ما حقيقة استيلاء "طالبان" على معدات عسكرية أميركية في أفغانستان؟

مقاطع فيديو لعناصر من "طالبان" يستولون على شحنة أسلحة أميركية، تثير السخط والمخاوف لدى الأميركيين، وجملة من الانتقادات للرئيس الأميركي جو بايدن.

  • طالبان تستولي على معدات عسكرية أميركية
    طالبان تستولي على معدات عسكرية أميركية

سمحت هزيمة الجيش الأفغاني لحركة "طالبان" بالاستيلاء على معدات عسكرية أميركية كبيرة، الأمر الذي يسبب إحراجاً كبيراً لإدارة الرئيس جو بايدن.

وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لعناصر من "طالبان" يستولون على شحنة أسلحة معظمها قدمته القوى الغربية إلى الجيش الأفغاني، وهم يقفون أمام عدد من مروحيات بلاك هوك الهجومية حاملين أسلحة آلية "أم 4" و"أم 16" وحتى بنادق من نوع "أم 24"  يستخدمها القناصة، أو يتنقلون في آليات مصفحة مزودة بقاذفات صواريخ. 

واعترف مستشار الأمن القومي جيك ساليفان الثلاثاء الماضي، من البيت الأبيض بالأمر، وقال إنه "ليس لدينا فكرة واضحة عن مكان كل قطعة من المعدات، لكن من المؤكد أن عدداً كبيراً منها سقط في أيدي طالبان، وليس لدينا انطباع بأنهم يعتزمون إعادتها إلينا".

خبير مكافحة الإرهاب في المكتب الاستشاري "سي ان ايه" جوناثان شرودن قال إن "أخطر الأسلحة التي استولت عليها طالبان هي مدافع "دي-30" سوفياتية الصنع وطائرات سلاح الجو الأفغاني التي صنعتها واشنطن".

وأضاف في تصريح لوكالة "فرانس برس" أنه "ليس من المؤكد أن لديهم القدرة على استخدام كل الطائرات التي استولوا عليها، لكنهم اظهروا بالفعل انهم يعرفون كيف يستخدمون هذه المدفعيات".

وذكر مسؤول آخر أنه رغم عدم توافر أرقام محددة، فإن التقييم الاستخباراتي الحالي يشير إلى أن "طالبان" سيطرت على أكثر من 2000 عربة مدرعة منها ما هو من طراز هامفي الأميركي وما يصل إلى 40 طائرة قد يكون من بينها طائرات من طراز (يو.إتش-60) بلاك هوك وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات عسكرية مسيرة من طراز (سكان-إيغل).

ويبدو أن بعض المعدات تم إنقاذها من قبل عناصر من الجيش الأفغاني رفضوا الاستسلام.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية إن "ما بين 500 و600 جندي من القوات الخاصة الأفغانية انضموا إلى الجيش الأميركي في مطار كابول ويساعدون في في ضمان أمن الموقع".

وفي السياق نفسه، نشرت مجلة "جينز ديفانس" المتخصصة، صوراً التقطت بالأقمار الصناعية أمس الأربعاء، تظهر نحو 40 طائرة تابعة للقوات الجوية الأفغانية هبطت في أوزبكستان في الأيام القليلة الماضية لمنع وقوعها بأيدي عناصر طالبان.

وأضافت أنه تم رصد 26 مروحية بما في ذلك 5 طائرات من طراز "يو اتش-60 بلاك هوك" و16 مروحية "مي-17" سوفياتية وخمس طائرات "ي-25" في مطار ترميز في جنوب أوزبكستان الإثنين الماضي إلى جانب 21 طائرة للهجوم الخفيف بينها 11 من نوع "سي-208" وعشر طائرات "ايه-29 سوبر توكانو".

وقبل شهر تقريباً، نشرت وزارة الدفاع الأفغانية صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي لسبع طائرات هليكوبتر جديدة وصلت لكابول من الولايات المتحدة.

وبعد أيام قليلة، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للصحفيين في مقر وزارته: "سيستمرون في تلقي مثل هذا الدعم بوتيرة مستقرة من الآن فصاعداً".

