يمنيون عن الملف الإنساني في مفاوضات صنعاء والرياض: لا مساومة على لقمة العيش والدواء

بعد تجمّد المفاوضات بين الرياض وصنعاء بوساطة عمانية منذ اندلاع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، فإنّ يمنيون يتساءلون عن مصير الملفات الإنسانية الضرورية العالقة في المفاوضات، والتي تؤكد صنعاء أنها أولوية على أيّ ملف آخر.

  • يمنيون عن الملف الإنساني في مفاوضات صنعاء والرياض: لا مساومة على لقمة العيش والدواء
    يمنيون عن الملف الإنساني في مفاوضات صنعاء والرياض: لا مساومة على لقمة العيش والدواء

في أيلول/سبتمبر الماضي، أجرى وفد صنعاء المفاوض مع الجانب السعودي في الرياض مفاوضات بوساطة عُمانية، استمرّت لأيام، تتناول ملفات عديدة بينها سياسية وإنسانية.

وشدّد مسؤولون في حكومة صنعاء مراراً بينهم وزير الإعلام، ضيف الله الشامي، على أنّه "لا يمكن القفز فوق القضايا الإنسانية في مفاوضات الرياض، والذهاب إلى الملفات السياسية أولاً"، مشيراً إلى أنّ "قضية إيقاف الحرب على اليمن هي في يدَي السعودية".

انطلاقاً من ذلك، ما هي أبرز الملفات الإنسانية التي يعاني بسببها اليمنيون، وتلحّ صنعاء على أن تكون أولوية في المفاوضات؟

استمرار الحصار يفاقم معاناة اليمنيين

في أيار/مايو من العام الماضي تمّ فتح مطار صنعاء الدولي وإعادة تسيير الرّحلات منه وإليه بشكل محدود، ليعاود العدوان إغلاقه في أواخر أيلول/سبتمبر العام الجاري، ولتعود مع ذلك معاناة اليمنيين مع كابوس الحصار الذي راودهم لستّ سنوات، كونه يمثّل الشريان الرئيس لأكثر من 80% من سكان اليمن.

إعلام التحالف السعودي يعزو إغلاق المطار مؤخراً إلى دعوى تجميد أرصدة الشركة اليمنية للطيران في بنوك صنعاء، فيما نفى مصدر في الهيئة العامة للطيران للميادين نت ذلك، مُرجئاً السبب إلى توجيهات صريحة وتعنّت واضح من قبل دول العدوان باستمرار حصار الشعب اليمني.

السيّدة أم أحمد (55 عاماً)، تعاني من مرض السرطان، تروي قصة معاناتها للميادين نت قائلة إنّ أعراض مرضها بدأت تظهر منذ ما يقارب الأربع سنوات، ومع بدء العلاج كانت المعاناة شديدة بسبب نقص الأدوية من جهة، وارتفاع أسعارها من جهة أخرى.

تصف أم أحمد وضع عائلتها المادي بالصعب للغاية، "بالكاد نستطيع توفير لقمة العيش، فضلاً عن توفير الدواء. ومع بداية انتشار المرض في جسدي كان السفر مستحيلاً بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وكذلك بسبب الحصار وإغلاق المطار".

لكن الصعوبات لم تتوقّف عند هذا الحد، "فحين بعنا قطعة من الأرض وجُمِع مبلغ من المال من بعض الخيّرين لأتمكّن من السفر وتلقّي العلاج أُغلق المطار مجدداً".

وأضافت: "أبنائي فقدوا الأمل في شفائي، يوماً بعد آخر يزداد الألم وتزداد المعاناة، في وضع كهذا بات الموت راحة لمن هم في وضعي".

أكثر من 100 ألف وفاة بسبب الحصار

أكثر من نصف مليون مريض بحاجة ماسة إلى السفر إلى الخارج لتلقّي العلاج، يتوفّى منهم بين 25 و30 حالة مرضية يومياً، وقد بلغت حصيلة الوفيات نتيجة الحصار أكثر من 120 ألف مريض، بحسب مدير الإعلام في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد سلطان مهدي فرج.

وأضاف فرج أنّ عدد الحالات الحرجة التي يتطلّب وضعها السفر العاجل يبلغ 450 ألف حالة، كما أنّ الرحلات التي تمّ تشغيلها لا تلبّي الحدّ الأدنى للاحتياج الفعلي للسفر.

