التحركات الأميركية عند الحدود السورية - العراقية.. أيّ أهداف وتداعيات؟

بحيث إن الأمور في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا معقّدة بصورة واضحة، وبسبب وجود لاعبين أقوياء كُثر فيها، فإن مسألة تغيير طبيعة الوضع القائم، ولا سيما على مستوى السيطرة الميدانية، لن تكون سهلة.

  • الحدود السورية العراقية.
    الحدود السورية العراقية.

على رغم ان كثيرين من الخبراء والمتابعين ما زالوا يعتقدون أن الوجود الأميركي في المنطقة هو وجود رمزي يهدف إلى المحافظة على المصالح الأميركية فحسب، وعلى رغم أن آخرين ينظرون إلى أن عدد الجنود الأميركيين الموجودين في المنطقة بصورة دائمة، لا يعطي أميركا أي فرصة في القيام بأعمال عسكرية واسعة، وأنه عبارة عن وجود موقّت وطارئ، ولا توجد رغبة لدى متخذي القرار في واشنطن في أن يصبح طويل الأمد ومُستداماً، فإن حقيقة الأمر تبدو غير ذلك تماماً، إذ إن الرغبة الأميركية في البقاء تبدو واضحة للعيان، وإن كانت بأقل عدد من الجنود، ولا سيما في ظل وجود حلفاء إقليميين ومحليين في إمكانهم القيام بالدور نفسه الذي تقوم به القوات الأميركية.

هذه الرغبة أكدها كثير من التصريحات الأميركية في الاسابيع الأخيرة، والتي كان آخرها ما قاله رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي خلال زيارته الأردن في الأول من أيلول/سبتمبر الحالي، بحيث قال "إن منطقة الشرق الأوسط مهمة جداً للولايات المتحدة، ولا يمكن تصوّر تخلي الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط أبداً".

بالإضافة إلى ذلك، فإنه يبدو أن الولايات المتحدة لن تكتفيَ بالبقاء في المنطقة فحسب، بل هي ذاهبة أيضاً في اتجاه إحداث تحولات استراتيجية على مستوى الإقليم، وهذا أيضاً واضح من خلال توسيع علاقاتها بأطرافٍ وأعراقٍ شتّى، ولا سيما في المناطق الساخنة، كالشرق والشمال الشرقي من سوريا، وغربي العراق، والسودان، وغير ذلك من دول المنطقة. وكل ذلك يصب، كما يبدو، في خدمة مشاريع التقسيم التي تعمل عليها واشنطن بمساعدة الكيان الصهيوني، وبعض الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، والتي تتولّى تمويل كثير من المشاريع تحت عناوين متعددة، وهي تصب في الاتجاه نفسه.

إلى جانب التصريحات والمواقف المُعلنة، يمكن لنا ان نلاحظ وجود عدد من الإجراءات الميدانية، التي تشي بأن هناك تطوراً ما قادماً، ولا سيما في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا. في تلك المنطقة، بالغة الأهمية بالنسبة إلى كثير من الأطراف الإقليميين، كونها تمثّل شرياناً برياً حيوياً لدول قريبة منها، وأخرى بعيدة عنها، تبدو الامور معقّدة بطريقة فريدة، إذ إن اللاعبين، الذين يحاولون الاستثمار فيها، كُثُر، بالإضافة إلى المتربّصين وأصحاب المصالح الفئوية والمناطقية، والذين يحاولون اللعب على كل الحبال، علّهم يحصلون على مبتغاهم ومرادهم، بأقل جهد ممكن.  

وكان لافتاً، خلال الأشهر الأخيرة، حجم التحركات الأميركية بالقرب من الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، ولا سيما في المنطقة الحدودية الواقعة بين مثلث التنف جنوبي شرقي سوريا، حيث الوجود الأميركي الأبرز، وصولاً إلى حدود الحسكة، حيث سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، "قسد".

في هذه المنطقة المترامية الأطراف، والتي تمتد أكثر من 250 كلم، ويقع عند أحد طرفيها معبر القائم العراقي، ويقابله عند الطرف السوري الآخر معبر البو كمال، تبدو الأمور مرشّحة لتحوّلات دراماتيكية، وخصوصاً في ظل التحرّكات الأميركية المشبوهة، والتي تأخذ أشكالا متعددة، وتستخدم من خلالها واشنطن مروحة واسعة من الخيارات التكتيكية الميدانية، وأخرى سياسية.