لكن في غضون أسابيع، كانت حركة طالبان قد سيطرت على أغلب أنحاء البلاد وعلى أي أسلحة وعتاد تركتها القوات الأفغانية في أثناء فرارها.

وأظهر تسجيل مصور عناصر "طالبان" أثناء تقدمهم وهم يتفقدون صفوفاً طويلة من المركبات ويفتحون صناديق ممتلئة بأسلحة نارية جديدة ومعدات اتصال وحتى طائرات عسكرية مسيرة.

وقال مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه لرويترز "كل ما لم يتم تدميره أصبح الآن في يد طالبان".

كيربي: البنتاغون يخطط لتدمير الأسلحة التي استولى عليها عناصر "طالبان"

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بقلق بالغ فيما يتعلق بتلك الأسلحة وتبحث عدداً من الخيارات.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي في هذا الشأن، أمس الأربعاء إنه "حتى لو لم يكن لدى طالبان طيارون قادرون على قيادة المروحيات الأميركية، يخطط البنتاغون لتدمير الأسلحة التي استولى عليها المتمردون". 

وذكر في مؤتمر صحافي بأن "الجيش الأميركي قام خلال عمليات الانسحاب بإجلاء أو تدمير عدد كبير من الأسلحة والمعدات لمنع وقوعها في أيدي المسلحين".

وقال إنه "من المؤكد أننا لا نريد أن نرى تجهيزاتنا تقع بأيدي الذين يمكن أن يعملوا ضد مصالحنا وضد مصالح الشعب الأفغاني ومفاقمة العنف وغياب الأمن في أفغانستان".

وأشار كيربي إلى أن البنتاغون "لم يقرر بعد ماذا سيفعل بشأنها"، مؤكداً أنه "لدى واشنطن خيارات عدة بتصرفها، بما في ذلك تدميرها".

ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن "لديهم مخاوف من أن تُستخدم تلك الأسلحة في قتل مدنيين أو تقع في يد جماعات متشددة أخرى مثل تنظيم داعش، وتُستغل في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة أو تسلم لخصوم لها مثل الصين وروسيا".

وقال المسؤولون إن "شن ضربات جوية لاستهداف العتاد العسكري الأثقل مثل الطائرات الهليكوبتر لم يُستبعد بعد، لكن هناك قلقاً من أن يستعدي ذلك طالبان في وقت تستهدف فيه الولايات المتحدة بالأساس إجلاء الأشخاص لبر الأمان".

في المقابل، انتقد بعض الجمهوريين الأميركيين قرارات الرئيس الديمقراطي جو بايدن.

وكتبت رئيسة الحزب الجمهوري رونا مكدانيل على "تويتر" الثلاثاء الماضي إنه "بفضل الانسحاب الفاشل لبايدن، أصبحت طالبان مجهزة بشكل أفضل اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى". 

من جهتها، علقت النائبة لورين بويبرت المؤيدة لترامب أمس الأربعاء بالقول إن "جو بايدن يؤيد فرض مراقبة على مبيعات الأسلحة إلا إذا كان الأمر يتعلق بمنح طالبان أسلحة حربية بمليارات الدولارات".

وقال كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول لـ "رويترز" عبر البريد الالكتروني "شاهدنا بالفعل مقاتلين من طالبان يحملون أسلحة أميركية الصنع استولوا عليها من القوات الأفغانية. وهذا يشكل خطراً بالغاً على الولايات المتحدة وعلى حلفائنا".

ما هي المعدات التي منحتها أميركا للجيش الأفغاني؟

أنفقت واشنطن منذ عشرين عاماً 83 مليار دولار لتدريب وتجهيز الجيش الأفغاني.

وتفيد أرقام المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان "سيغار" الهيئة التابعة للكونغرس بأن الجيش الأميركي قدم إلى الجيش الأفغاني في السنوات الأخيرة أكثر من سبعة آلاف مدفع رشاش و4700 عربة همفي مصفحة وأكثر من 20 ألف قنبلة يدوية.

وسلمت الولايات المتحدة القوات الجوية الأفغانية أكثر من مئتي طائرة مروحية أو ثابتة الجناح، لكن 167 منها فقط كانت صالحة للطيران في 30 حزيران/يونيو، حسب تقرير حديث ل، "سيغار".

