المسار التاريخي للإسلام السياسي في تركيا

يسبر الكتاب أغوار المسارات التاريخية لنشوء الإسلام السياسي في تركيا مع التركيز على عوامل سيطرته مؤخراً.

كتاب "الإسلام السياسي في تركيا"

يحاول الباحث التركي عبد الله مناز، في كتابه "الإسلام السياسي في تركيا" الإجابة على تساؤل رئيسي فحواه؛ "كيف انتشر وهيمن فكر الإسلام السياسي في تركيا؟"

وإلى جانب هذا التساؤل، يهدف الكاتب من خلال كتابه الإجابة عن أسئلة فرعية عدة أهمها:

ـ ما هي الأسس التاريخية لفكر الإسلام السياسي في تركيا؟

ـ كيف تبلورت سياسات الحكومات التركية المتتالية حيال ملف انتشار الإسلام السياسي؟

ـ ما هي الجماعات الدينية الفاعلة في تركيا؟

ـ ما هو مستقبل الإسلام السياسي في تركيا؟

يستند الكاتب إلى أسلوب السرد التاريخي التحليلي مع ارتكاز واضح للأسلوب الوصفي المعتمد على استقراء الوقائع بتفاصيل مُعمقة.

ويستهل مناز حديثه بالتعريج على نشوء فكر الإسلام السياسي في تركيا، مشدداً على أنه بالرغم من تشابه عوامل نشوء الإسلام السياسي في تركيا والدول الإسلامية الأخرى، إلا أن كل دولة تتمتع بصفات وحالات خاصة بها حول سيرورة نشوء الفكر المذكور فيها.

وعن الجذور النظرية لفكر الإسلام السياسي في تركيا، يرى الكاتب أنه من الصائب إرجاع هذه الجذور إلى حقبة السنوات الأولى من تاريخ الجمهورية التركية، تحديداً مع إلغاء مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، للخلافة، وتخلّيه عن الأحكام الشرعية والاتجاه نحو تطبيق القوانين المدنية.

وفيما يتعلق بالمراحل التاريخية لتطور هذا الفكر، يوضح الكاتب أن الدولة العثمانية، وفقاً لعدد من المؤرخين، مرت بستة مراحل:

1ـ مرحلة التأسيس "1300 ـ 1453".

2ـ مرحلة الصعود "1453 ـ 1579".

3ـ مرحلة الركود "1579 ـ 1683".

4ـ مرحلة الانحطاط، والتمزق، والانهيار مجتمعة "1683 ـ 1920".

وخلال المراحل الأخيرة، تكونت أفكار سياسية واجتماعية عدة تبحث عن أسباب الانهيار والتخلف الحضاري، وفيما رأى بعض المفكرين، في تلك الحقبة، أن تطبيق الأسس الحضارية الغربية هو الحل، وجد البعض الآخر الحل في إعادة إحياء المبادئ والتعاليم الدينية.

وُيشير الكاتب إلى أن المفكر التركي يوسف أكتشورة، هو أول من تحدث عن نظريات الإسلام السياسي في كتابه "ثلاثة مناهج سياسية"، مبيناً أن أكتشورة أوضح في كتابه أن عجز فكر "العثمانية الشابة أو الجديدة" الداعي إلى الحفاظ على الدولة العثمانية من خلال منح مواطنيها، مسلمين ومسيحيين، حقوقاً قريبة للتساوي، عن لم شمل المواطنين الأتراك، أدى إلى ظهور ثلاثة أفكار هي؛ فكر الإسلام السياسي، وفكر "التحضر" المائل للغرب، وفكر "القومية التركية".

ومع تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك، تم تبنّي فكري "التحضر" و"القومية التركية"، بغية محاكة التطور الحاصل في العالم، ومجابهة الأفكار القومية المنتشرة حول العالم، ولا سيما في إيطاليا وألمانيا.

وانطلاقاً من إيمانه بنجاعة الحكم الجمهوري، ألغى أتاتورك السلطنة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1922، وبعد إعلان الجمهورية في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1923، أزال الخلافة في 3 آذار/مارس 1924.