تحرّكات مريبة ومشبوهة

بحسب كثير من المصادر العراقية والسورية، وأخرى تابعة لدول إقليمية وزانة، فإن القوات العسكرية الأميركية، المنتشرة في أكثر من مكان في سوريا والعراق، بدأت تنفيذ تحركات ميدانية غير تقليدية، إذ قامت بإرسال أرتال عسكرية كبيرة من قاعدة عين الأسد في صحراء الأنبار العراقية في اتجاه قاعدة التنف الواقعة في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، والتي تضم القوات الأميركية الأكبر في الأراضي السورية، بالإضافة إلى وجود عدة مجموعات مسلحة داخلها أو بالقرب منها، وهي تأتمر بأوامر القوات الأميركية في سوريا. 

وبدا واضحاً أن وصول هذه الأرتال لم يكن بداعي تبديل القوات الموجودة بقوات أخرى، كما يحدث في بعض الاوقات، بحيث إنه لم يُلحظ خروج قوات من تلك التي توجد في القاعدة في اتجاه الأراضي العراقية، وإنما كانت حركة القوات في اتجاه واحد، هو الأراضي السورية.

بالإضافة إلى ذلك، قامت القوات الأميركية الموجودة في القواعد العسكرية في ريف دير الزور والحسكة بنصب بطاريات مدفعية طويلة المدى، من طراز "هيمارس"، يبلغ مداها نحو 70 كلم، وتتميّز بدقة إصابة عالية جداً، وأثبتت نجاعة ملحوظة في الحرب الروسية الأوكرانية. بالإضافة إلى ذلك، تم استحداث قاعدتين أميركيتين جديدتين، واحدة في منطقة السويدية في ريف الرقة الغربي، والأخرى عند مدخل الرقة الجنوبي.

ليس هذا فحسب، بل إن مجموعة من المصادر العراقية تشير إلى تحركات أميركية أوسع كثيراً من ذي قبل عند الحدود بين سوريا والعراق من الناحية العراقية، وخصوصا في المناطق القريبة من معبر القائم الحدودي، والذي يُعَدّ الشريان البري الوحيد الذي يمكن استخدامه للتجارة بين البلدين من دون تدخل أميركي أو تركي أو كردي. ونفت تلك المصادر أن يكون ما يجرى عبارة عن مناورات، أو إعادة انتشار للقوات الأميركية في صحراء الأنبار.

إذ إنه لم يسبق لهذه القوات القيام بما يشبه هذه التحركات، أو ما يوازيها خلال الأعوام الماضية، بالإضافة إلى أن المنطقة الحدودية بين الجانبين السوري والعراقي تشهد حالة من الهدوء، في ظل سيطرة الجيش السوري على معبر البو كمال والمناطق المجاورة له، ولا توجد أي اشتباكات أو عمليات قتالية من أي نوع قد تتطلّب مثل هذا النوع من التحرّكات.

إلى جانب كل ذلك، بدت واضحةً كثافةُ الطلعات الجوية للطيران الأميركي المسيّر، والذي يقوم منذ عدة أشهر بتنفيذ طلعات شبه يومية تستمر ساعات طويلة فوق المنطقة الحدودية، وفي محاذاتها، وبالقرب من مناطق سيطرة الجيش السوري، ولا سيما في دير الزور وريفها.

وبناءً عليه، يرجّح معظم المراقبين والمتخصّصين أن يكون الهدف الأميركي أبعد من ذلك كثيراً، وهو يتعلّق بسعيه لتحقيق أهداف قد تبدو، من وجهة نظر البعض، استراتيجية، وتحمل طابعاً حيوياً ومؤثّراً في جغرافيا المنطقة.

أهداف أميركية مُحتملة

نظراً إلى أهمية المنطقة بالنسبة إلى كثير من الأطراف، وبحيث أنها تُعَدّ مجالاً استراتيجياً وحيوياً لعدة جهات في الإقليم، ولا سيما لدول محور المقاومة، وفي المقدمة منها الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تسعى لفتح طرق برية آمنة ومُستدامة، من أجل إيصال تجارتها إلى شواطئ المتوسط، انطلاقاً من أراضيها، ومروراً بالأراضي العراقية والسورية، وصولاً إلى البحر، بالإضافة إلى استخدام هذا الطريق كما تقول مجموعة من المصادر لإيصال السلاح إلى الحليف السوري، وإلى حزب الله في لبنان، وهذا هو الهدف الأهم، كما تقول مصادر أميركية وإسرائيلية، من وراء فتح هذا الطريق.

