تقرير صيني: لماذا لا يقبل الغرب القرن الآسيوي؟

الدبلوماسي والأكاديمي السنغافوري، كيشور محبوباني، يتحدث عن مدى كون القرن الحادي والعشرون "القرن الآسيوي"، وما إذا كان الغرب سيقبل بذلك، بالإضافة إلى استعراض أبرز التحديات التي تواجهها البلدان الآسيوية.

  • تقرير صيني: لماذا لا يقبل الغرب بالقرن الآسيوي؟
    تقرير صيني: لماذا لا يقبل الغرب بالقرن الآسيوي؟

نشر موقع "بكين ريفيو" الصيني، مقابلة مع الدبلوماسي والأكاديمي السنغافوري، كيشور محبوباني، الذي استضافته بكين، في مناسبة إطلاق النسخة الصينية من كتاب محبوباني الشهير "القرن الحادي والعشرون الآسيوي".

وتطرق فيه الأخير إلى مدى كون القرن الحادي والعشرون "القرن الآسيوي"، وما إذا كان الغرب سيقبل بذلك، بالإضافة إلى استعراض أبرز التحديات التي تواجهها البلدان الآسيوية.

وفي خطابه الذي استمر 30 دقيقة، شارك السفير السنغافوري السابق لدى الأمم المتحدة، الحضور في بكين، رأيه عن السبب الذي يعتقد أن السنوات الـ 77 المتبقية لنهاية هذا القرن ستنتمي إلى آسيا.

وأشار إلى أنّ "صعود آسيا هو تطور طبيعي تماماً، وإذا نظرت إلى 2000 عام الماضية من تاريخ العالم، ففي 1800 من تلك السنوات، كان أكبر اقتصادين في العالم هما اقتصادا الصين والهند".

ولذلك، يضيف محبوباني، "في آخر 200 عام فقط انطلقت أوروبا، ثم انطلقت أميركا الشمالية، لكنّ السنوات الـ 200 الماضية من الهيمنة الغربية على تاريخ العالم، كانت انحرافاً وكانت غير طبيعية، وما نشهده في القرن الحادي والعشرين هو خروج عن غير الطبيعي وعودة الوضع الطبيعي، حيث تظهر الصين والهند والبلدان الآسيوية الأخرى مرة أخرى كأكبر اقتصادات في العالم".

وتابع أنّ هذا كله نتيجة لحقيقة أنّ المجتمعات الآسيوية، بالنسبة لمعظم تاريخ البشرية، كانت تعمل على "قدم المساواة مع المجتمعات الأوروبية"، ثم حدثت النهضة والتنوير في الغرب، وقفزت التطورات الأخرى هناك قبل بقية العالم، وبعد هذه القفزة إلى الأمام، "غزا الغرب العالم بأسره".

لكن الآن، يشكل الآسيويون غالبية سكان العالم، بنسبة 55%، وإذا كان أداؤهم على قدم المساواة، فسيكون لديهم أكبر الاقتصادات في العالم، وهذا أحد الأسباب، أنّ الآسيويين عادوا إلى طبيعتهم، يتابع الكاتب.

والسبب الآخر برأيه، هو أنّ "المجتمعات الآسيوية تعلمت أيضاً من الغرب كيفية النجاح"، إذ نجحت المجتمعات الآسيوية في فهم واستيعاب وتنفيذ سبع ركائز للحكمة الغربية، :وأفكار مثل اقتصاد السوق الحرة، وإتقان العلم والتكنولوجيا، وسيادة القانون".

لكنّ شيئاً غريباً تماماً يحدث في العالم اليوم، ولا يتم الإبلاغ عنه بشكل كافٍ، وهو أنه "بينما تتبنى المجتمعات الآسيوية بعض الأفكار الغربية الناجحة، فإن الغرب يبتعد عن أفكاره الناجحة".

ممانعة الغرب

الفكرة الكبيرة الثانية هي شرح الأسباب الهيكلية التي تجعل الغرب متردداً في قبول فكرة القرن الآسيوي. وهذه الأسباب الهيكلية هي نتيجة لحقيقة أنه بسبب الـ 200 عام الماضية من الهيمنة الغربية على تاريخ العالم، يحتلّ الغرب الكثير من الفضاء الجيوسياسي، ويسيطر على العديد من المنظمات المهمة التي لا تريد التخلي عن سيطرتها الآن، رغم تضاؤل قوتها.

ويأتي أوضح مثال على ذلك، من أكبر منظمتين اقتصاديتين في العالم، وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تمّ إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية.

ففي ذلك الوقت، كان هذا إنجازاً رائعاً للولايات المتحدة، وفي الخمسينيات من القرن الماضي، كان لـلـ 5% الأميركيين من سكان العالم، حصة 50% من الناتج القومي الإجمالي العالمي، وكان هذا مدى قوة الولايات المتحدة.