وإلى جانب هذا العامل الذي لعب دوراً أساسياً في بلورة فكر الإسلام السياسي الحديث في تركيا، قام أتاتورك بإنتاج عامل آخر يساهم في توسيع مساحة نشوء الإسلام السياسي من خلال إلغاء مؤسسة "شيخ الإسلام" التي كانت تحدد السياسات العامة للدولة من خلال الفتاوى الشرعية، وتحويل الآذان من العربية إلى التركية عام 1932، وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1925، أغلق أتاتورك التكايا والتُرب ومقار الجماعات الدينية.

وإيماناً بضرورة سرد نصوص دينية تضارع الفكر الجمهوري العلماني، تم تأسيس "رئاسة الأوقاف الدينية"، إلا أن انشغال "الرئاسة" بتنظيم موسم الحج، وتنظيم المشاكل المُتعلقة بموظفيها من أئمة وخطباء، أحالها دون القيام بالدور المُناط بها بشكلٍ تام. وهذا ما أدى إلى تراجع دورها الديني المجتمعي في مقابل تنامي دور الجماعات الدينية، وجماعة إسكندر باشا التي خرج من كنفها نجم الدين أربكان وتورغوت أوزال، ومن ثم رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو وغيرهم، وجماعة أرانكوي التي تؤيد حزب العدالة والتنمية، وجماعة المنزل التي تعتبر الحضن الرحيب للقوميين الأتراك، والتي لا تزال على عهدها في انتخاب حزب الحركة القومية. وتتبنى هذه الجماعات بالعادة النهج النقشنبدي أو النوري أو القادري الصوفي.

ولمواجهة هذا الدور المتنامي، عمدت رئاسة الأوقاف إلى طباعة 352 كتاباً حتى عام 1950 فقط.

وهنا يصبح التساؤل الأكثر إلحاحاً هو؛ كيف لمؤسسة يعمل موظفوها من أجل الراتب، أن تتفوق على جماعات دينية ترسخت في جذور المجتمع التركي، وتتبنى خطة التمدد وكسب أكبر عدد ممكن من المواطنين كهدف ومبدأ حياة؟

فترة الفوضى أو "الحرب الداخلية"

كانت فترة الفوضى أو "الحرب الداخلية" التي مرت بها تركيا خلال سبعينات القرن الماضي، بيئة مناسبة لفاعلية الجماعات الدينية دونما مراقبة صارمة من حكومات تلك الحقبة، والتي غاصت في حيثيات الأزمتين الاقتصادية والسياسية. وطبقاً لبرنامج دعم التيارات الدينية المجابهة للتمدد الشيوعي اليساري، تنفست الجماعات الدينية في تركيا الصعداء، مطلع الثمانينات وحتى عام 1997، وأخذت بالانتشار.

وعقب انقلاب 28 شباط/فبراير 1997، طالبت الحكومات المتتالية، والعاملة تحت الوصاية العسكرية، رئاسة الأوقاف بطرح طروحات حداثية تجابه طروحات الجماعات الإسلامية "الرجعية". ويشير الكاتب إلى أن 105 بروفسور شريعة إسلامية اجتمع في إسطنبول في 18 أيار/مايو 2002، مصدرين وُثيقة عُرفت باسم "وثيقة الحداثة الدينية"، وكان الهدف منها تحديد الخطوط الأساسية للشريعة الإسلامية في تركيا، بغرض محاربة أي تيار ديني آخر يتبنى فكراً مغايراً للفكر الديني الرسمي الذي تتبناه الدولة.

وبالوصول إلى الأسباب التي شكلت مناخاً مناسباً لتمدد التيارات الدينية في تركيا، وخوضها في غمار السياسة، يبدأ الكاتب بالإشارة إلى وصول الحزب الديمقراطي عام 1950 إلى سدة الحكم، كسبب أساسي لذلك، إذ يُظهره الباحث كعامل "باعث"، وبمثابة "نقطة التحول" لنشاط هذه الجماعات، موضحاً أن الأحزاب المنافسة لحزب الشعب الجمهوري ـ الحزب الذي أسسه أتاتورك ـ اعتمدت في حملاتها السياسية دوماً على التيارات الدينية التي تتصف، في إطارها العام، بالصوفية.