وأشار إلى وجود أكثر من 71 ألف مريض بالأورام السرطانية مهدّدين بالموت المحقّق نتيجة استمرار الحصار، و8 آلاف مريض بالفشل الكلوي بحاجة إلى عمليات زراعة كلى بصورة عاجلة.

وعن عدد الحالات التي تمكّنت من السفر خلال عام واحد من فتح المطار، يقول فرج: "ألفا مريض استطاعوا السفر عبر الأردن خلال عام، بينما المسجّلون في اللجنة الطبية 60 ألف مريض".

ظلّ عبد الله سعيد متعلّقاً بأمل الشفاء إلا أنّ الموت كان أسرع، تقول ابنته للميادين نت: "عانى والدي كثيراً من مرض الفشل الكلوي، كان بوسعه السفر عبر مطار عدن، إلا أنّ مشقة السفر براً إلى هناك تفوق قدرة احتماله، فلم يكن أمامنا سوى انتظار أن يُفتح مطار صنعاء. لم يفارقه الأمل بالشفاء وزراعة كلية، إلا أنّ الموت داهمه قبل شهر واحد من إعادة فتح المطار".

وأضافت: "وضع المرضى بات مأساوياً إلى الحد الذي لا يمكن احتماله، من الصعب جداً أن نرى أقرباءنا وأحبتنا وأشخاصاً عزيزين جداً على قلوبنا يتلوون ألمًا، ويتجرّعون مرارة المرض من دون أن نتمكّن من تقديم المساعدة لهم، فكلّ الأبواب مغلقة!".

وفي هذا السياق، دعا نائب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال حسين العزي في وقت سابق إلى ضرورة تحييد شركة الطيران اليمنية كناقل وطني، وحمايتها من أي عبث أو توظيف سياسي لابتزاز صنعاء. 

تبادل الأسرى.. "الكلّ في مقابل الكلّ"

في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، دعا عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن محمد علي الحوثي "السعودية وتحالفها إلى الإسراع في تبادل الأسرى الكلّ في مقابل الكلّ، وعدم التأخير عمّا تمّ الاتفاق عليه في هذا الملف، كونه ملفاً إنسانياً لا يقبل التأخير، وبمن فيهم المحتجزون من فلسطين وبحسب ما سبق بحثه".

فبعد جولات مفاوضات عديدة بين الوفدين اليمني والسعودي، تأتي قضية الأسرى ضمن الملف الإنساني الذي يمثّل أولوية تقع على رأس الملفات التي يناقشها وفد صنعاء. ويشير رئيس اللجنة الوطنية للأسرى عبد القادر المرتضى في تصريح سابق له إلى أن معظم أسرى الجيش واللجان الشعبية تحت طائلة التعذيب، لافتاً إلى أن وضع الأسرى المحتجزين لدى طرف مأرب يعدّ الأكثر سوءاً، وأنه يستخدم هذا الملف للابتزاز والكسب السياسي والمالي. 

الأسير م. ك تم أسره في محافطة لحج الجنوبية أواخر العام 2015، تشير شقيقته إلى انقطاع أخباره عنهم بعد تواصله بهم لمرة واحدة فقط منذ أسره بمكالمة صوتية لثوانٍ معدودة، سُمع خلالها صوته فقط من دون أن يُسمح له بقول شيء يطمئنهم.

وأضافت في حديث مع الميادين نت: "بداية لم نكن نعرف مصيره أهو شهيد أم أسير أم مفقود، وبعد أسره بشهرين نشر إعلام العدو خبر أسره قيادياً في صنعاء مع نشر صور وتفاصيل عنه، الأمر الذي أكد لنا نبأ أسره".

تتحدّث شقيقة الأسير عن معاناة العائلة في غيابه، وتقول: "عانينا كثيراً، خاصة وأنه الأخ الكبير والمعيل للأسرة، معاناة الفقد ابتداء، ثم المعاناة إزاء توقّف مصادر الدخل نتيجة إغلاق شركاته".

وأضافت: "مررنا بظروف صحية صعبة تعرّض لها والداي نتيجة للضغط النفسي المتراكم".

في السياق ذاته، تؤكد شقيقة الأسير صبرهم وتماسكهم وصمودهم بالرغم من الألم والمعاناة، وتطالب بحقهم في التواصل معه للاطمئنان عليه والاطلاع على وضعه.

