عندما صلًت أوركسترا مارينسكي الروسية لتدمر

لطالما كانت العلاقات السورية الروسية في أفضل حال على مختلف أصعدة التعاون والتنسيق، ما انعكس إيجابيات على ملامح الثقافة والفنون كما في ميادين المواجهة والقتال. لم يقتصر الدعم لروسي لسوريا على الجانب العسكري، بل تخطاه إلى الدعم الثقافي لبلد يحمل إرثاً تاريخيا وثقافياً عمره من عمر التاريخ.

أوركسترا مارينسكي الروسية تغني في تدمر
آلاف السوريين من المبدعين في مجالات السينما والمسرح والفنون المرئية الجميلة، تخرّجوا من معاهد روسية، وهم يطلقون أعمالاً ذات مستوى رفيع من التجويد وقطف نجاحات عديدة محلية وإقليمية وأحياناً عالمية، استناداً إلى خصوصية ما تعلموه في روسيا، من أساليب مختلفة تؤكد على المهارات المتفوقة التي بدّلت شكل ومضمون العديد من المهن الحرفية والإبداعية، وأخذت روح الروس في تفكيرهم ودقة عملهم وإتقانهم لكل ما يقومون به.

 

قبل خمسة أشهر وفي غمرة الأزمة السورية، سجَل الروس مبادرة فنية راقية ونوعية تمثلت بالنصر الذي تحقق في تدمر عندما تم استرجاعها من داعش، الذي عبث في ثارها دماراً ونهباً، وارتكب على مسرحها الأثري مجزرة دموية وصوّر مشهديّتها وكأنها عمل استعراضي. فقد وصلت الأوركسترا العريقة "مارينسكي"، وعمرها 156 عاماً، إلى المدينة الأثرية وأحيث على مسرحها حفلاً لا ينسى احتفاءً بدحر الإرهابيين عن واحدة من أقدم المدن في العالم .

 

في الخامس من أيار / مايو أحيت الأوركسترا بقيادة المايسترو فاليري غيرغيف، حفلاً بعنوان "صلاة لتدمر وموسيقى تحيي الجدران العتيقة"، على مسرح تدمر الأثري، وتوّجت المبادرة بأخرى مفاجئة عندما حصل ربط مباشر على الهواء، بين تدمر ومقر الرئاسة الروسية، وإذا بالرئيس فلاديمير بوتين يتحدث إلى الحضور الكثيف قائلاً: "إنني أعتبر هذه المبادرة رمزاً للشكر والذكرى والرجاء، وهي تعبّر عن الشكر لكل أولئك الذين يحاربون الإرهاب ويضحون بحياتهم، كما أنها تأتي تخليداً لذكرى جميع ضحايا الإرهاب بغض النظر عن الأماكن والتوقيت التي وقعت فيها هذه الجرائم ضد الإنسانية، كما أنها طبعاً رمز للأمل ليس ببعث تدمر فحسب، وإنما في خلاص الحضارة الحديثة من هذه العدوى المروعة من الإرهاب الدولي".

 

مبادرات فنية مميزة على أصعدة مختلفة سواء في مجال الموسيقى وما قدّمه الروس لدار الأوبرا في سوريا وتدريب موسيقيين سوريين، أو المسرح وزيارات عديدة لفرق كبرى إلى دمشق منها البولشوي في أوقات متقاربة بين العامين 65 و 69 ، والمعارض المختلفة بين الفن التشكيلي والمظاهر الحضارية التي ميّزت تظاهرات حول الصناعات والأشغال اليدوية وبعض الفنون التجريبية التي تؤشر إلى وعي كامل لما يجري في العالم المتحضر.

بعيداً من الدعم العسكري والتكنولوجي، لا يبدو أن مسيرة التعاون والتبادل الثقافي والفني ستقف عند حد بين الطرفين، ومن ملامحها في المستقبل غير البعيد أعمال سينمائية من النوع الوثائقي تسجّل العديد من المحطات السياسية والإنسانية والثقافية والعامة التي تترجم العلاقات الرفيعة والنبيلة بين البلدين لمصلحة الشعبين.