ويبيّن الكاتب أن الحزب الديمقراطي "1950 ـ 1960"، خاطب الغريزة الدينية لدى المواطنين المقربين من التيارات الدينية عبر منحهم كماً من الحقوق، وبعد انقلاب عام 1961، سار حزب العدالة على ذات النهج، موضحاً أن تصريح عصمت إينونو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، عشية انتخابات 1965، بأن "حزب العدالة بقيادة سليمان داميرال ليس هو من فاز عليه، بل جماعة النور"، دليل بارز على حجم تأثير الجماعات الدينية في مسار الحياة السياسية في تركيا، وفي ذلك دلالة واضحة على بزوغ وهج الإسلام السياسي في تركيا، وإن لم يكن بشكل مباشر بل من خلال أحزاب وُصفت باليمينية المتوسطة، تزامناً مع انفتاح الباب الديمقراطي في تركيا عام 1950.

ويعدّ حزب النظام القومي الذي تأسس عام 1970، أولى أحزاب الإسلام السياسي الواضحة في تركيا. أعقبه حزب السلامة القومي الذي كان تورغوت أوزال ـ الذي أصبح زعيماً لحزب "الوطن الأم" فيما بعد ـ أحد أهم المرشحين باسمه عام 1977، حيث مدح، بكثافة، فكر "الرؤية القومية" التي تعني تبنّي الفكر الإسلامي للحكم السياسي، وليس الفكر القومي كما هو ظاهر. والجدير الإشارة إلى أن الوصول الرسمي الأول للإسلام السياسي إلى تركيا، كان عام 1973، من خلال التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، في صورةٍ تعكس صفة البراغماتية لدى الممثل السياسي الأول لذلك التيار.

وخلال حكم "حزب الوطن الأم" (1983 ـ 1993)، وجدت الجماعات الدينية الأجواء مناسبة جداً للاحتفال بذكرى وفاة المؤسس سعيد نورسي الذي يُعتبر المُجدد في تركيا، عبر الاجتماعات والمهرجانات.

وفي عام 1996، وصل الإسلام السياسي إلى الحكم من جديد عبر تأسيس حكومة توافقية مع حزب "الطريق القويم". حكومة انتهى بها الحال إلى انقلابٍ عسكري وُصف "بالناعم".

وبحسب الكاتب، فإن حزب "الحركة القومية" هو أيضاً من أحزاب الإسلام السياسي في تركيا. فقد تأسس الحزب، في البداية، على أسس قومية بحتة، لكن مع بداية السبعينات، تحول إلى حضن يحوي أعداداً جيدة من أصحاب فكر الإسلام السياسي. واستمر حزب الحركة القومية كحضن يحتوي أصحاب فكر الإسلام السياسي حتى عام 1993، حيث انفصل محسن يازيجي أوغلو عن الحزب، مؤسساً حزب "الاتحاد الكبير".

بموت مؤسس وزعيم حزب الحركة القومية، ألب أرسلان توركيش، عام 1997، حاول أصحاب فكر الإسلام السياسي الموجودون في الحزب إعادة تأثيرهم، من خلال رفضهم انتخاب دولت باهجلي، المعروف بفكره المحاكي للفكر القومي البعيد عن الإسلام السياسي. ولكن على الرغم من جميع محاولاتهم، فاز باهلجي، قاضياً بذلك على آخر أمل لقطب الإسلام السياسي في السيطرة على الحزب. وعلى الرغم من إقصائه للقطب الإسلامي، إلا أنه بقي بمثابة الأمل المتبقي لقسم كبير من المواطنين الأتراك المتّسمين "بالسمت المحافظ"، وهو ما أدى إلى اكسابه أصوات هؤلاء المواطنين في انتخابات 1999، حاصلاً على نسبة 18%.

صعود حزب العدالة والتنمية

 

بظهور حزب "العدالة والتنمية"، اتجهت أنظار مناصري فكر الإسلام السياسي نحوه، كونه حزب تأسس على يد شخصيات تحمل فكر "الرؤية القومية". ولكن قُوبلت هذه الشخصيات، كرجب طيب أردوغان وعبد الله غل وبولنت أرينتش، بعين الشبهة، كونها انفصلت عن لواء القائد التقليدي الأساسي لفكر الإسلام السياسي في تركيا، نجم الدين أربكان.