مرام مرشد، شقيقة أسير ومفقود أيضاً، أُسر شقيقها في 25 رمضان 1443 الفائت، "بتواطئ من العدو"، وفق قولها.

تقول مرام للميادين نت: "لم يتواصل شقيقي معنا سوى مرة واحدة ثم انقطعت أخباره. ليست لدينا أي فكرة عن الانتهاكات التي يتعرّض لها، إلا ما يصلنا من بعض الأسرى عند خروجهم من الأسر، والذين يروون كيف تتمّ معاملتهم بعنجهية ووحشية، فنتيقّن من أنّ جميع الأسرى على الحال نفسه".

انقطاع الرواتب.. مدرّسون يلجأون إلى التسوّل 

يعاني أكثر من مليون يمني في المناطق التابعة لحكومة صنعاء من شبه انقطاع كامل للمرتبات، وذلك عقب قرار نقل البنك المركزي إلى عدن في 2016 مما فاقم معاناة اليمنيين.

تعتمد حكومة صنعاء على ما يتمّ تحصيله من إيرادات تصلها عبر ميناء الحديدة، والتي بحسب مصادر رسمية، لا تغطي سوى 10% فقط من قيمة المرتبات، في ظل استيلاء مرتزقة العدوان على الإيرادات الداخلية، كالغاز والنفط والجوازات والمنافذ والموانئ.

م. ع مدرّس عمل في السلك التربوي لـ15 عاماً، تقطّعت به السبل حتى لجأ أخيراً إلى التسوّل في سبيل توفير لقمة العيش، يقول للميادين نت: "لم يكن هناك خيار آخر! في وضعٍ كــهذا ما هو العمل؟ بل ما هي الوظيفة التي تضمن للمواطن حقه في العيش الكريم؟ لم يترك لنا العدوان خياراً آخر".

وأضاف: "يعزّ عليّ أن أرى أولادي يتضوّرون جوعاً وأبقى مكتوف اليدين!". 

أ. س معلّم آخر في إحدى المدارس الحكومية، لم يستطع تسديد ثمن إيجار بيته المتراكم عليه، فلجأ مع أسرته إلى السكن في أحد صفوف المدرسة التي يعمل فيها".

أما م. م، طالبة جامعية، فهي أيضاً تذكر معاناتها للميادين نت: "نتيجة لانقطاع المرتبات، نجد صعوبة بالغة في توفير دواء والدي المريض بالقلب. يضطرّ والدي برغم مرضه القيام بأعمال شاقة ومتعبة لتوفير قوتنا اليومي".

وأضافت: "ديون هائلة أصبحت متراكمة علينا، إضافة إلى أنّي لم أستطع إكمال دراستي الجامعية".

مصادر رسمية في حكومة صنعاء أكدت التزامها فعلياً بفتح حساب خاص في فرع البنك المركزي في الحديدة وفقاً لاتفاق ستوكهولم، الذي نصّ على إيداع جميع إيرادات موانئ الحديدة في البنك المركزي اليمني، من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة اليمنية، على أن يتمّ استيفاء مبلغ المرتبات من بنك عدن ومن عائدات الثروة النفطية والغازية الخاضعة لسلطة الاحتلال والمرتزقة.

لم تقتصر المعاناة على المناطق التابعة لحكومة صنعاء، فقد تزايدت الاحتجاجات في المناطق الخاضعة لما يسمّى بالشرعية نتيجة للسياسات الخاطئة والتي نتج عنها تردٍّ للوضع الاقتصادي، وتأخير تسليم المرتبات وغلاء الأسعار وغياب الخدمات الإنسانية، إضافة إلى انهيار العملة المحلية أمام العملة الصعبة.

وبحسب مواطنون جنوبيون فقد تمّ تحويل مرتباتهم إلى البنوك التجارية، ما أدى إلى عرقلة استلامهم المرتبات بشكل متنظم.

ومع تجميد المفاوضات حالياً منذ اندلاع طوفان الأقصى، يبقى تساؤل من عدد من المواطنين: كيف يُفاوَض على حق إنساني واضح؟ بل كيف يمكن استخدام هذا الملف كورقة حرب للضغط والابتزاز السياسي برغم المعاناة التي يشهدها العالم أجمع؟ 

اقرأ أيضاً: مصادر للميادين: قرار إيقاف المساعدات الإنسانية لليمن جاء نتيجة دعمه فلسطين