عن صباح ... "الأسطورة"

إنها جانيت فغالي أو الشحرورة والصبوحة والأسطورة، صاحبة أطول مسيرة فنية لمدة 75 سنة.

عن صباح ... الأسطورة

هي الشحرورة، والصبوحة، والأسطورة. صاحبة أطول مسيرة فنية متواصلة لمدة 75 سنة. مثلّت في 110 أفلام، وأول مطربة عربية غنّت في "كارنيغي هول" في نيويورك الذي هو معمودية أيّ فنان أو مغّنٍ أو عازِف في العالم، وهي أول فنانة عربية غنّت في "رويال ألبرت هول" في لندن، في قاعة للفن تُعتبر الأهم في العالم، وهي أول فنانة غنّت في أوبرا سيدني، أهمّ صالة في أوستراليا، وأول فنانة عربية بعد أمّ كلثوم غنّت في أولمبيا باريس.

تتميّز صباح أنها لم تغّن على نمطٍ مُعيّن، وفنها عريض جداً، ومتنوّع متغيّر، وصوتها كان يُغطي كل المقامات، والأنواع، والأغاني العاطفية، والهازجة، والفرحة. كبار الملّحنين لحّنوا لها، وكانت مساعدة لبعض الفنانين الناشئين أن تنهض بهم ليصلوا إلى مراتب فنية معروفة.

بهذه الكلمات عرّف الدكتور سعيد الولي - حافظ الموسيقى والفنون الغنائية على النمطين الشرقي والغربي- بصباح في الأمسية الأسبوعية التي تحييها "مؤسّسة الصفدي الثقافية" في طرابلس منذ ثلاثة أعوام.

الولي تحدّث عن ألقابٍ كثيرةٍ لصباح، ولكل لقب بُعد ومعنى، فهي "الشحرورة أولاً لأنها ولِدت في وادي شحرور في بلدة بدادون بقضاء بعبدا، وهي الشحرورة لأنها غنّت بصوتٍ كالشحرور، وهناك سرّ، وهو أن صباح كانت تقلّد الشحرور في أغانيها، وتُنهيها بصوتٍ يشبه الشحرور، ولم ينافسها أحد على هذه الميزة".

وهي من مواليد 1927، إسمها الحقيقي جانيت جرجس فغالي، وكانت منذ بدايتها موهبة لافتة، بحسب الولي الذي أفاد إنها "أدّت على المسارح المعروفة، وفي المناسبات والأعياد، إلى أن لفتت نظر فنانة لبنانية كبيرة تعمل في مصر هي آسيا داغر، ووقّعت معها عقداً على ثلاثة أفلام سينمائية".

لدى وصول جانيت فغالي إلى مصر برفقة داغر، اقترح الشاعر صالح جودت لقب "صباح" عليها نظراً لوجهها الصبوح، وقامت داغر بمُشاورة الجمهور عبر الصحف، فاكتسبت اللقب بمباركة شعبية واسعة.

الولي قال إن "داغر أنتجت مع صباح أول فيلم سنة 1943، وهو "القلب له واحد" مثّلته مع أنور وجدي، وغنّت فيه من ألحان رياض السنباطي، وزكريا أحمد.

ويُقال، بحسب الولي، "إن إسمها نزل في موسوعة غينيس، فلا أحد سواها مارس الفن بكل أشكاله، بصورةٍ متواصلةٍ لمدة 75 سنة، فهي توفيّت سنة 2014 عن عُمر 87 سنة، على أساس أنها بدأت الغناء في عُمر ال12 سنة. مثلّت وغنّت في 87 فيلماً في مصر، و23 فيلماً في لبنان، والمجموع 110 أفلام، عدا عن المسرحيات العديدة التي عملت فيها".

ورأى الولي أن "وجودها في مصر في الفورة الفني والثقافية فيها، جعلها تجمع الفن بين لبنان ومصر"، وهي "غنّت أحياناً اغانيها العربية، بعد أن حوّلتها إلى اللغة الفرنسية، وسنة 2014، وقبل وفاتها، طلبت أن تُطلَق أغانيها في جنازتها، وهذه مبادرة نادرة".

