"لغم أرضي" داسته ندى وعمار وظلاّ حبيبين

ومع أن العروض الإفتتاحية تتسم عادة بالتوتر، إلاّ أن ما عرفته هذه المسرحية يخرج عن السائد ويؤكّد أن المسرح هو الذي يسحب الجمهور إليه إرتفع أو إنخفض، وعندما يحصل التصعيد تكون ماكينة الناس فاعلة بقوة من باب التجاوب المباشر.

إنها المسرحية المفاجأة على خشبة "مسرح المدينة" بدءاً من 9 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري. عنوانها "لغم أرضي" كتبها ويُخرجها "إيلي كمال" الذي إستعان بزوجته الممثلة المتمكنة "ندى أبو فرحات"، وإختار لدور البطولة الرجالية أمامها الممثل المتميز على الخشبة "عمار شلق"، وشهدنا مباراة فنية جاذبة بينهما أثْرت العرض ورفعت وتيرة التفاعل الإيجابي بين الممثليْن والصالة.

الثنائي الدائم الحضورفي كل الموضوعات العاطفية والإنسانية: الرجل والمرأة، هما مادة المسرحية التي أطلقت كاتباً ومخرجاً هو "إيلي كمال" سبق له وصوّر شريطين قصيرين (ثلج- 18 دقيقة، وrevolt tango- 20 دقيقة) من بطولة زوجته "ندى"، وتُعتبر "لغم أرضي" أهم شهادة حضور وتميز ونجاح له، فنحن إزاء نص رشيق عميق لمّاح ومباشر، أسر جميع الرواد في الصالة وجعلهم أقرب ما يكونون إلى ناس الخشبة، وكانت ردّات الفعل سريعة وسعيدة لأن مادة الحوار تميّزت بروح لم نعهدها من قبل، إضافة إلى السياق التصاعدي الذي حوّلها إلى عنصر ضاغط أثمر كيمياء متفاعلة مؤثرة، حوسب خلالها الممثلان حتى على أنفاسهما، بما يعني أن الرواد كانوا على مسافة قريبة جداً، لذا أحبّوا كثيراً.

ومع أن العروض الإفتتاحية تتسم عادة بالتوتر، إلاّ أن ما عرفته هذه المسرحية يخرج عن السائد ويؤكّد أن المسرح هو الذي يسحب الجمهور إليه إرتفع أو إنخفض، وعندما يحصل التصعيد تكون ماكينة الناس فاعلة بقوة من باب التجاوب المباشر، لذا كان الإيقاع الرائع مُلك النص الجميل الرقيق المتدفق والمعبّر بين الممثليْن اللذين نادراً ما تصالحا على مدى وقت المسرحية، مناكفة من النوع العالي، والإجابات غير الشافية التي تعيد صياغة المشهد كلما تشابكت أفكار الطرفين وتباعدت إلى حد الصدام، ماذا عن العلاقة بينهما، عاداتهما، ما يطلبه أحدهما من الآخر، وكم هما على إستعداد للتنازل أو التراجع، وإذا بالأمور تبدو محكومة بالقدر الذي يعني الموت والحياة في وقت واحد، وهو الواقع الذي يبرر وجود اللغم أصلاً.

إجادة وتجويد الممثليْن كان طبيعياً بالنسبة إلينا. فـ "ندى" تمتلك ذخيرة حية من الأدوار للخشبة (الخادمتان، قدّام باب السفارة الليل كان طويل، حكي نسوان، أسرار الست بديعة، مغامرات فيكتوريا العجيبة) بينما "عمار" الذي بلغ الربع قرن من العطاء منذ تخرج عام 1993 من الجامعة اللبنانية في قسم المسرح، قدّم 4 مسرحيات ناجحة جداً (تشي، الشر الأوسط، حبيبي مش قاسمين، وكعب عالي).