بعد فوضى دعاوى مدنية.. هل يُقرُّ قانون ينظّم رد الهدايا بين المخطوبين في مصر؟

يتقاضى "مخطوبون سابقون" في مصر بشأن الهدايا التي تُرسل خلال فترة الخطوبة، حيث يطالب الشبان باستردادها، ما دفع إلى تقديم مقترح قانوني ينظّم رد الهدايا.

  • بعد فوضى دعاوى مدنية.. هل يُقرُّ قانون ينظّم رد الهدايا بين المخطوبين في مصر؟
    بعد فوضى دعاوى مدنية.. هل يُقرُّ قانون ينظّم رد الهدايا بين المخطوبين في مصر؟

قبل فترة وجيزة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بسبب شاب رفع دعوى قضائية ضد شابة، ففي اليوم التالي لفسخ الخطوبة بينهما، فاجأها الشاب بدعوى قضائية، تطالبها برد كلّ الهدايا والمصاريف التي أنفقها عليها!

وأكثر ما أثار ضحك وسخرية روّاد مواقع التواصل الاجتماعي كان طلب الرجل من خطيبته السابقة أن يسترد هدايا مثل الورود والشوكولاتة وبطاقات شحن الهاتف المحمول والحلوى ومصروفات الخطبة، وغيرها.

وفي السنوات الأخيرة، أخذت دعاوى كهذه تنتشر في الإعلام بصورة كبيرة، حتى أنّها كانت أحياناً تتسبّب بالحرج لبعض الفتيات وعائلتهن، لاضطرارهن إلى دفع أموال، مقابل تنازل الرجال عن الدعاوى القضائية.

طلبات غير منطقية

قالت الشابة العشرينية من شمال مصر، نيرة (اسم مستعار)، للميادين نت إنّها "كانت مخطوبةً لشاب سافر إلى كندا، وبعد الانفصال، أعادت إليه الشبكة والهدايا التي حصلت عليها منه".

وتابعت نيرة: "عند عودته إلى مصر، حاول إصلاح الأمور بيننا، لكنني لم أوافق. في صباح اليوم التالي، فوجئت بشخص من قسم الشرطة يخطرنا بدعوى قضائية في محكمة الأسرة، يطالب فيها الخطيب والدي برد الهدايا والشبكة، التي رُدَّت سابقاً".

حينها، كانت نيرة قاصراً، وأقيمت الدعوى باسم والدها، ولي أمرها. وعند ذهابه إلى المحكمة، وجد الأب صوراً للهدايا في المحضر، وواجه خيارين: دفع قيمة الهدايا مرة أخرى أو السجن. ولحسن الحظ كان هناك شهود حين أعاد شقيقها الهدايا.

ولا تزال نيرة، كلّما تتذكّر ذلك الموقف، تسترجع صدمتها، خاصةً أنّ الشاب كان من عائلة ثرية، وكانت وظيفته كطيار مدني تدرّ عليه راتباً مرتفعاً.

رأي الدين في رد الهدايا

أستاذ الدراسات الإسلامية بقسم الحضارات العربية والإسلامية في الجامعة الأميركية في القاهرة، محمد سراج، قال: إنّ "الدين الإسلامي، الذي تستند إليه الدولة في تشريعاتها في هذه المسألة، يوضح أنّ الشبكة إذا كانت جزءاً من المهر، يجب ردّها وفقاً للمذهب الحنفي. أما إذا كانت هدية، فلا حقّ لردها".

واعتبر سراج أنّ "هذا الأمر خُلقاً غير مستحب"،مشيراً إلى حديث نبوي ورد فيه أنّ "العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه"، مستدركاً أنّ القانون يجيز الرجوع في الهدايا.

أما المذهب المالكي فيقول: "إذا كان الرجوع عن الخطوبة من الفتاة، فعليها رد الهدايا والشبكة إذا كانت جزءاً من المهر، حتى لا يجتمع على الخاطب ألم الخسارة المالية والعاطفية. وإذا كان العدول من جهة الرجل فلا يحق له الهدايا"، كما أضاف سراج.

وفي تعليقه على واقعة الشاب الذي طالب خطيبته برد هدايا مستهلكة، منها الورود والشوكولاتة، قال سراج إنّ هناك ما يسمى بـ"موانع الرجوع"، ومن هذه الموانع أن تكون الهدايا مستهلكةً، كالمواد الغذائية، أو مواد تلفت، أو مواد عينية أُهديت لشخص آخر ونُقلت ملكيتها إليه، كأن تهدي خاتماً أهداه إليها خطيبها، إلى أمها.