وتحدّث عن ظلامتها في حياتها الاجتماعية، خصوصاً في حياتها الزوجية حيث تزوّجت تسع مرات، وفي وقتٍ متأخّر، قالت إنها كانت كلها زيجات مادية، وفيها مصلحة خاصة، ولطالما أعلنت مراراً أنها أسميت "مدام بنك"، كما لفت إلى تدريب رياض السنباطي لها على الغناء، واستغرق وقتاً طويلاً معها لكي يليّن لها صوتها القوّي في المواويل الجبلية اللبنانية، وهي ليست موجودة في المواويل المصرية. كما غنّت لبليغ حمدي، ومحمّد عبد الوهاب، وفيلمون وهبي والأخوين رحباني وكبار الفنانين.

وبالنسبة إلى طرابلس، ، ف"نحن عندنا حصّة فيها حيث سكنت في إحدى بيوت المدينة في شارع الجميّزات، في زواجها الأول من نجيب الشمّاس، بحسب الولي وعدد من الحاضرين الذين يذكرونها.

 

 

الأمسية

بداية الأمسية غنائياً، كانت مع آية الشامي بأغنيتين "عاشقة وغلبانة والنبي"، بعدها "زي العسل" والأغنيتان كتبهما محمّد حمزة ولحّنهما بليغ حمدي.

ثم إلى أغنية "أخدوا الريح" لروميو لحود، وألحان عازِف البزق مطر محمّد. في ما يُشابه الوطنيات، قدّمت الشامي أغنية "آلو بيروت" من كلمات توفيق العطار، ثم إلى أغاني الفرح مع "جيب المجوز"، و"دخل عيونك حاكينا"، وسواها.

وانتقل الولي شارحاً عن تألّق صباح في الستينيات وحتى ماقبل أحداث 1975، وفي هذه التجربة، طوّع الفنانون اللبنانيون اللغة المحكية، وأدخلوا المُفردات العاميّة على الأغنية، وذلك، كما لاحظ الولي، "من دون غايات سياسية أو إيديولوجية"، وهنا قدّمت الشامي أغنية من تلحين فيلمون وهبي "يا أمّي دولبني الهوا.. بعتلي دواليبو".

قام بتغطية العزف أستاذ العود في الكونسرفاتوار الوطني اللبناني خالد نجار، بمرافقة سليم النابلسي على الرّق.

وتناول الولي في حديثه للميادين الثقافية فكرة الأماسي الموسيقية، وقال: "بدأنا بهذا المشروع سنة 2016، وسبق أن بدأنا بأمسيات عن الموسيقى الغربية، لكن وجدنا أنه من الضروري تقديم أمسيات للموسيقى العربية، لتعريف الناس بها، وبالموسيقى المكتوبة، والمنظّمة وفيها فنانون كبار”.

وأضاف: "بدأنا أول سنة 2016 بالمقامات، وخصّصنا كل أمسية بمقام، ثم في ال2017، وال2018 قدّمنا الفنانين الكبار، فقدّمنا أمثال وديع الصافي، ومحمّد عبد الوهاب، وفيروز، ونتابع مع آخرين الذين من واجبنا تقديمهم للجمهور، إحياء لفنّهم، وتعريف الأجيال الجديدة بهم”.     

ومن أنجح الأمسيات كانت أمسية أمّ كلثوم التي أحيتها الشامي. عن مدى تحقيق الأماسي لما نظّمت من أجله، رأى الولي إن "النتيجة رائعة جداً وفاقت التوقّعات، وعندما بدأنا كان قلّة يحضرون، لكن تنامى عدد المُهتمين، ومنذ العام المُنصرِم، تمتلىء الصالة في كل مناسبة، وهذه أكبر سعادة، ومُكافأة لنا أن ننجح بهذا المستوى”.

أما على صعيد الأفلام، فمثّلت صباح مع كبار الفنانين العرب مثل فريد الأطرش، وفريد شوقي، وعبد الحليم حافظ، وشكري سرحان، وماجدة، وأحمد مظهر، وعماد حمدي، وعبد السلام نابلسي، ورشدي أباظة، وفهد بلاّن، ومريم فخر الدين، وكمال الشناوي، وسعاد حسني، ومروحة واسعة أخرى من الفنانين.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]