ويشير الكاتب إلى "شيء واحد اعتادت الولايات المتحدة أن تقوله في الثمانينيات، هو أنه يجب علينا فتح اقتصاداتنا وتحريرنا وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة. وكانت الولايات المتحدة تضغط من أجل اتفاقيات التجارة الحرة في الثمانينيات، لكن اليوم، لا يستطيع الكونغرس الأميركي تمرير اتفاقية تجارة حرة واحدة".

ويؤكد محبوباني أنّ "التجارة الحرة ميتة في الولايات المتحدة، ويتمّ توقيع أكبر اتفاقيات التجارة الحرة في العالم هنا في شرق آسيا.

ولفت إلى أنه في كانون الثاني/يناير 2022، انطلقت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي أطلقتها الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والصين واليابان وجمهورية كوريا وأستراليا ونيوزيلندا".

وأوضح أنّ "هذا مثال على كيفية تغير الأشياء. كان ينبغي إنشاء أكبر اتفاقيات التجارة الحرة في العالم في الغرب، لكنها لم تكن كذلك. والآن يفعل الآسيويون ذلك، وهذا صحيح في العديد من المجالات، وإذا نظرت إلى إحصاءات التجارة، فإن أكبر تدفقات التجارة في العالم تأتي أيضاً من آسيا".

الآن، وفق محبوباني، هبطت الولايات المتحدة على الرغم من أنّ اقتصادها لا يزال الأول عالمياً. وباتت تمتلك 20% من الناتج القومي الإجمالي في العالم.

وعلى الرغم من حقيقة أنّ السلطة قد تحولت، لا يزال يوجد قاعدة تنصّ على أنه لكي تصبح رئيساً لصندوق النقد الدولي، يجب أن تكون أوروبياً، ولتصبح رئيس البنك الدولي، يجب أن تكون أميركياً، وذلك على الرغم من أن الاقتصادات الأكثر ديناميكية ونجاحاً في العالم هي الاقتصادات الآسيوية، في حين أنه لا يمكن لأيّ مواطن آسيوي إدارة صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

التمسك الغربي بالسلطة

في صندوق النقد الدولي، على وجه الخصوص، يجب أن تمثل حصة أي بلد من القوة التصويتية، حصتها في الاقتصاد العالمي.

ولكن منذ 10 سنوات، كان لثلاث دول صغيرة، هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، حصة تصويت أكبر من الصين في صندوق النقد الدولي.

واعتبر محبوباني أن هذا مروع، إذ حتى اليوم ، فإنّ حصة الصين من الناتج القومي الإجمالي العالمي ربما تكون 16% أو 17% أو 18%، فيما حصة الصين من حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي هي 6% فقط.

وينصّ دستور صندوق النقد الدولي على أن المقرّ الرئيسي لصندوق النقد الدولي، يجب أن يكون دائماً في عاصمة أكبر اقتصاد في العالم. وهذا هو السبب في وجودها في واشنطن. لكن بعدما أصبحت الصين أكبر اقتصاد في العالم، وحاول بناءاً عليه صندوق النقد الدولي مغادرة واشنطن، فسينفجر.

هذه أمثلة على الأسباب الهيكلية لعدم رغبة الغرب في قبول القرن الآسيوي، لأنهم إذا قبلوا ذلك، فعليهم أن يتعلموا تقاسم السلطة مع بقية العالم.

التطور بسلام

والفكرة الثالثة الكبيرة، وفق محبوباني، هي "أننا في آسيا لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه في تنميتنا"، ويمكن أن تكون هناك تهديدات، ويمكن أن تكون هناك صعوبات في "نمونا وتطورنا". وعلى سبيل المثال، "الخطر الأكبر على النمو والتنمية في آسيا هو الحرب، ولكي تتطور، يجب أن تحصل على السلام".

وأضاف الكاتب: "كل الحروب يمكن تفاديها إذا عملت بجد لتحقيق تسوية سياسية مقبولة لجميع الأطراف. والتسوية السياسية غير الكاملة التي تحقق السلام أفضل من الحرب الكاملة التي تدمر فقط".

وختم الكاتب بأنّ "ثلاثة أجزاء سريعة النمو في آسيا تمثل الصين والهند والآسيان، وهي تشكل مجتمعةً ما يقرب من 40% من سكان العالم. وقد أنتجت آسيا الآن، أكبر عدد من الطبقة المتوسطة في العالم، مما يعني أيضاً أنّ أكبر أسواق العالم ستكون الآن في آسيا، وسيكون هذا هو المكان الذي سيأتي فيه الناس سعياً وراء النمو والتنمية".

ومثل هذه الإحصائيات هي التي تفسر سبب تفهّم بقية العالم، لحدوث القرن الآسيوي، ولماذا لا يزال الغرب يرفض قبول فكرة القرن الآسيوي.

اخترنا لك