ومن عام 2002 إلى 2017، منحت الولايات المتحدة الجيش الأفغاني أسلحة تقدر قيمتها بنحو 28 مليار دولار وتشمل بنادق ونظارات للرؤية الليلية وطائرات مسيرة صغيرة لأغراض جمع المعلومات الاستخباراتية.

لكن طائرات مثل الهليكوبتر "بلاك هوك" كانت أبرز مؤشر واضح للعيان على مساعدة الجيش الأميركي للقوات الأفغانية وكان من المفترض أن تمنحها أكبر تفوق على "طالبان".

ووفقاً لمكتب محاسبة الحكومة الأميركية "جاو" فقد زودت الولايات المتحدة القوات الأفغانية بنحو 208 طائرات في الفترة بين عامي 2003 و2016.

وفي الأسبوع الماضي، أثبتت العديد من تلك الطائرات فائدتها للطيارين الأفغان.. إذ استخدموها للفرار من "طالبان".

وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن ما بين 40 و50 طائرة وصلت لأوزبكستان يقودها طيارون أفغان يسعون للجوء.

وبعض الطائرات كانت في الولايات المتحدة من أجل أعمال صيانة وستبقى هناك. وتلك التي كانت في طريق العودة إلى القوات الأفغانية سيستخدمها الجيش الأميركي للمساعدة في عمليات الإجلاء من كابول.

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إنه على الرغم من قلقهم من وصول طالبان لطائرات الهليكوبتر، فإن أغلبها بحاجة لصيانة متكررة، كما أن تشغيل العديد منها مسألة معقدة من دون الحصول على تدريب مكثف.

وقال مسؤول "ما يدعو للسخرية أن تعطل معداتنا المتكرر يعتبر الآن إنقاذ حياة".

وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي أشرف على عمليات الجيش الأميركي في أفغانستان في الفترة من عام 2016 إلى عام 2019 بصفته وقتها قائد القيادة المركزية الأميركية، إن "أغلب العتاد المتطور الذي وصل لأيدي طالبان بما في ذلك الطائرات لم يكن مزوداً بتقنيات أميركية حساسة".

وأضاف "في بعض الحالات، سيكون جانب منها أشبه بالجوائز التذكارية".

أيضاً، هناك مخاوف آنية تتعلق بالأسلحة والعتاد الأسهل استخداماً مثل نظارات الرؤية الليلية.

فمنذ 2003، زودت الولايات المتحدة القوات الأفغانية بما لا يقل عن 600 ألف قطعة سلاح مشاة بما يشمل بنادق من طراز "إم16" و162 ألف قطعة اتصالات و16 ألف جهاز للرؤية الليلية.

وقال مستشار في الكونغرس لرويترز "القدرة على تنفيذ عمليات ليلاً عامل يغير موازين اللعبة بحق".

وقال فوتيل وآخرون إن الأسلحة الخفيفة التي استولى عليها المسلحون مثل البنادق الآلية وقذائف المورتر وقطع المدفعية بما فيها مدافع هاوتزر قد تعطي طالبان ميزة في مواجهة أي مقاومة قد تستجد في معاقل معروفة بمناهضة الحركة مثل وادي بانجشير شمال شرقي كابول.

وقال مسؤولون أميركيون إن التوقع العام هو أن أغلب الأسلحة ستستخدمها عناصر من "طالبان" نفسها لكن من السابق لأوانه الحكم على ما تخطط له الحركة مثل احتمالية تشارك العتاد مع دول منافسة مثل الصين.

ويرى الخبير في السياسة الخارجية الصينية بصندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة آندرو سمول، أن "طالبان ستسمح على الأرجح لبكين بالوصول لأي أسلحة أمريكية في يدها حالياً".

مع بدء الولايات المتحدة تطبيق خطة الانسحاب من أفغانستان، بدأت حركة "طالبان" تسيطر على كل المناطق الأفغانية، وتوجت ذلك بدخولها العاصمة كابول، واستقالة الرئيس أشرف غني ومغادرته البلاد. هذه الأحداث يتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة دولياً وإقليمياً.

اخترنا لك