إيران تنتظر ترامب بحذر

أثار تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة قلقاً كبيراً لدى الرئيس الإيراني حسن روحاني. فالرئيس الحالي الذي سيخوض الانتخابات لولاية ثانية في أيار/ مايو المقبل يدرك تماماً أن مصير إرثه الرئيسي المتمثل بالإتفاق النووي معلّق على ما سيقرّره الرئيس الأميركي المنتخب بشأن العلاقات مع إيران.

تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يثير قلقاً كبيراً لدى الرئيس الإيراني حسن روحاني
في الحقيقة، تبدو حكومة روحاني عالقة بين المطرقة والسندان. فمن جهة الضغوط المتزايدة من قبل المتشددين الذين يستندون إلى ما يعتبرونها "النتائج الهزيلة" للاتفاق النووي لإقناع المترددين من الجمهور بعدم صوابيته، ومن جهة أخرى تهديدات الإدارة الجديدة في واشنطن بإلغائه. 
ولكي يزداد الوضع تعقيداً، أضاف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المزيد من الضغط على حكومة روحاني حين قال في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر إن فرض عقوبات جديدة لا يختلف عن تجديد العقوبات القائمة، في إشارة إلى قرار الكونغرس الأميركي تجديد العقوبات على إيران.  
خامنئي انتقد روحاني وفريقه من دون تسميتهم قائلاً إنهم تسرّعوا، "حين نكون في عجلة من أمرنا نتجاهل التفاصيل وفي بعض الأحيان تجاهل نقطة تافهمة يمكن أن يخلق ثغرة ونقطة سلبية في العمل" على حدّ تعبيره. 

شكوك في طهران

مسؤول إيراني تحدث شرط عدم الكشف عن اسمه قال إن انتخاب ترامب زاد الشكوك في طهران. "كل الخيارات وضعت على الطاولة. في حال يريد ترامب تقبل الاتفاق وطهران سوف نتقبله، ولكن إذا قرر أن يكون سيئاً عندها سيكون على إيران التعامل مع الوضع". 
وقال المسؤول إن إيران لم تضع أي خطط بناء على نتائج الانتخابات الأميركية، معتبراً أن "الأمر مهم بالنسبة للذين يربطون مصائرهم بالأميركيين ولكن ليس بالنسبة لنا. نحن نعلم أن الانتخابات الرئاسية الأميركي هي عملية الاختيار بين السيء والأسوأ. ونحن حتى لم نعرف ما إذا كان الفائز هو الأسوأ".
بالكاد كانت صدرت نتائج الانتخابات الأميركية حين سألت مسؤولاً إيرانياً رفيعاً ما إذا كان يعتقد أن انتخاب ترامب يعني انتهاء الاتفاق. المسؤول الذي تحدث شرط العدم الكشف عن اسمه، قال إنه ليس قلقاً إلى هذه الدرجة وإن القادمين الجدد إلى البيت الأبيض بدأوا بالفعل يدركون أهمية الاتفاق.  
وذكر المسؤول أن مطالب وليد فارس أحد مستشاري ترامب بإجراء تعديلات على الاتفاق تعدّ بكل بساطة تراجعاً عن فكرة إلغاء الاتفاق، لأنه لا يمكنهم تغييره بين ليلة وضحاها.  
بعد شهر، وخلال مؤتمر حول الأمن في طهران في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2016 أعرب وزير الدفاع حسين دهقان عن اعتقاده أن ترامب لن ينقلب على الاتفاق النووي، قائلاً "نظراً لشخصية ترامب وقياسه كل شيء بالدولار نحن لا نعتقد أنه سينتهج سياسات متطرفة ضد بلادنا". لكن في المؤتمر نفسه قال دهقان بنفسه "إن مستشاري ترامب قد يرسمون له خارطة طريق مختلفة وهو ما يبعث على القلق خصوصاً في أوساط دول الخليج الفارسي".    