وبالتالي، يمكن أن تسعى الولايات المتحدة الأميركية للضغط من خلال تحركاتها العسكرية، من أجل تحقيق جملة من الأهداف في إطار مواجهتها المفتوحة مع إيران تحديداً، وإن لم تصل إلى المواجهة المباشرة بعدُ، ومع محور المقاومة بصورة عامة، ولا سيما أن جزءاً من هذه الأهداف ينسجم تماماً مع المصلحة الإسرائيلية، التي تَعُدّ أن زيادة حجم الأسلحة، التي تصل إلى حزب الله، تشكّل خطراً داهماً على أمنها. وبالتالي، يمكن الاعتقاد أن هناك جملة من الأهداف تسعى أميركا لتحقيقها، او تحقيق جزء منها، على أقل تقدير، ومنها:

1- مواجهة الاستنزاف بالردع:

لوحظ في العامين الاخيرين تحديداً زيادة حجم الهجمات الصاروخية، وتلك التي تُستخدم فيها الطائرات المسيّرة التي تستهدف القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في منطقة شرقي الفرات، ولا سيما في منطقة التنف، بالإضافة إلى قيام مجموعات مقاتلة محسوبة على محور المقاومة بمحاولة شن عدد من الهجمات على مواقع أميركية أخرى للقوات المكلّفة حمايةَ حقول النفط والغاز، المسيطَر عليها أميركياً، وخصوصاً تلك الموجودة في حقل العمر، أكبر حقول النفط السورية، والواقع شرقي مدينة الميادين في محافظة دير الزور، أو القاعدة المجاورة لمعمل غاز كونيكو في الريف الشمالي لدير الزور، والتي تضم مهبطاً للطائرات المروحية، ومزودة ببطاريات صواريخ دفاع جوي من طراز باتريوت. وبالتالي، بات الأميركي يشعر بأنه يواجه مجموعة من الهجمات يمكن أن ترتفع وتيرتها في المستقبل، على نحو يحوّلها إلى حرب استنزاف، تستهدف قواتِه المحدودة نسبياً، بالنسبة إلى العدد، بحيث إنه، بحسب مصادر متعددة، لا يزيد عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في الأراضي السورية على 3000 جندي. 

بناءً عليه، يمكن ان يكون الهدف الأميركي هو إرسال رسالة ردع إلى كلٍّ من إيران وحلفائها، تدفعهم إلى إيقاف هجماتهم المزعجة، وتمنعهم من زيادة حجمها ووتيرتها.

2- دعم الموقف التفاوضي الأميركي:

بحسب بعض التسريبات، التي ورد جزء منها في الصحافة الأميركية، فإن هناك مفاوضات تجري بوساطة عُمانية بين كلٍّ من إيران وسوريا من جهة، وقوات الاحتلال الأميركي من جهة أخرى، تسعى للوصول إلى اتفاق يُخفّض منسوب التوترات في المنطقة، ويساهم في تهيئة الأجواء الملائمة لفكفكة بعض الملفات العالقة، وفي المقدمة منها الملف السوري. ولأن الوجود الأميركي، كما التركي في سوريا، يُعَدّ حجر عثرة في طريق الوصول إلى حل يُنهي الحرب السورية بكل تداعياتها، ويُحافظ على وحدة الأراضي السورية في وجه مخططات التقسيم المتعددة والمتشابكة، فإنه مطلوب، إيرانياً وسورياً، خروج القوات الأميركية من الشرق السوري، ورفع يدها عن آبار النفط والغاز بصورة نهائية. وبالتالي، يبدو أن أميركا تحاول، من وراء تحركاتها العسكرية، الضغط على الإيرانيين والسوريين، من أجل تحقيق ما تسعى له من مصالح، ولحصول على إنجاز أكبر إذا قررت الخروج من سوريا.  

3- قطع الطريق البرّي

هذا الاحتمال، بالغ الخطورة، يمكن أن يأخذ المنطقة إلى حرب طاحنة، إذ إن إغلاق الحدود البرية بين العراق وسوريا سيشكّل صاعق تفجير حاسما لحرب قاسية قد تتحوّل، في وقت ما، إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين الأميركي والإيراني. فإغلاق الحدود، ولا سيما معبر البو كمال الحدودي، يعني قطع التواصل البري بين إيران وحلفائها في سوريا ولبنان، وهو ما سيؤثر في تجارتها من جهة، وفي إمدادات السلاح من جهة اخرى. والشق الثاني تحديدا دفعت إيران من اجله ثمناً باهظاً، إذ قدّمت مئات الشهداء من مقاتليها، الذين قضوا في سبيل تأمين هذا الطريق، سواء في الجانب العراقي، أو الجانب السوري.

