هما: الأول ارتقاء الملك فيصل الثاني عرش العراق، وتسلّمه سلطاته الدستورية، بعد وصاية دامت أربعة عشر عاماً، والثاني تأليف أول حكومة في العراق ذات طراز جديد، وخلفية جديدة، ويريد بها الحكومة التي ألفها الدكتور محمد فاضل الجمالي. كما سجّل السفير في تقريره أن تلك السنة شهدت تصاعداً يلفت النظر في النزعات اليسارية والشيوعية في العراق.

 

العلاقات الأردنية ـ البريطانية

كانت الأنظمة العربية تؤيد بريطانيا وتعتبرها حليفاً أساسياً، وكان الأردن نموذج لذلك، وفيما كانت الشعوب العربية تتجه نحو القومية، كانت أنظمتها متماهية مع بريطانيا لحفظ عروشها، ففي سنة 1954 كان الوضع الداخلي في المملكة الأردنية الهاشمية، يمر بفترة انتقال مهمة، والعلاقات البريطنية الأردنية، تشهد تحولاً خطيراً بعد اغتيال الملك عبد الله، وتنحي الملك طلال، وبداية عهد الملك حسين الذي تولى العرش بدلاً من والده وهو في التاسعة عشرة من عمره.

يقول السفير البريطاني في الأردن انذاك جارلز ديوك في 27 أغسطس آب 1954 في رسالة وسمت بالسرية إلى وزير الخارجية أنطوني إيدن إن "أكثر ما يثير الأهتمام في الأردن بالنسبة لشخص بريطاني، في ما أظن، هو الجو المؤيد لبريطانيا بصورة عامة. وهناك نكهة بريطانية قوية في كل مكان". لكن مع ذلك يقول أيضاً: "ومع كل حسن النية نحو البريطانيين، فهناك روح قومية قوية وواسعة تسيطر على جميع الطبقات المثقفة في المجتمع، وهي ليست مقتصرة بأي وجه من الوجوه على المتطرفين أو الطلاب غير المتزنين، وجديرة بالاعتبار الجدي. وهذا ما يبيّن أن الروح القومية موجودة لدى الشعب الأردني وكذلك الشعوب العربية، إنما المشكلة تكمن في الأنظمة التي كانت متماهية مع بريطانيا".

 

سوريا مع الشيشكلي

مع حلول عام 1954، كان الوضع السياسي في سوريا قد بلغ حده الأقصى من التوتر، وكان الاستياء من الشيشكلي وحكمه قد ساد أوساط المدنيين وانتشر في صفوف الجيش، كما كان ينتشر السوس في بناء ضخم، وينخره من الداخل، فلا يبقى من البناء سوى هيكل خارجي تكفي لتقويضه صدمة بسيطة، هذا ما يقوله الكاتب.

في إحدى الوثائق من السفارة البريطانية في بيروت، إلى وزارة الخارجية البريطانية، في الأول من آذار مارس 1954، تطرقت الوثيقة إلى زيارة قام بها الزعيم اللبناني الدرزي كمال جنبلاط إلى المستر سكوت، مشيرةً إلى أن جنبلاط تحدث عن أحداث سوريا آنذاك وأنه وغيره من الدروز يفكرون في القيام بمغامرة عسكرية. وقال إن الشيشكلي لديه قوة تقدر بـ 15000 في دمشق وحولها، وهم ليسوا مخلصين له جميعاً بأي حال من الأحوال.

وتظهر الوثائق البريطانية كيف تشدق بعض السياسيين اللبنانيين بالدعم الأميركي، ففي 9 حزيران يونيو 1954، قال السفير البريطاني في بيروت، تشابمان، في رسالة إلى وزير الخارجية، إنه ظهرت بوادر سارة تدل على اتجاه أكثر واقعية في الشؤون الخارجية من جانب عدد من السياسيين اللبنانيين الرئيسيين. وكانت فكرة المعونة العسكرية والاقتصادية الأميركية إلى الدول العربية قد رحب بها عدد من المعلقين الذين كانوا معروفين بآرائهم القومية وبالتالي المعادية للغرب.

  
 

الأوضاع في السعودية

الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يعلن تأميم قناة السويس
لم تغفل الوثائق البريطانية، عن الأوضاع في السعودية، نظراً لما لها من أهمية بالنسبة للمملكة، لقد توفي الملك عبد العزيز بن سعود، في تشرين الأول أكتوبر سنة 1953، فخلفه على العرش ابنه الأكبر الأمير سعود الذي كان ولياً للعهد. وكان ارتقاء سعود عرش أبيه أول انتقال في العرش يتم في المملكة العربية السعودية منذ قيامها كدولة بشكلها الجديد الذي أسسه الملك عبد العزيز.