طهران تنظر إلى ترامب كأحد الصقور

في الواقع يبدو أن ترامب جعل من الصعب على إيران توقع ما ستكون عليه سياسته في البيت الأبيض، ليس بسبب الغموض في خطابه إنما للصراحة والتناقض الذي يغلب على خطابه حول إيران. 
يقول ترامب إنه لا يريد المزيد من التدخل في الشرق الأوسط، هو يعارض تغيير النظام في سوريا، ويفضّل التنسيق مع روسيا في الحرب ضد داعش. في المقابل يقول ترامب إنه يريد إجراءات أكثر صرامة ضد إيران، ويريد تغيير الاتفاق النووي فيما يسيطر على فريق مستشاريه مجموعة من الصقور المناهضة لإيران. 
يقول الخبير في الشأن الإيراني ومدير مركز "كاربو" للابحاث في ألمانيا عدنان طبطبائي "إن صانعي السياسة في طهران لا شك يفضلون ترامب على كلينتون حين يتعلق الأمر بالقضايا الإقليمية. وينظر إلى سجل كلينتون في وزارة الخارجية على نحو سلبي في إيران في المقابل فإن نقص الخبرة لدى ترامب وعدم وجود شهية لديه للعب دور بارز في المنطقة يناسب مبدأ إيران الشامل بضرورة رفض الوجود الأميركي في المنطقة".
ينظر إلى كلينتون في إيران على أنها صقر في هيئة حمامة في ما يتعلق بسوريا، بسبب تصوّر بأن وزيرة الخارجية السابقة كانت الأكثر تطرفاً بين أعضاء إدارة أوباما تجاه تغيير النظام في دمشق. كذلك ينظر المسؤولون الإيرانيون إلى كلينتون بكونها أكثر خبرة من ترامب وهو ما كان سيجعلها بنظرهم تنتهج سياسة خارجية تتعارض مع مصالح إيران في المنطقة خصوصاً في سوريا.  

رغم ذلك فإن الشخصيات التي عيّنها ترامب للسياسة الخارجية أثارت قلقاً في أوساط المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً مستشار الأمن القومي مايكل فلين فضلاً عن نظرتهم الحادة تجاه مستشارين آخرين مثل جون بولتون ونيوت غينغريتش ورودي جولياني.
وفق طبطبائي "فإن المحيطين بترامب هم مجموعة من منظري الصقور الذين قد يدفعون به نحو دور أكثر نشاطاً في الشرق الأوسط".  

تعزيز التيار المتشدد

بالنسبة للمرشد خامنئي فإن اللحظة الأميركية الجديدة تعدّ بمثابة فرصة ذهبية للترويج لعقيدته التي تدعو إلى عدم الثقة بالولايات المتحدة الأميركية كما عبّر في مناسبات عدّة في السابق. 
كان على خامنئي أن يتجرّع الكأس المرة وهو يشاهد مسؤولي بلاده يفاوضون نظراءهم الأميركيين على مدى السنوات الثلاث الماضية منذ وصول الرئيس حسن روحاني وفريقه إلى السلطة. 
في غضون ذلك يواصل سياسيو وناشطو اليمين وصف المفاوضات النووية والتقارب المحتمل بـ"حصان طروادة الأميركي للتسلل إلى إيران". عداؤهم هذا لا يعني بالضرورة أن المتشددين يريدون إلغاء الإتفاق. إذ إن نتائجه على المستويين الاقتصادي والسياسي كانت إيجابية، حيث زادت صادرات إيران من النفط ثلاثة أضعاف منذ 2015 كنتيجة للاتفاق، كما عبّر المستثمرون الأجانب عن اهتمامهم الجديد بالاستثمار في إيران بالرغم من العقوبات الأميركية التي تعترض طريقهم. كذلك وقعت إيران اثنتين من أضخم الصفقات لتجديد أسطولها من الطائرات مع كل من شركتي "بوينغ" و"ايرباص".
سياسياً أنهت الجمهورية الإسلامية مرحلة من العزلة التي سيطرت على علاقاتها بالعالم خلال العقود الماضية مع تحررها من العقوبات التي فرضتها عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. 
وفق عباس أصلاني محرر الشؤون الدولية في وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية فإنه "سواء ظل الإتفاق النووي قائماً أو تمّ إلغاؤه فإن ترامب قد يحاول وقف عمل الشركات الأجنبية والدول الأخرى مع إيران. وهذا الأمر يمكن أن يكون مصدر قلق لدى اليمين واليسار في إيران". 
أصلاني الذي غطّى الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية في فيينا في تموز/ يوليو 2015 شرح أن مصادر القلق تتأتى من مسائل متعددة من بينها الضغط الذي يمكن أن يمارسه ترامب على الأوروبيين من أجل عدم العمل مع إيران، من خلال فرض المزيد من العقوبات أو من خلال معاقبة الشركات التي تقرر التعامل مع طهران، مشيراً إلى "أن ترامب شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وقد يقوم بأمور ليست في الحسبان". 