وما يدفع كثيرين إلى اعتقاد، مفاده أن هذا هو الهدف الحقيقي من وراء التحركات الأميركية، هو الزيارة التي قام بها قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قآاني، قبل فترة وجيزة، للعراق، والتي جاءت، بحسب مراقبين، لمعرفة إمكان حدوث توافقات أميركية عراقية بشأن قضية إغلاق الحدود، وللاطمئنان على بقاء الموقف العراقي المعلَن في هذا الجانب كما هو من دون أي تغيير أو تبديل.  

عوامل مساعدة

بحيث إن الأمور في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا معقَّدة، بصورة واضحة، وبسبب وجود لاعبين أقوياء كُثر فيها، فإن مسألة تغيير طبيعة الوضع القائم، ولا سيما على مستوى السيطرة الميدانية، لن تكون سهلة، ودونها كثير من العقبات والصعوبات، وخصوصا للجانب الأميركي، الذي لا يملك كثيراً من القوات والإمكانات، التي يمكن أن تحسم المسألة عسكرياً في حال قرر ذلك.

لذلك، فهو يقوم منذ فترة ببعض الإجراءات المساعدة، والتي يمكن أن تكون بمثابة مخرج من هذه المعضلة، ويمكن لها أن تشكّل رافداً مهماً لأي تحرك عسكري قادم، أو توجّه نحو فرض وقائع جديدة على الأرض. ومن هذه الإجراءات، قيامه بنقل كمية كبيرة من العتاد العسكري من قواعده في قطر إلى قاعدة "موفق السلطي" في شمالي الأردن.

وكشفت مصادر أميركية رسمية قراراً أميركياً يقضي بإغلاق قاعدة السيلية الرئيسة في قطر، إلى جانب قاعدة السيلية الجنوبية، بالإضافة إلى موقع "فالكون"، الذي يُعَدّ نقطة إمداد متقدّمة بالسلاح والذخائر للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما على صعيد الدبابات والآليات المدرعة. وجرى، بحسب المصادر نفسها، نقل كل العتاد العسكري الموجود في القاعدتين المذكورتين، بالإضافة إلى موقع "فالكون"، إلى القاعدة الأردنية المُشار إليها أعلاه، والتي لا تبعد عن الحدود السورية سوى 51 كلم تقريباً.

بالإضافة إلى ذلك، وصلت إلى القاعدة الأردنية طائرات حربية مقاتلة من الجيل الخامس، من طراز "أف 22 رابتور"، وطائرات مروحية هجومية، وتمّت أيضاً زيادة مدى المدرج الرئيس للقاعدة، بحيث يصبح صالحاً لهبوط الطائرات المسيّرة وإقلاعها، والتي يحتاج بعضها إلى مدرّج طويل نسبياً.   

إلى جانب هذه الاستعدادات العسكرية، يلاحَظ أيضاً اهتمام أميركي واضح بزيادة مستوى العلاقة ببعض القبائل العربية السنّية في شرقي الفرات، وبدا أن هناك محاولة لرفع مستوى التنسيق معها، وإعطائها أدواراً جديدة للسيطرة على جزء من جغرافيا المنطقة، حتى على حساب الحليف التقليدي القديم، متمثّلاً بالأكراد.

وهذا الأمر تحديداً يرى متخصّصون أن الأميركي يسعى من ورائه لإنشاء قوة عربية سنيّة مسلحة وقوية، يمكن لها أن تتولى لاحقاً السيطرة على الحدود السورية العراقية من الجانب السوري، كبديل للقوات الحكومية، على أن تتلقّى اوامرها من القوات الأميركية، التي لا تملك العدد الكافي من القوات للقيام بهذا الدور من جهة، ولا تريد التورّط أكثر في المستنقع السوري، من جهة أخرى. 

صعوبات وتعقيدات

ولأن هناك فارقاً كبيراً بين الرغبة والقدرة، فإن تمكّن أميركا من القيام بهذا المخطّط الخطير، في حال صحّت التوقعات بشأن ذلك، لن يكون سهلاً على الإطلاق، إذ إن هناك كثيراً من الأطراف، التي تتناقض مصالحها تماماً مع الموقف الأميركي، ولن يكون مقبولاً لديها، في أي حال من الأحوال، تمرير هذا المخطط، مهما كلفها ذلك من ثمن. 

