"الأنمي" على وجوه المراهقين السوريين.. الدراما الآسيوية لم تعد مسلّية؟

انتشار الدراما الكورية بين فئات المراهقين داخل سوريا، ترافق مع دفاع فكري عن المحتوى الذي تقدّمه هذه الدراما، خاصة الجانب الاجتماعي، وأيضاً الرومانسي حيث يتم تقديمه بقالب غير مألوف.

  • "الأنمي" على وجوه المراهقين السوريين.. الدراما الآسيوية لم تعد مسلّية؟

تسير أميرة بغدادي (16 عاماً) مع صديقاتها في حديقة "الجاحظ" وسط العاصمة السورية دمشق، وهي ترتدي اكسسوارات "غريبة" إلى حدٍ ما، مع قَصّة شعر قصيرة، شبيهة بقصّات الشعر الموجودة في شرق قارة آسيا، في ظاهرة جديدة بدأت تغزو المجتمع السوري على نطاق واسع.

تقول بغدادي للميادين نت: "استمددت هذا النمط من فرقة BTS الكورية، التي تأخذ حيزاً كبيراً من وقتي بالاستماع إلى أغانيها، إضافة إلى تعلقي الشديد بالمسلسلات الكورية، لما تحتويه من جمالية فريدة غير موجودة لا بالدراما العربية ولا حتى التركية". 

وتشرح أسباب إعجابها وتعلّقها بالدراما الكورية فتقول: "هذه المسلسلات قريبة من الواقع، وتشبه الأفكار التي نعيشها، ولا تحتوي على ابتذال، كما أنها قصيرة من ناحية المدّة الزمنية، حيث لا يتجاوز المسلسل 20 حلقة، على عكس الدراما التركية التي تحتوي على إطالة غير منطقية، ويصل طول المسلسل إلى نحو 100 حلقة".

بغدادي ليست الوحيدة التي تتقمّص شخصية ممثلة أو مغنّية كورية، حيث بدأت هذه الظاهرة تجد طريقاً سلساً لها بين فئة المراهقين داخل سوريا، كما  زاحمت الدراما الكورية في العقد الأخير نظيرتها التركية على الشاشات العربية، واستطاعت تسويق نفسها في المنطقة بامتياز، وخلال وقت قصير أصبح لها جمهورها المهووس بأصحاب العيون الضيّقة، كما كان الحال عند دخول الدراما التركية المدبلجة إلى المجتمعات العربية، وقبلها الدراما المكسيكية.

ازدياد الهوس بالدراما الكورية بين المراهقين، ترافق مع دفاع فكري عن المحتوى الذي تقدّمه هذه الدراما، خاصة الجانب الاجتماعي، وأيضاً الرومانسي حيث يتم تقديمه بقالب غير مألوف، فهو مغلّف بنوع من التهذيب والتضحية، بعيداً عن الابتذال والتكلّف، مع وجود حبكة درامية متينة، غير قائمة على العنف والقتل والدماء، التي تنتشر بكثرة في الدراما العربية والتركية.

الأزياء والاكسسوارات الخاصة بأبطال المسلسلات الكورية انتشرت خلال الآونة الأخيرة بين المراهقين داخل سوريا، وبدأ الطلب عليها في الأسواق ينمو بشكل ملحوظ، ما دفع العديد من أصحاب المحال  إلى استيراد تلك الأزياء أو العمل على تصنيع منتجات مشابهة لها محلياً في ظل الطلب المتزايد.

وفي هذا الاتجاه تقول المختصة النفسية آلاء رنكوسي للميادين نت إن المسلسلات لها تأثير كبير على جميع شرائح المجتمع، لكنّ الفئة الأكثر تأثّراً هي المراهقون، ففي هذا العمر تتشكّل الشخصية وتتحدّد الميول والهوية الذاتية للإنسان من النواحي النفسية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية.

وتضيف رنكوسي أن الإفراط بمشاهدة الدراما الكورية وأفلام الأنمي تنعكس على عادات وأفكار المراهقين، من حيث تبنّيهم أفكاراً وأنماط حياة جديدة، من خلال اتباع نمط لباس معيّن أو قصّة شعر محددة أو ارتداء اكسسوارات غريبة، من دون أن ننسى تأثير هذه الدراما على أهم جانب، وهو الجانب العاطفي.

"المسموح في مجتمع معيّن غير مقبول في مجتمعاتنا"، تتحدث رنكوسي عن أهمّية تحصين الجانب العاطفي لدى المراهقين، لأن التأثر المبالغ فيه ينشئ مشكلات وصراعات في تربية المراهقين، وهذا ما يفرض ضرورة توعية هذه الفئة في مرحلة مبكّرة وإيضاح التفاوت بين الحقيقة والخيال الدرامي، إضافة إلى ضرورة زرع الانتماء لديهم للتمسّك بمجتمعاتنا العربية، واحترام القيم والعادات والسلوكيات الموجودة فيها.

عالم الخيال للهروب من الواقع

خلال السنوات الماضية، ساهم الانتشار السريع لوسائل الإعلام بالتأثير المباشر في حياة الناس، وأصبحت تلك الوسائل تملك القدرة على صناعة الأفكار، والسيطرة على عقول الشباب، وتوجيه الأجيال إلى أهداف محددة، واليوم؛ مع التطور التكنولوجي، أصبح بإمكان المشاهد الوصول إلى مجموعة واسعة من القنوات التلفزيونية العالمية، ومشاهدة البرامج ذات اللغات المختلفة عبر الهاتف المحمول، وبالتالي بات تأثير وسائل الإعلام على الشباب أكثر قوة.