وقد أشار السفير البريطاني كلينتن بلهام وهو من قدامى موظفي وزارة الخارجية البريطانية، في تقرير له في 28/ آذار 1954 وهو تقرير سريّ إلى بعض التيارات التي تسود سياسة حكامها. "لقد قيل إن السعوديين ليس لهم نيات ثابتة، بل مجرد شكوك وتحيّزات وكراهيات فقط، وهو لا يعكس نواقص السعوديين بقدر ما يعكس جهلنا بالطريقة التي تعمل بها عقولهم".

وقال السفير آنذاك إن "الملك سعود يعتزم كلياً الاحتفاظ بالسلطة المطلقة التي كانت لدى والده". وقد نقل عن عبد الله بلخير، السكرتير الخاص الرئيسي للملك، قوله إن "حوالي ثماني مجموعات أو تسع تكونت في حاشية الملك، وكل منها يناضل لأجل السلطة". وهذا ما يبيّن مدى الصراع منذ القدم على السلطة في السعودية.

وفي وثيقة أخرى بتاريخ 9 كانون الثاني يناير 1954، يشرح بها المستر بلهام لوزارة الخارجية، العلاقات الأميركية - السعودية، يقول فيها إن السياسة الحالية لحكومة الولايات المتحدة الأميركية هي إدامة اهتمامها ومصالحها في هذا البلد وزيادتها، لأسباب استراتيجية وكذلك لحماية إنتاج النفط. فالنفط هو الحافز الأساسي للمصالح الغربية في السعودية.

ويشير بلهام الى قول السفير الأميركي ودزورث حول تشكيل جيش سعودي، قائلاً إن الخطة العامة لتأسيس الجيش السعودي حتى الآن هي أن يتضمن ثلاثة ألوية قوام كل منها 5000 رجل، كان يتم تدريب 5000 في الطائف، و1500 في المركز العسكري الكبير في الخارج.

 

أسلوب التعامل مع حكام الخليج

لا ينفصل حديث بريطانيا حول الدول العربية عن الخليج الذي كان الثقل بالنسبة إليها، فقد دخلت بريطانيا الخليج في أوائل القرن السابع عشر، وحرصت منذ ذلك الوقت على إدامة نفوذها في هذه المنطقة التي كانت حيوية بالنسبة لها بسبب أهميتها التجارية. كما كانت جزءاً أساسياً في نظام دفاعها عن الهند. وكانت المشيخات العربية على الساحل الغربي من الخليج حتى استقلالها، ترتبط مع بريطانيا بمعاهدات تعهدت فيها بريطانيا بحمايتها لقاء بعض الامتيازات التي تحصل عليها. وكان الإشراف السياسي البريطاني على منطقة الخليج العربي بواسطة مقيم سياسي بريطاني يرتبط إدارياً بنائب الملك في الهند. وكان يتبع المقيم السياسي موظفون سياسيون في عواصم أقطار الخليج، وفق ما يشير إليه الكتاب.

في 13 مايو أيار 1950 وجه المقيم السياسي البريطاني في الخليج، وكان مقره في البحرين، كتاباً إلى وزارة الخارجية أبدى فيه أن معظم موظفي الخدمة الخارجية الذين يأتون إلى منطقة الخليج ليست لديهم خبرة في التعامل مع حكام الخليج، ويقدم مسودة يقترحها للتعليمات التي يجب أن تصدر إلى الموظفين السياسيين في المنطقة.

وتظهر في الوثيقة نظرة المقيم السياسي إلى حكام الخليج، وكيفية تصوّره تقاليدهم وعاداتهم، وتعطي فكرة عن طبيعة الاتصالات التي ترغب الحكومة البريطانية في أن تسود بينها وبين حكام الخليج.

وتتبين أهمية النفط لدى بريطانيا، من خلال تعليماته للموظفين السياسيين، حيث يقول إنه في حالة المشيخات التي تحصل على عائدات النفط، ينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تخصيص الحاكم قسماً معتدلاً من وارداته لتحسين الإدارة في دولته وتنمية مصادر الثروة فيها. وكذلك يقول في بند آخر إن حكام الخليج تعهدوا جميعاً بعدم منح امتيازات لاستخراج المعادن من دون موافقة حكومة بريطانيا. كما أن جميع شركات النفط التي حصلت على امتيازات في الخليج مرتبطة باتفاقات سياسية مع بريطانيا.