أول هذه الأطراف هو الجانب الإيراني، الذي تواجد قوات عسكرية تابعة له بصورة مباشرة، أو حليفة وقريبة منه، في مناطق كثيرة من البادية السورية، ولا سيما في أرياف دير الزور والحسكة، بحيث يقدّر بعض المصادر وجود أكثر من 15 ألف مقاتل من المجموعات الحليفة لإيران قرب دير الزور، على سبيل المثال، بالإضافة إلى آلاف آخرين قرب ريف الحسكة ومدينة الميادين وريف الرقة وحلب الشرقية، وصولاً إلى طريق خناصر وريف السلمية وريف حمص الشرقي.

وهؤلاء جميعاً سيشكّلون عقبة أساسية أمام أي تحركات أميركية محتملة، ولا سيما وهم يعتمدون بصورة شبه كلّية على معبر البو كمال وبعض المعابر غير الرسمية الأخرى من أجل التنقّل بين ضفتي الحدود، ويتلقّون، كما تقول المصادر الأميركية، إمدادات لوجستية متعددة من خلاله. 

الطرف الثاني القوي هو القوات الروسية، والتي تحظى بوجود شرعي ـ قانوني في الأراضي السورية، على خلاف القوات الأميركية، التي، بحسب القانون الدولي، هي قوات احتلال. فروسيا، منذ أن استعان بها حليفها السوري، تؤدّي دوراً حيوياً في مواجهة الحرب التي شُنّت على الدولة السورية، ونجحت، كما الحال بالنسبة إلى حليفها الإيراني، في فرض وقائع ميدانية جديدة، منعت سيطرة المجموعات التكفيرية متعددة الولاءات والمصالح على الأرض السورية، وتحويلها إلى دولة فاشلة، تسودها لغة الغاب، كما حدث في دول اخرى.

وبالتالي، لن يقبل الروسي، وهو الذي دفع أثماناً باهظة أيضاً، إحداثَ تحولات استراتيجية لمصلحة غريمه الأميركي، ولا سيما أنه يخوض ضدّه مواجهة غير مباشرة من خلال الحرب الأوكرانية. 

إلى جانب الموقفين الإيراني والروسي، هناك موقف الدولة السورية، التي قدّمت آلاف الشهداء من أجل استعادة الشريط الحدودي مع العراق من أيدي الإرهابيين، ومنعت، إلى جانب حلفائها، قوى الشر من فرض حصار خانق على الشعب السوري، الذي يعاني العقوبات الأميركية الظالمة والمجحفة من خلال قانون قيصر. 

الخلاصة

من المنظور الاستراتيجي لمستقبل المنطقة، لا يمكن فصل التحركات الأميركية عند الحدود السورية العراقية، ومحاولة إحداث تغييرات جيواستراتيجية، كما يقول البعض، عن ملفات كثيرة يتم العمل عليها، وإن عبر طرائق وادوات متعددة، بحيث يُلاحَظ أن أحداثاً كثيرة تجري تتعلق بساحات متعددة في الإقليم، مرتبطة بعضها ببعض، بصورة أو بأخرى، وكلّها تصبّ، كما يبدو، في مصلحة استقرار المشروع الاستعماري في المنطقة، وفي القلب منه رأس حربته المتقدمة، الكيان الصهيوني. 

فما يجري في لبنان من اقتتال دموي داخل المخيمات الفلسطينية، وما يتم بناؤه من مدن سكنية وصناعية في مدينة العريش عند حدود قطاع غزة الجنوبية، بالإضافة إلى فتح ملف حقول الغاز قبالة الشواطئ الغزّية، والحرب الطاحنة في السودان بين الأخوة والأشقاء، ومحاولة إسقاط الدولة المصرية ودول أخرى، اقتصادياً، وربما سياسياً، وعدم التوصّل حتى الآن إلى حل للأزمة اليمنية، وكثير من الملفات الأخرى العالقة والساخنة.

كل ذلك يشير إلى حقيقة واضحة، يحاول البعض إخفاءها وحجبها، وهي تشير إلى أن الأميركي ما زال يحتفظ بكثير من خيوط اللعبة في الإقليم، وأنه ما زال لديه كثير من الأدوات التي يستخدمها لإبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، وربما إدخالها في دوّامة جديدة من الاضطرابات والتحدّيات، على نحو يؤدي في المحصّلة إلى تبرير تموضعه فيها، عسكريّاً وسياسيّاً، وإلى المحافظة أيضاً على مصالح " الدولة العبرية"، حليفه الاستراتيجي والحيوي والمهم.