لبنان بعد انتهاء أزمة الشغور الرئاسي

الحلول أمام رئيس الحكومة المكلّف لن تكون سهلة، فإقناع رئيس المجلس لن يحدث إلا عبر مقررات الحوار الوطني، وهنا عودة إلى سلّة بري، فإما التزام مقررات الحوار الوطني، أو الدخول في أزمة تأليف للحكومة، فيكون انتخاب رئيس للجمهورية، مجرد تصدير للأزمة اللبنانية من الرئاسة الأولى إلى الرئاسة الثانية .

هل تصدّر الأزمة السياسية في لبنان من الرئاسة الأولى إلى الرئاسة الثانية؟
"صنع في لبنان" بهذه العبارة يستهل مؤيدو المرشح لرئاسة الجمهورية النائب ميشال عون كلامهم عن التطورات في ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان. "الجنرال" بات قاب قوسين أو أدنى من الجلوس على كرسي القصر، حتى إن البعض بات يتحدّث عن مرحلة ما بعد الانتخاب، توزيع الحقائب الوزارية، ملف النفط، الأمن، الاستراتيجية الدفاعية. هي مرحلة التكامل بين الحكومة ورئاسة الجمهورية إذاً وللسلطة التشريعية دورها طبعاً، هكذا يروّج أنصار الجنرال. 
التيار الوطني الحر وعلى لسان رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، يؤكد الرغبة في الحصول على أكبر تأييد ممكن. "كنا نعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري في موقع المؤيد لنا، هو فضّل أن يكون له خيار آخر لم نكن نتوقعه"، بهذه الكلمات عقّب رئيس التيار على تأييد رئيس المجلس النيابي نبيه بري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية في السباق الرئاسي. باسيل ابتعد عن أي كلام استفزازي، هو توجّه أيضاً للقطب الدرزي الأبرز في البلاد وليد جنبلاط، "التفاهم مع النائب وليد جنبلاط يشكّل ضرورة للجبل وللبنان، ولتحقيق وحدة وطنية حقيقية لا تستثني أحداً". هكذا تبنى التيار البرتقالي خطاباً إيجابياً تجاه الجميع، خطاباً أراده مجسّداً للرئيس القوي مسيحياً والجامع لبنانياً.

إلى المعارضة

"في هذا اللقاء بين دولة الرئيس عون وبيني سمع مني وسمعت منه والاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية"، هكذا عقّب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على اللقاء مع عون. اللقاء كان صريحاً للغاية بين الرجلين، سمع عون موقف بري بوضوح، الإجماع الذي يسعى عون للحصول عليه عبر اتفاقات ثنائية كان من الممكن الوصول إليه عبر الحوار الوطني، فلماذا الالتفاف على طاولة الحوار؟، تتساءل مصادر مقربة من بري. 

مقررات الحوار الوطني أو ما سُمي لاحقاً بـ"السلّة" هي ما يصّر عليه رئيس المجلس، لعل أبرز بنودها قانون انتخابي جديد يمثّل اللبنانيين حق تمثيل. القانون النسبي هو ما يريده بري، حلاً للعقدة الطائفية التي تخنق البلد. هكذا ينظر رئيس حركة أمل الى القانون النسبي في الانتخابات التشريعية، وهو يلتقي هنا مع حزب الله ومع الرغبة الشعبية التي عبّرت عن نفسها في تظاهرات سابقة طالبت بقانونٍ انتخابي يعتمد النسبية.

لم يكن عون بعيداً عن هذا الطرح في السابق، كل المقربين منه أعلنوا سابقاً دعمهم للنسبية، إلا "أن هذا الدعم تغيّر بعد الاتفاق العوني مع تيار المستقبل". تشير مصادر متابعة إلى أنه "إلى جانب تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة في عهد عون المقبل، التزم الأخير أيضاً بالإبقاء على ما يعرف بـ"قانون الستين" الذي اعتمد في آخر انتخابات تشريعية، قانوناً للانتخابات المقبلة. هذا الأمر شكل الدافع الأساس لمعارضي عون وعلى رأسهم بري للذهاب إلى أقصى الحدود، "سنحضر جلسة الانتخاب الرئاسية، سنصوّت لفرنجية ونهنئ عون في حال ربح السباق، ومن بعدها الى المعارضة ". 

تصدير الأزمة

تؤكد مصادر حركة أمل أن كتلة التنمية والتحرير التابعة لها في البرلمان ماضية بخيارها الذي أعلنه رئيسها نبيه بري. "حتى الآن نحن متوجهون نحو المعارضة، لن تدخل أمل الحكومة المقبلة" وفق المصادر. 
للوهلة الأولى يعتقد البعض أن الأمر عادي، إلى أن يخطر بالبال سؤال مهم: هل يشارك حزب الله في حكومة تغيب عنها أمل؟ كل المؤشرات تنبئ بأن موقف حارة حريك من هذا الأمر محسوم. لن يشارك حزب الله في أي حكومة ما لم تكن أمل مشاركة فيها، حتى إن البعض تحدث أن الأمر في هذه الحالة مشابه تماماً للموقف الذي اتخذه الحزب من الانتخابات الرئاسية، "إذهبوا وتحدثوا مع عون"، هكذا تعامل حزب الله مع الأزمة الرئاسية، وستصبح العبارة "إذهبوا وتكلموا مع بري" في ما خص الحكومة. 

الحلول أمام رئيس الحكومة المكلّف لن تكون سهلة، فإقناع رئيس المجلس لن يحدث إلا عبر مقررات الحوار الوطني، وهنا عودة إلى سلّة بري، فإما التزام مقررات الحوار الوطني، أو الدخول في أزمة تأليف للحكومة، فيكون انتخاب رئيس للجمهورية، مجرد تصدير للأزمة اللبنانية من الرئاسة الأولى إلى الرئاسة الثانية .

الوقت كالسيف

كثيرة هي الحلول في لبنان، ومساراتها واضحة، كل ما هو مطلوب، بحسب مصادر حركة أمل، هو اتفاق وطني جامع للاتفاقيات الثنائية، فلا تتضارب الأخيرة مع الأولى، إلا أن عامل الوقت ليس في مصلحة أحد. جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر تقترب. رئيس المجلس النيابي غادر البلاد السبت للمشاركة في مؤتمر البرلمان الدولي بجنيف، ليعود الى بيروت في ٢٩ تشرين الأول/ أكتوبر. يومان إذاً يفصلان بين عودته وجلسة الانتخاب، الوقت ضيّق، فهل يستطيع العماد ميشال عون استثماره بتحقيق الإجماع الذي يطلبه لنفسه قبل جلسة الانتخاب؟؟ أم أنه سيعتمد على ما حصّله من أصوات نيابية ويترك حلول المشاكل المقبلة لما بعد انتخابه.

ربما يتم تأجيل الجلسة لإعطاء وقت للنقاش ومحاولة حلّ العقد، وربما يتم الانتخاب وتُرحّل المشاكل نحو تأليف الحكومة، التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن تنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة.  في كلتا الحالتين فإن سيف وقت الاستحقاقات الدستورية حاد للغاية، وانعكاس الشلل في المؤسسات على الشارع اللبناني، ينذر بضرورة التحرك لإيجاد الحل الوطني الشامل.

اخترنا لك