أظهر حزب "العدالة والتنمية" الذي وصل إلى الحكم عام 2002، بالرغم من شبهات أنصار الفكر الإسلامي، أنه حزب محافظ أكثر من كونه يحمل فكر الإسلام السياسي التقليدي القائم على تطبيق النظم الشرعية في جوانب الدولة، وحزب يميل إلى الحداثة والأفكار المرّنة البعيدة عن التعصب الديني وفقاً لما يُورده الكاتب.

ويُبين الباحث أن قسماً كبيراً من أنصار الفكر الإسلامي مالوا إلى حزب العدالة والتنمية، لاختياره كبديل لحزب الوطن الأم، وحزب "الطريق القويم"، وحزب "الرفاه"، وحزب "الحركة القومية"، مضيفاً أن نجاح رجب طيب أردوغان في تقديم خدمات مميزة خلال رئاسته لبلدية إسطنبول، ساهم بدوره في تصويت 35% من المواطنين لصالح حزب العدالة والتنمية في أول انتخابات يخوضها بعد تأسيسه.

وطبقاً للكاتب، فإن اعتراف أردوغان بوجود "مشكلة كردية" في تركيا، خلال حديثه في مدينة ديار بكر في 12 أغسطس/آب 2005، أحدث قلقاً لدى الناخب المحافظ المؤمن بالقومية التركية، لكن نجاحات الحزب الاقتصادية والاجتماعية، وطرحه السياسي المقبول من قبل مؤسسات الدولة المُهيمنة، كالجيش والمحكمة الدستورية، والأطراف الدولية، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وعدم وجود بديل له، كل ذلك ساهم في إبقائه على سدة الحكم بأصوات ثلة كبيرة من المواطنين حاملين فكر الإسلام السياسي والفكر القومي، وثلة من المواطنين الأكراد.

قد يكون حزب العدالة والتنمية أوجد طريقاً ومنهجاً يظهران بأن التيارات القريبة من فكر الإسلام السياسي يمكن لها أن تُبلوّر أفكاراً عصرية تواكب الفكر الحداثة والاتجاه العلماني لأنظمة الحكم الفاعلة حول العالم. غير أن الكاتب يؤكد أن تركيا لا تزال تحوي منظمات إسلامية لا تزال تؤمن بضرورة إعادة الخلافة الإسلامية وحكم الشريعة، مبيناً أن حزب التحرير الإسلامي الذي تم تأسيسه عام 1953، من قبل الشيخ الفلسطيني تقي الدين إبراهيم يوسف النبهاني، والذي يرى تركيا العدو الأول له، كونها الدولة التي أُنشئت على أنقاض الخلافة، هو الحزب الذي يأتي على رأس هذه الأحزاب.

ويوضح الباحث أن فكر حزب التحرير في تركيا بدأ في الانتشار عام 1962، في مرحلة دستور عام 1961 الذي منح جميع أطياف المجتمع التركي نطاقاً واسعاً من الحرية، موضحاً أن قدوم عدد من الطلاب الأردنيين إلى جامعة الشرق الأوسط في أنقرة، أدى دوراً مهماً في انتقال فكر الحزب إلى تركيا.

وفي عام 1964، تم تأسيس ولاية حزب التحرير في تركيا بقيادة أرجومنت أوزكان الذي كان ينشر جريدة "اقتباس" ذات التوجه الديني الواضح. على إثر ذلك، تم اعتقال أوزكان و15 مواطناً أردنياً من قبل السلطات التركية عام 1967، وخلال فترة سجنه التي استمرت حتى عام 1971، عاش أوزكان نزاعاً فكرياً حاداً مع أعضاء الحزب الآخرين، حيث أصر المواطنون الأردنيون على أن الخلافة من حق العرب، غير أن أوزكان ادعى أن الأتراك أيضاً يمكن لهم تأسيس الخلافة. ونتيجة لهذا الخلاف نأى أوزكان بنفسه عن الجماعة.