ولعلّ أبرز السلبيات التي تكمن في متابعة هذه الأنواع من الدراما على المراهقين أنها تدفعهم إلى العيش في عالم الأحلام والخيال بعيداً من الواقع، فيبدأ المراهق بالتماهي مع شخصيات الأبطال وتقليدهم بشكل أعمى، سواء في اللباس أو الحركات أو التصرفات أو أسلوب الكلام، وهذا الأمر مرتبط كليّاً بطبيعة فترة المراهقة التي تُعتبر بأنها مرحلة الفضول والحشرية، وكذلك السعي وراء الغرائز وتقبّل كل شيء غريب.

ويعتقد بعض المراهقين أن مشاهدة المسلسلات المدبلجة ستمكّنهم من التعرّف إلى ثقافة ونمط حياة مختلفين، بينما ترى فئة أخرى من المراهقين أن تلك الأعمال تقدّم قصصاً ممتعة ومقنعة ومهمة لتحصيل الخبرات في الحياة.

ورغم تنوّع الدوافع لمشاهدة المسلسلات المدبلجة، فإن الغالبية العظمى من المراهقين لا يملكون تفسيراً مقنعاً.

الأنمي تزاحم الدراما

لم تكن الدراما الكورية هي المحتوى الآسيوي الوحيد المقدّم عبر الشاشات العربية، حيث شهدت الفترة الماضية انتشاراً كبيراً لأفلام ومسلسلات الأنمي، التي تحقّق شعبية كبيرة بين المراهقين والشباب داخل سوريا، وباتت جزءاً رئيسياً من أهداف البحث الدائم على وسائل الإعلام، بهدف التعرّف إلى أيّ عمل جديد يتم تقديمه.

“أنمي" تطلق على نوع من الرسوم المتحركة والكتب المصوّرة، بدأت في اليابان في أوائل الستينيات ثم انتشرت إلى مختلف دول العالم، ويحرص على مشاهدتها أفراد من مختلف الفئات العمرية، حيث تتميّز بالألوان الزاهية والشخصيات القوية والقصص المتنوعة، منها ما هو واقعي، وآخر خيالي.

تقول نور حسن وهي اختصاصية في علم النفس إن إدمان الأنمي يشبه إلى حدٍ ما الإدمان على ألعاب الفيديو، ويختلف التأثّر به من شخص إلى آخر، ويُعتبر المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين الـ13 والـ18 الأكثر عرضة لهذا الإدمان.

وتشير حسن إلى أنه يجب على الآباء الانتباه إلى ما يشاهده المراهق، وكيف يقضي وقته والتحاور معه بحكمة، بعيداً من الترهيب والمنع الصارم، لأن كل ممنوع مرغوب، كما أن بعض المراهقين يقومون بتحدّي الآباء ومشاهدة الأنمي في الخفاء، ويعتبرون الموضوع "انتصاراً على تسلّط الوالد" الذي ينتمي إلى جيل مختلف، بحسب وجهة نظر هذه الفئة العمرية.

وتؤكد حسن أن السبب الرئيسي الذي يدفع الناس لمشاهدة المسلسلات الكورية أو الأنمي هو محاولة الهروب من الواقع، والبحث عن عوالم تفصلهم عن العالم المحيط، حيث تتعلّق الفتيات ببطلات المسلسلات وتحاول تقليدهن بالملابس والاكسسوارات وطريقة الكلام، كما يتقمّص الشباب شخصيات أبطال الدراما الكورية والأنمي لإشباع غرائز ذاتية متعلقة بالقوة والسيطرة.

تعتبر تيارات من الناس في سوريا أنه من الضروري على الأهل احترام رغبات أولادهم وأفكارهم، والتحاور معهم بشكل دائم لتحديد الآثار السلبية للتعلّق الزائد، ليس فقط في الدراما الكورية وإنما بمختلف الأمور، وعدم الضغط عليهم بالصراخ أو القوة، وإلا ستكون النتائج سلبية للغاية وستزيد من عنادهم، خاصّة أن مرحلة المراهقة حسّاسة وتتطلب رعاية إضافية من الأهل، لأن المراهقين عادةً ينجذبون إلى كلّ ما هو جديد وغير مألوف في الدراما والموضة والتكنولوجيا.

الطبيب النفسي أنس الدالي يؤكد للميادين نت أن الرسوم المتحركة تشكّل لدى الطفل مصدراً هاماً من مصادر الاكتشاف واكتساب المعارف في المراحل العمرية الأولى، لكن مع ظهور أفلام ومسلسلات الأنمي التي تجسّد عالماً يختلف عن العالم الحقيقي بأشكال متنوعة، "إما بشخصيات أو قوى خارقة للطبيعة، أو في سرديتها حول القصص الإجرامية والحوادث المرعبة"، وهنا لا بد من التوقف عند التأثير النفسي لهذه الرسوم على المراهقين.

وفي هذا الاتجاه يؤكد الدالي أن المراهقين يميلون إلى الاقتداء بالشخصيات التي يشاهدونها ويعجبون بها عبر التمثّل بسلوكياتها شكلاً ومضموناً، وهنا يجب التأكيد أن رسوم الأنمي لها حساسية أكبر لأنها تفعّل حالة القلق والترقّب المستمر لمعرفة القادم، وقد يجد المراهق في قضايا الجريمة والبطل القادر على فعل أي شيء ما يلبي بحثه عن "هوية الشجاع" الذي يقهر الجميع، إضافة إلى دور تلك الرسوم في تطوّر سمات نفسية مرتبطة بالنزعة للعدوانية والانفعال المستمر، والتي قد تستمر لمرحلة نهاية سنّ المراهقة وتشكّل نمطاً ثابتاً للشخصية مستقبلاً.