إيران تتمتع باعتراف دولي

بالنسبة لإيران ما حققه الإتفاق النووي أكثر من مجرد مكاسب اقتصادية وسياسية. الحسابات الأمنية هي بالقدر نفسه من الأهمية، إذ يمكن النظر إليه على أنه إعادة تفاوض شامل حول علاقات إيران بالقوى العالمية بما يحدّ من مخاطر توجيه ضربة عسكرية ضدها ويوقف الحديث عن تغيير النظام فيها. لذلك من غير المرجح أن توفّر إيران الأسباب لانهيار الاتفاق، على الأقل ليس بهذه السهولة.
يقول مدير مركز كاربو عدنان طبطبائي إن النخبة السياسية الإيرانية تتوقع أن تقوم إدارة ترامب بما في وسعها لإضعاف الاتفاق، على سبيل المثال من خلال محاولة الحدّ من فوائد إيران الاقتصادية المتأتية منه، مع عدم خرق الاتفاق على نحو سافر لما لذلك من تكلفة سياسية كبيرة. 
في هذه الحالة يضيف طبطبائي "من المحتمل أن تردّ إيران بالمثل من خلال اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل لا تكون موجّهة ضدّ الاتفاق. من بين هذه التدابير على سبيل المثال تدريبات عسكرية، وتجارب صاروخية والحديث عن سفن الوقود النووي. من خلال القيام بذلك تسعى إيران لإرسال رسالة من المرونة واليقظة ذات تأثير داخلي وخارجي". 
ستراقب إيران بحذر ما إذا كان من تبقى من مجموعة الدول الخمس زائداً واحداً سيحذو حذو ترامب في تشدده. يعتقد طبطبائي أن طهران ستقترب أكثر من أوروبا في حال كانت الأخيرة مستعدة للحفاظ على علاقات ودية بالرغم من التحوّل في خطاب ترامب.


سوريا ساحة مصيرية

في حين يمكن للاتفاق النووي أن يتسبب بتوتر بين طهران وواشنطن، يمكن للصراع في سوريا أن يشكّل فرصة للتعاون بين الإدارتين إن لم يكن على نحو مباشر فمن خلال روسيا. لقد أعلن ترامب أن داعش يشكل تهديداً أكبر من نظام الرئيس السوري بشار الأسد بما يتناغم مع إيران التي تعتبر الأسد حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط.  
إن الحرب في سوريا جعلت إيران وروسيا تتقاربان أكثر من أي وقت مضى من خلال تشارك الأهداف المرحلية نفسها. مع ذلك فإن ثمّة من يتساءل في إيران عمّا إذا كان التعاون الروسي الأميركي سيؤثر على طهران، حيث تخشى النخبة الإيرانية من أن يعني ذلك حرمان بلادهم من مكانتها كلاعب رئيسي في كلا الصراعين السوري والعراقي. من الأمور الرئيسية الأخرى التي تبعث على القلق لدى إيران هو تأثير مثل هذا التعاون على حليفها الرئيسي حزب الله نظراً لالتزام البلدين الكامل أمن إسرائيل (التي تعتبر حزب الله التهديد الرئيسي لها). 
في حال كانت مخاوف الطرفين مبنية على أساس متين فإن هذا يعني أن الجمهورية الإسلامية في إيران ستخرج من هذه الحرب المكلفة والمدمّرة خالية اليدين.
وينبع قلق إيران من أن تعاونها مع روسيا كان انتهازياً في جزء كبير منه، فرضته الظروف في سوريا وهو قابل للتغيير والتطور في حال تغيّرت الظروف نفسها. 
تتشارك كل من إيران وروسيا الأهداف القصيرة المدى في سوريا مع ذلك فإنهما تختلفان حول المصالح الأساسية. إذ إن روسيا التزمت ببقاء الدولة السورية والنظام فيما استثمرت إيران في شخص بشار الأسد. وبالتالي فإنه طالما لا يوجد بدائل يمكن لإيران أن تعتمد على الشراكة مع روسيا، لكن في حال قرر ترامب توثيق العلاقات مع بوتين فإنها يمكن أن تفقد سطوتها.  
في إيران أي إدارة أميركية هي بمثابة عدو وأياً يكن من يحكم البيت الأبيض هو خصم حتى يثبت العكس. لذلك لا توجد صدمة في طهران من رئيس معاد لإيران. بيد أن المخاوف المتفاقمة من ترامب يمكن أن تجعل المتشددين يتوحدّون ضد محاولة روحاني الفوز بولاية ثانية، بحجة أن معتدلاً في طهران لن يكون حصناً منيعاً في مواجهة متشدد في واشنطن.  
الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو المقبل في إيران ستكون الاختبار الأول للتحالف المعتدل الهش المؤيد للاتفاق النووي في إيران وما إذا كانت مبادئه التصالحية ستصمد في عصر ترامب.