تعرض حزب التحرير لمحاكمة جديدة عام 1976، وعلى إثر ذلك ترك عدد من القيادات، كسلجوق غوندوز وجمعة جان بولات، الحزب، مؤسسين حزباً جديداً باسم حزب الإسلام. لم يستطع حزبا "التحرير" و"الإسلام" بناء قاعدة شعبية قوية لهما، واندثر الحديث عنهما خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. غير أن حزب التحرير، بزعامة يلماز جاليك، قام في الثاني من أيلول/سبتمبر 2005، بتنظيم فعالية في فناء جامع الفاتح، تدعو إلى إقامة الخلافة. وهو ما عرّضه للسجن، وجعل كل من يسير في نهج حزب التحرير معرضاً للمساءلة.

وفي الختام، يوجز الكاتب الفكرة الأساسية لكتابه بالإشارة إلى أن الإسلام السياسي في تركيا نُقل إلى الساحة السياسية، بشكل واضح، من خلال حزب النظام القومي، ومن ثم حزب السلامة القومي، مروراً بحزب الرفاه، ومن ثم حزب الفضيلة، وأخيراً حزب العدالة والتنمية، لكن ببراعة سياسية براغماتية أظهرته كحزب محافظ يتبنّى نهج الإسلام السياسي، لكن بعيداً عن التعصب أو حمل فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، بل من خلال المحافظة على العادات والتقاليد المحافظة، والتراث الإسلامي، ومنح المواطنين المحافظين حقهم في ممارسة طقوسهم الدينية كيفما يبغون.

ويوضح الباحث أن هناك أحزاباً خاطبت طموح فكر الإسلام السياسي، كحزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم وحزب الحركة القومية، لكنها لم تمنح المواطنين الأتراك حقهم كما كانوا يطمحون. وكما ظهرت أحزاب ومنظمات ترمي إلى تطبيق النظام الإسلامي، والعودة إلى الخلافة، بالكامل، كحزب التحرير، لكنه لم يحصل على القاعدة الشعبية التي تمكّنه من تحقيق ذلك. ومرد ذلك هو تغيّر التوجه الفكري لدى نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك الذين باتوا يتبنّون الفكر القومي الرامي إلى الحفاظ على الجمهورية، مع تطبيق بعض من الأحكام الشرعية المواكبة للعصر، ولكن من دون تأسيس الخلافة التي باتت شكلاً من نظام الحكم غير المواتي للعصر الحالي.

وعن أسباب فشل أحزاب الإسلام السياسي أو الأحزاب التي حُسبت قريبة منه، مقارنة بحزب العدالة والتنمية، يسرد الكاتب التالي:

ـ قصور الرؤية وفشل الأسلوب.

ـ عدم طرح مشاريع محاكية للمشاكل العصرية.

ـ الاستعجال في الإصلاحات القريبة من فكر الإسلام السياسي، الأمر الذي أرهب مؤسسات الدولة العلمانية ودفعتها لمحاربتها، على النقيض من حزب العدالة والتنمية الذي برع في التدرج.

ـ البيئة الاجتماعية لتركيا، والتي لا تعتبر مؤهلة للقبول بفكر تطبيق الأحكام الشرعية أو القوانين الاقتصادية أو الاجتماعية الإسلامية، لما لعبته سياسة الدولة الحداثية في تهيئتها كبيئة معتدلة بعيدة عن التعصب الديني.

لقد اعتمد الكاتب على مصادر عربية جمّة، وهذا، على الأرجح، ما وفقه في اكتساب زخم معلوماتي غير موجود في الموسوعة المعرفية التركية، نظراً لحظر الحكومات التركية الكتابة في هذا الإطار لسنوات طويلة.

ومن الممكن وصف طرح الكاتب بالطرح الموضوعي، وذلك بالركون إلى تقييمه أسباب نشوء الإسلام السياسي، وعوامل نجاح حزب العدالة والتنمية في تثبيت أقدامه في حكم تركيا منذ عام 2002 وحتى يومنا هذا، إذ لم يظهر أي تحامل أيديولوجي للكاتب في تحليل الأسباب والعوامل.