شيِّد عالَمك المُنهار

إنتظر العَونَ من صَبرِك لأَن ما يجعَلُك على قيدِ الوُجود ليست ذرات الأوكسجين أو الدّم أو حتى الحُّب ... بل الأمل.

على خُطى الواقع، ستسقطُ مراراً، ستشعرُ بجميعِ الخَساراتِ، وستشفى مع الوقت، لتعيدَ بناءَ نفسِكَ من جديد، لتكتمل شخصاً يختلفُ عن آخرهِ السابق، ولا تتمنّى العودة، ستفهم الحياةَ أكثرَ على محورِ الرّحيل، عندما تتعلمَ الحوارَ مع الصّمتِ، بتلك القوةِّ التي صاغَتكَ، وانتظر كُلّ الأشياء الجميلة، ومنها الأشخاصُ الطَّيبُون الذين كسَرتْهُم الدُّنيا ونهضُوا من الأعماق السَحيقة. أولئك الذينَ قتلوا بغيرِ إِنْصاف، ممن قاوموا كُلّ أنواع الآلام، بالكفاحِ والإرادة، هم الأجملُ في معركةِ النجاة.

إنتظر العَونَ من صَبرِك لأَن ما يجعَلُك على قيدِ الوُجود ليست ذرات الأوكسجين أو الدّم أو حتى الحُّب ... بل الأمل. ذلك الذي يتشبثُ بك بين تعاقُبِ الليلِ والنهار، وخطوطِ يديك، في تَجاوزِ موت محبٍ في قلبكَ الأبيض، لأن كُلّ الأحداثِ لم تكُنْ صدفة بل طريقاً تتعلّمُ من خلاله التعاطفَ مع الآخرين، فلا شيءَ يأتي منْ لاشيء.

إملأ روحَك بالطمأنينة بعد أنْ جربتَ أنواعَ الموتِ اليَقِظ، في ذاتِ الأماكن المكسُورَةِ منك بلا تمييز، وأنتَ تبحثُ عن الهوية مرتدياً عواصِفَ الأوجاع. 
إطمئنْ واجعَل من غيمكَ العقيمِ مطراً يبللُ شفتيكَ الجامدتين، يروي صدرَكَ الكئيب بمساحاتٍ خضراءَ لا تنتهي، وتعلّم أن تفتحَ مملكةَ دماغِكَ أبعدَ مما تطالَهُ عيناكَ الشاحبتانَ في حَرثِ الكون، فالطير لا يطير بل تحملهُ الريح مشرداً يبحثُ عن عُشٍ قرب حائطٍ أو ظلٍ مائلٍ أو بركةٍ بعيدة.

إنزل عن القِطار الطويل، عن المجازرِ والانقلابات، والعظامِ المنحوتةِ بطاعونِ الحّرب، وخرابِ الشارعِ الضَيِّق، عن شبكاتِ الأكاذيب وافتراسِ الورد، ونَثرِ الرّمادِ القبيح، إنزل عن الهوامِش قبل أنْ تُباد في خنادقِ الأسئلةِ وشَيِّد عالَمك المُنهار بروحِ الرّب. 

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]