رأي القانون في رد الهدايا

في واقعة مماثلة لتلك المعروفة إعلامياً بقضية "الشوكولاتة والورود"، قضت محكمة أسرة مدينة نصر في عام 2021، بعد نزاع لسنوات بين شاب وشابة تم فسخ خطوبتهما، بأن ترد الشابة الشبكة أو قيمتها فقط، وإلزامها بأتعاب المحاماة، في حين طالب الشاب برد قيمة الشبكة والهدايا، من ملابس وطعام ومصاريف ليلة الخطبة.

واستندت المحكمة في حكمها إلى القانون رقم 1 لسنة 2000، الذي ينصّ على أنّ "الهبة يجوز استردادها شرعاً، إذا كانت قائمة بذاتها ووصفها، وذلك لا يؤثّر في كون الفسخ من الرجل أو المرأة"، وإلى المواد 500 و501 و502 من القانون المدني.

ووفقاً للمحامي الحقوقي ياسر سعد، فإنّ القانون الحالي "تتخلّله بعض الشوائب، فهو يعتبر الشبكة هبة يجوز ردّها، في حين أنّها التزام متبادل لا علاقة له بالمهر، وتالياً لا يستوجب ردها".

وقال سعد إنّ الشبكة تُعدُّ شكلاً من أشكال التعاقد، أي عقد النية للزواج، لكنها لا تخضع لقانون الأحوال الشخصية، لأنّ الزيجة لم تتم، وتالياً فهي تخضع للقانون المدني.

وتعليقاً على حادثة "الشوكولاتة والورود"، قال سعد إنّ "الشاب يتعمّد إهانتها، لأن القانون لن يلتفت إلى الهدايا المستهلكة"، مضيفاً أنّ "بعض الرجال يسجّل فاتورة شراء الشبكة باسمه، حتى يستطيع المطالبة بها بعد فسخ الخطبة، فتصبح الفتاة كما لو كانت استولت على شيء يخصّه". 

مقترح قانون لتنظيم رد الهدايا

بسبب فوضى الدعاوى القضائية بعد فسخ الخطبة، وما يترتّب من أذى نفسي أحياناً لبعض النساء أو الرجال، وعلى الرغم من أنّ أحكام رد الشبكة والهدايا لا تخضع لقانون الأحوال الشخصية، اقترحت مؤسسة قضايا المرأة المصرية إضافة بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية، بدلاً من المعمول به حالياً، والذي أُقرّ عام 1929.

يتكوّن مقترح المؤسسة لقانون الأحوال الشخصية من 102 مادة، ويتضمّن مقترحات بخصوص الخطبة، منها تعويض الطرف المتضرّر من الفسخ، واعتبار الهدايا جزءاً من المهر.

جواهر الطاهر، وهي محامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، قالت لـلميادين نت إنّ القانون الحالي "لا يجيز رد الهدايا إذا كانت مستهلكة، ولا رد قيمتها، لأن الاستهلاك مانع من موانع الرجوع في الهبة شرعاً". أما إذا كانت الهدية أو بقايا منها موجودة بشكل فعلي، فيتم ردها، ولذلك وضعت المؤسسة مقترحات لتنظيم المسألة بشكل أوضح من القانون الحالي.

وأضافت الطاهر أنّ مقترح المادة 3 يقول: "إذا عدل أحد الطرفين عن الخطوبة، وإذا كان هناك عقد اتفاق مكتوب بالخطوبة، ولا بد من التفرقة بين حالتين. الأولى هي أنّه إن كان بغير مقتضى، فلا حقّ في استرداد شيء مما أهدي للآخر، وتنطبق هذه القاعدة على الشبكة أيضاً".

والحالة الثانية "هي أنّه إن كان العدول بمقتضى، للشخص أن يسترد ما أهداه إن كان قائماً، وإن لم يكن قائماً فله استرداد قيمته، يوم إهدائه إن كان هالكاً أو مستهلكاً، وليس للآخر أن يسترد شيئاً مما أهداه له، وتنطبق هذه القاعدة على الشبكة أيضاً".

أما إذا انتهت الخطوبة بعدول من الطرفين، استرد كل منهما ما أهداه للآخر، إن كان قائماً أو إذا كان غير قابل للهلاك، أما الشبكة فتقتسم بين الطرفين.

ولا يزال العمل على جمع تواقيع على المقترح جارياً في البرلمان المصري، بعد أن دعمته النائبة نشوى الديب التي استطاعت الحصول على أكثر من 60 توقيعاً حتى الآن، ولا تزال المؤسسة تجري نقاشات مجتمعية حوله تحت عنوان "قانون أكثر عدالة للأسرة المصرية"، وتضم النقاشات مختلف الأطياف، من علماء دين مسلمين ومسيحيين وباحثين قانونيين واجتماعيين، إضافة إلى متضررات ومتضررين من القانون الحالي.