"أم" حملت وأنجبت وربّت وسط الجموع

العنوان حقيقي، لكنه يؤشّر على حيثيات غريبة تشكّل صورة ربما تكون مألوفة عند بعض كبار المشاهير في العالم، الذين يعتمدون على مزاجهم النرجسي في العيش لأن أدمغتهم لم تحتمل جنون المعجبين بهم. والمثال هنا هو الشاعر( الأسباني خافيير بارديم )الذي تنتظر الناس أحدث قصائده على أحر من الجمر، متزوج من إمرأة يحبها كثيراً(تجسد دورها جنيفر لورانس) ويعيشان في فيلا ريفية هادئة.

كل الأجواء مثالية، الحب يغمر المكان، والحوار رفيع بين الزوجين، والكلام عن الغد وأول طفل يأخذ مساحة رحبة من الوقت، وكيفما إلتقيا في غرف الفيلا، يتبادلان أرق العبارات.الفيلم وعنوانه "mother" أخرجه عن نص له "دارين أرونوفسكي"،جاء في 121 دقيقة، صوّره بميزانية 33 مليون دولار ما بين مونتريال وكيبك(كندا)، وهو يعتمد على حس رومانسي مع نسبة غرابة تخيّم على الشريط، وتنطلق من الشاعر الشهير جداً الذي تكاد الناشرة لدواوينه لا تصدّق بأنه كتب شيئاً ، أي شيء، لكي تطير من الفرحة، كون الجمهور الكبير ينتظر بفارغ الصبرأن يكتب قصيدة أو مجموعة قصائد لإشباع النهم إلى عباراته وأحاسيسه التي لا يبلغها إلاّ عبقري مثله، ويتعمد الفيلم عدم إعطاء الزوجين أي إسم بل هو"الشاعر" وهي "أم" وكفى.

هذا الجو منح الشريط خصوصية عكستها الأجواء المريحة في المنزل، والتي لم تدم كثيراً. فجأة يقرع الباب ويظهر رجل(إد هاريس) يستقبله الشاعر بالترحاب على أنه الدكتور المحترم ويصر عليه أمام إستغراب زوجته المبيت في منزلهما، وبعد قليل تصل زوجة الطبيب(ميشيل بفيفر)وولديهما الشابين اللذين يتشاجران بصوت عال، لينال أحدهما من الآخر برصاصة تقتله، وسرعان ما يسعى الطبيب لدفن الجثة ومحاولة العثور عل إبنه الثاني وسط حالة من ذهول زوجة الشاعر بينما الشاعر نفسه لا تفارق الإبتسامة ثغره، مبرراً لزوجته أن الخسائر ليست مهمة فهي مادية، ومع ذيوع خبر أن الشاعر فاضت قريحته بقصيدة جديدة بدأ المعجبون المتيّمون به يتوافدون على المكان بالعشرات، ملأوا كل الغرف وطافت أعداد منهم لتملأ حديقة الفيلا، لتبدو الزوجة في حال أشبه بالهستيريا، فتطلب من زوجها ترك الجميع والصعود إلى غرفتهما في الطابق الأول طالبة بحزم تحقيق جزء من حلمها بالأمومة.

تحمل وسط هذه الفوضى، ثم تنجب وسط هذه الجموع التي ما عادت تريد مغادرة المكان إلى أي موقع آخر، بعدما فازت بلقاء الشاعر وسماع قصيدته الجديدة، مع فرصة التحدث إليه والتعرف على جوانب حياته المنزلية الخاصة، ووسط هذا المناخ ولدت الزوجة الحامل، وراح المولود يتنقل من حضن إلى آخر، لتدخل الأم الشابة في حالة من الهذيان وسط هذا الجنون المستشري، على خلفية الإعجاب بما يكتبه زوجها الشاعر، وصارالمشهد أكثر دقة عندما لم تعد الأم تدرك في أي مكان هي، وأين مولودها، ومن هم هؤلاء البشر الذين إحتلوا منزلها وإقتحموا خصوصيتها، تحت مسمّى ما يوصف بالمعجبين، ولم تستطع الأم فعل شيء، بل رضخت لهذا الواقع الذي غرقت فيه غصباً عنها.